متابعة/المدى
يشهد العراق في السنوات الأخيرة تزايداً ملحوظاً في ظاهرة عمالة الأطفال، حيث باتت هذه المشكلة الاجتماعية تمثل تحدياً كبيراً للحكومة والمجتمع على حد سواء.
وتعود أسباب ارتفاع أعداد الأطفال العاملين إلى عدة عوامل، من أبرزها الفقر المدقع وانتشار البطالة بين البالغين، فضلاً عن ضعف التشريعات والإجراءات القانونية التي تحمي حقوق الطفل. الأوضاع الاقتصادية المتردية، التي تفاقمت، بسبب الحروب والصراعات المتواصلة، أدت إلى دفع العديد من العائلات العراقية إلى إرسال أبنائها للعمل في سن مبكرة لتأمين مصدر رزق إضافي.
البيانات المتوفرة تشير إلى أن آلاف الأطفال، لا سيما في المناطق الريفية والمناطق الحضرية الفقيرة، يتركون مدارسهم، وينخرطون في أعمال تتنوع بين الزراعة، البيع في الشوارع، وأحياناً العمل في الورش والمصانع في ظروف غير إنسانية. هذه الأوضاع تهدد حقوقهم الأساسية كالتعليم والصحة، وتعرضهم لأخطار صحية ونفسية، قد تكون لها آثار طويلة المدى.
المنظمات الحقوقية المحلية والدولية دقت ناقوس الخطر مراراً وتكراراً حول هذه الظاهرة، مشيرة إلى أن عمالة الأطفال في العراق لا تقتصر فقط على الظروف الاقتصادية السيئة، بل ترتبط أيضاً بضعف الرقابة وغياب البرامج الفعالة التي توفر الحماية الاجتماعية والدعم للعائلات الفقيرة.
وتشير بعض التقارير إلى أن الجهات الحكومية، رغم محاولاتها المتواضعة لمعالجة هذه القضية، لا تزال غير قادرة على وضع حلول جذرية، نظراً إلى التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تعانيها البلاد.
وقال رئيس المركز الستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، إن "العراق يحتل المرتبة الرابعة عربيا في عمالة الأطفال، وأن أكثر من 200 مليون طفل في العالم من أعمار 6 - 17عاماً يعملون في سوق العمل يمثل الذكور منهم نسبة 80%".
وأوضح الغراوي أن "العراق يحتل المرتبة الرابعة في عمالة الأطفال بعد اليمن والسودان ومصر، بنسبة 4.9% في الفئات العمرية الصغيرة يتركز عملهم في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات بنسب عالية".
وبين أن "ارتفاع معدلات عمالة الأطفال في العراق سببها الأوضاع الاقتصادية، بسبب انخفاض دخل الأسرة وارتفاع معدلات البطالة والفقر والصراعات التي عاشها العراق والنزوح وارتفاع معدلات العنف الأسري ضد الأطفال وضعف منظومة التشريعات القانونية والإستراتيجيات لحماية حقوق الطفل". وأضاف الغراوي أنه "على الرغم من مصادقة العراق على الاتفاقيات الأساسية الرئيسة التي تحمي الأطفال من جميع أشكال عمل الأطفال، ثم إنَّه من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل إلا أن نسب عمالة الأطفال في العراق ما زالت مرتفعة".
من جهته، قال الباحث الاجتماعي، محمود داود، أن "الانخراط في العمل في سن مبكرة يعيق التقدم الأكاديمي للأطفال حيث يحرمهم من الفرص التعليمية، بالإضافة إلى ان مسؤولية العمل تتطلب منهم إعطاء الأولوية للعمل على التعليم، وهذا الشيء يؤثر أيضاً في قدرتهم في التركيز على دراساتهم من خلال توفير وقتهم وطاقتهم في العمل".
وأردف، أن "ساعات العمل الطويلة، والضغط الجسدي، والتعرض لبيئات خطرة تسهم في التوتر والقلق، يمكن ان يؤدي الإجهاد البدني إلى الارهاق والاضطرابات الجسدية، في حين ان ظروف العمل الخطرة يمكن أن تغرس الخوف والقلق بشأن سلامتهم".
وأكمل، أن "الأطفال الذين يعملون في ظروف غير آمنة معرضون للاستغلال الجسدي والجنسي وسوء المعاملة والعنف، وقد يتعرضون للاعتداء الجسدي أو اللفظي حيث يمكن ان يكون لهذه التجارب عواقب نفسية وخيمة تؤدي إلى الصدمة والخوف وعدم الثقة العميق بالآخرين".
وتابع، أن "عدم وجود بيئة تنشئة ووقائية يؤثر في نحو أكبر على صحتهم النفسية واحترامهم لذاتهم، يمكن أن يؤدي نقص الدعم العاطفي والتوجيه والرعاية إلى تفاقم أحاسيس العزلة والوحدة، ويمكن ان يحرمهم ذلك من فرص التفاعلات الاجتماعية الإيجابية وتطوير علاقات صحية مما يؤثر في نحو أكبر على صحتهم العقلية".
وتُبيّن تقارير حقوقية، وكذلك مسؤولين عراقيون، أن ارتفاع معدّلات الفقر في العراق، دفع مؤشّر عمالة الأطفال إلى تسجيل أرقام قياسية في معظم مدن البلاد خلال العامَين الماضيَين.
التقارير الحقوقية، تفيد بأنّ أكثر من مليون طفل يعملون في سنّ مبكرة، في ظلّ ارتفاع نسبة الفقر، واستمرار النزوح القسري، ونقص الفرص التعليمية، الأمور التي دفعتهم إلى العمل المبكر لإعالة عائلاتهم.
ونحو مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة هم في سوق العمل اليوم، وأنّ لدى 30% من الأسر العراقية تقريباً أطفالاً يعملون في مجالات مختلفة، وتضيف أنّ هؤلاء الأطفال يعملون لقاء أجر يومي، الأمر الذي يشير إلى انخراطهم في وظائف مؤقّتة ومنخفضة الأجر، بالإضافة إلى انخراطهم في الخدمة المنزلية وأعمال البناء.
وتشير المصادر إلى أنّ الأطفال يتورّطون كذلك في أنشطة غير قانونية، من قبيل السرقة والتسوّل وجمع القمامة وحتى بيع المخدرات. وفي إطار الأنشطة غير القانونية، تزجّ عصابات منظّمة بفتيات في الملاهي الليلية، وتستغلّهنّ في الدعارة والاتجار بالبشر، وثمّة حالات موثّقة لهذا الوضع الذي تتجاهله الحكومة العراقية والسلطات الأمنية، لأنّ العاملين في هذا المجال بمعظمهم مدعومون من جهات متنفّذة في الدولة، وفق المصادر.
وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل أو حتى إيقاف النشاط.
وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصاً لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.
أما دولياً، فإن اتفاقية حقوق الطفل في المادة (32-1) تقول: "تعترف الدول الأطراف بحق الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي".