بغداد/ تبارك المجيد
في عصرٍ تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية بشكل غير مسبوق، يظهر الذكاء الاصطناعي كقوة مغيرة لقواعد اللعبة في مختلف المجالات، إذ يتطلع العراق إلى استثمار هذه الثورة التكنولوجية لتعزيز اقتصاده وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
ومع ذلك، تبرز الحاجة الملحة لفهم أبعاد هذا التطور، والتحديات التي قد تطرأ نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة لا تزال تتلمس طريقها نحو التقدم.
وشهد العراق خلال شهر حزيران إطلاق أعمال المؤتمر الأول للذكاء الاصطناعي، برعاية رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني.
وخلال المؤتمر، أوضح مستشار رئيس الوزراء للشؤون العلمية والذكاء الاصطناعي، البروفسور ضياء الجميلي، أن هذا المؤتمر يُعد خطوة هامة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في العراق، عبر تسخير الخبرات العراقية المحلية والمغتربة. كما أشار إلى أن العراق يضع استراتيجية شاملة تمتد حتى عام 2050 تهدف إلى تطوير مجالات الذكاء الاصطناعي على المدى القريب والبعيد.
والجدير بالذكر أن العراق احتل المرتبة 77 عالميًا والتاسعة عربيًا في مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2024، مما يعكس وجود تقدم ملحوظ في هذا المجال على مستوى البلاد.
وضع ضوابط للاستخدام
ويشير عثمان علي، المختص في الذكاء الاصطناعي، في حديث لـ(المدى)، أهمية تقييم استخدامات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العراق مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى التطور التكنولوجي الحالي في البلاد.
وأوضح أن هناك تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال، مما يفتح الباب أمام تحديات وفرص عديدة.
وأكد عثمان أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم بشكل كبير في تطوير الاقتصاد وتحسين الخدمات في مجالات مختلفة مثل الصحة، التعليم، الزراعة، والصناعة، مشددًا على أنه سيسرع من وتيرة العمل ويقدم حلولًا مبتكرة.
عثمان ناقش التصورات الخاطئة حول الذكاء الاصطناعي، حيث يعتقد البعض أن استخداماته مقتصرة على تطبيقات بسيطة مثل تعديل الصور والفيديوهات، في حين أن الذكاء الاصطناعي يدخل في مجالات أكثر تعقيدًا، مثل الهندسة، حيث يسهم في تصميم المباني والعمارات، والفن، حيث يمكنه رسم لوحات بسرعة فائقة. وأكد أن هذا التطور يتسارع بوتيرة سريعة مقارنة بالتقنيات الأخرى.
وأضاف أن العراق بحاجة إلى وضع خطط فورية للاستفادة من هذه التكنولوجيا، مشيرًا إلى أهمية توفير دورات تعليمية، والتعاون مع الشركات الدولية، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في هذا المجال، مثل الإمارات.
كما شدد على ضرورة وضع ضوابط وتشريعات لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومسؤول، مستشهدًا بتصريح إيلون ماسك الذي وصف الذكاء الاصطناعي بأنه قد يكون أخطر من الأسلحة النووية إذا لم تتم مراقبته والسيطرة عليه.
في ذات السياق، أوضح حيدر ناصر، أستاذ أكاديمي مختص في علوم التكنولوجيا، أن “تطوير البنية التحتية التقنية في العراق يُعد ضرورة ملحة، مشددًا على أهمية التركيز على الأمن السيبراني وحماية البنية التحتية الرقمية من الهجمات السيبرانية التي قد تهدد سلامة البيانات والمعلومات. وأكد ناصر خلال حديثه لـ(المدى) على أهمية توفير بيئة تقنية مناسبة تمكّن من استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية، مما يسهم في تحسين الأداء العام في مختلف القطاعات.
وأضاف ناصر أن التعاون الدولي مع الشركات والمؤسسات العالمية يُعد خطوة حيوية لنقل التكنولوجيا وتبادل الخبرات، مشيرًا إلى حاجة العراق لاستثمار هذه الفرص لتعزيز قدراته التقنية وتحقيق تقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
وأكد على أن تطوير الكوادر البشرية من خلال التدريب والتأهيل في هذا المجال يمثل خطوة أساسية لتحقيق تطور ملموس في استخدام الذكاء الاصطناعي.
وشدد ناصر على دعم البحث العلمي والابتكار في هذا المجال، مشيرًا إلى أهمية تشجيع الشباب على المشاركة في المشاريع المبتكرة، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقدم حلولًا للتحديات المحلية مثل تحسين قطاعات الزراعة والطاقة والصحة، ومعالجة مشكلة الازدحام المروري.
وحذر ناصر أيضًا من المخاطر المتعلقة بالخصوصية والأمن، مشيرًا إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي قد يزيد من احتمالية التعرض للاختراقات السيبرانية إذا لم تُطبق إجراءات حماية صارمة.
كما أشار إلى أن الاعتماد الكبير على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تقليل فرص العمل في بعض القطاعات، مما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية على المدى الطويل.
في ختام حديثه، أكد ناصر على ضرورة وضع استراتيجيات شاملة تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة ومستدامة، تجمع بين الاستفادة من الفرص وتجنب المخاطر.
من جانبه، أوضح أحمد السعيدي، المختص في أمن المعلومات والذكاء الاصطناعي، أن العراق يواجه تحديات كبيرة في مواكبة التطورات التكنولوجية العالمية، خاصة في مجالي الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. رغم وجود بعض التقدم، إلا أن التطبيقات التجارية للذكاء الاصطناعي في العراق لا تزال محدودة بشكل كبير.
وأشار إلى أن العديد من الطلاب يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي لأغراض التعليم والبحث، ولكن المؤسسات التعليمية تعاني من نقص في الموارد اللازمة لتدريبهم وتطوير مهاراتهم العملية.
وفيما يخص الأمن السيبراني، أكد السعيدي لـ(المدى)، أن “العراق يواجه تهديدات متزايدة، وهو ما يتطلب تطوير استراتيجيات فعالة لحماية البيانات الوطنية.
ومع ذلك، يبقى نقص الكوادر المتخصصة في هذا المجال من أبرز العقبات التي تعوق تحسين الوضع الأمني السيبراني في البلاد، مما يزيد من المخاطر ويجعل البنية التحتية التكنولوجية عرضة للهجمات الإلكترونية.
وأضاف السعيدي أن ضعف البنية التحتية التكنولوجية في العديد من مناطق العراق يعيق تنفيذ المشاريع المتقدمة، مما يؤدي إلى تأخر العراق في اللحاق بالتطور التكنولوجي العالمي. كما أشار إلى أن الاستثمارات في مجال التكنولوجيا لا تزال منخفضة، حيث تعتمد الكثير من الشركات المحلية على التقنيات التقليدية بدلاً من الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة.
وأكد السعيدي أن نقص البرامج التعليمية المتخصصة في مجالي الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني يؤدي إلى نقص في المهارات المطلوبة في سوق العمل، مما يعوق تطوير الكوادر القادرة على مواكبة التغيرات السريعة في هذه المجالات.
كما لفت إلى أن الحكومة العراقية لا تزال متأخرة في تبني التكنولوجيا الرقمية بشكل عام، مما يؤثر على تحسين الخدمات العامة وزيادة الشفافية في التعاملات الحكومية.
وفي ختام حديثه، شدد السعيدي على أهمية تطوير مناهج دراسية متخصصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني في الجامعات العراقية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الشركات العالمية في هذا المجال. كما أوضح أن الاستثمار في الأمن السيبراني يجب أن يكون أولوية للحكومة والقطاع الخاص لحماية البيانات الوطنية والمعلومات الحساسة.
ضعف الأمن السيبراني «يعرقل» تقدم الذكاء الاصطناعي في العراق
كيف سيساهم في تحسين الخدمات والاقتصاد؟
نشر في: 13 أكتوبر, 2024: 12:47 ص