ذي قار / حسين العامل
تجددت التظاهرات في مركز مدينة الناصرية احتجاجا على الدعاوى الكيدية وحملة المداهمات والاعتقالات التي تلاحق الناشطين في تظاهرات تشرين، وفيما تربط اوساط المتظاهرين بين انطلاق الحملة وتعيين مدير جديد للشرطة، اشارت قيادة الشرطة الى ان عمليات الاعتقال جاءت بناء على مذكرات قبض قضائية صادرة من المحاكم المختصة.
واحتشد نحو 1000 متظاهر في ساحة الحبوبي وسط الناصرية مطالبين بوقف حملة الاعتقالات والمداهمات التي تلاحق الناشطين في التظاهرات، ومع تحرك المتظاهرين من الساحة المذكورة باتجاه تقاطع بهو البلدية حدثت مصادمات بين القوات الامنية والمتظاهرين استخدمت فيها الاخيرة إطلاق الرصاص الحي في الهواء فيما استخدم المتظاهرون الحجارة لرجم الطرف المقابل.
وقال أحد المشاركين بالتظاهرات للمدى ان "المتظاهرين خرجوا اليوم احتجاجا على الملاحقات الامنية التي تجري بناءً على دعاوى كيدية تلاحق المتظاهرين"، مشيرا الى ان " تحرك المتظاهرين جوبه بقوة امنية كبيرة اخذت تطلق القنابل الدخانية والرصاص الحي بالهواء لتفريقهم". واضاف المصدر ان "المتظاهرين تفادوا الهجمة الامنية باستخدام التصعيد المناطقي بدلا من التمركز في موقع واحد، اذ احتشدوا مجددا في شارعي النيل والنبي ابراهيم ومحيط جسر الحضارات حيث جرت مصادمات واعتقال عدد من المتظاهرين".
ويأتي التصعيد في الملاحقات القضائية بعد أكثر من ثلاثة اعوام على اعلان السلطة القضائية عن 1200 دعوى قضائية مقامة ضد المتظاهرين في ذي قار، والكشف من قبل المتظاهرين عن أكثـر من 700 دعوى قضائية مقابلة أقامتها أسر شهداء التظاهرات وضحايا قمع المتظاهرين، اذ ما زالت معظم جرائم قتل المتظاهرين وقمعهم مقيدة ضد مجهول.
وفي حديث للمدى قال الناشط في تظاهرات الناصرية ولي السعيدي وهو أحد المتظاهرين الذي تعرضت داره للمداهمة الامنية انه "عند الساعة السابعة من صباح يوم (السبت) تعرضت دور عدد من المتظاهرين في الناصرية للمداهمة"، واضاف ان "من بين المتظاهرين الذين تعرضوا لمداهمة الناشط ين علي خضير ونواف البدري ومن ثم داهموا داري".
مشيرا الى ان "جميع الناشطين المذكورين لم تتمكن القوة المداهمة من اعتقالهم"، واستدرك "فيما تمت مداهمة دار الناشط كرار الازيرجاوي واعتقاله". وبدوره قال الناشط احمد الهلالي عقب تعرض داره للمداهمة ان "المتظاهرين مع تطبيق القانون على الجميع وليس على المتظاهرين فقط".
واوضح في مقطع فيديوي نشره على مدونته الشخصية وتابعته المدى ان "اتباع الاحزاب لم تجر ملاحقتهم رغم ارتكابهم جرائم قتل وارهاب في حين تجري ملاحقة المتظاهرين السلميين المطالبين بحقوقهم المشروعة".
وكشف الهلالي ان "المعلومات المتوفرة لدينا تشير الى تغاضي القوات الامنية عن 560 دعوى قضائية وامر قبض صادر بحق مطلوبين من اتباع الاحزاب والمليشيات متورطين بجرائم قتل وفق المادة 4 من قانون مكافحة الارهاب ولازالوا يسرحون ويمرحون وبحماية حكومية وجهات اقليمية". ويجد الهلالي ان "جميع الدعاوى الكيدية التي تلاحق المتظاهرين جاءت وفق تقارير امنية يعدها اشخاص تابعين لأحزاب متضررة من التظاهرات وان هذا الامر يعرفه الكثير من الضباط الشرفاء في التشكيلات الامنية". واكد الهلالي عدم رضوخ المتظاهرين للدعاوى الكيدية ومواصلة التظاهرات التي تطالب بالحقوق المشروعة لأبناء المحافظة".
ومن جانبها اصدرت قيادة شرطة ذي قار بيانا توضح فيه ما يجري من احداث وجاء فيه "تود قيادة شرطة المحافظة ان توضح لكم ان عمليات الاعتقال التي تم تنفيذها بحق المطلوبين للعدالة جاءت بناء على مذكرات قبض قضائية صادرة من المحاكم المختصة ولم تكن بشكل عشوائي او تستهدف اشخاص غير مطلوبين للقضاء".
وتابع البيان الذي اطلعت عليه المدى "اننا مستمرون بتنفيذ واجباتنا الامنية والقانونية ولإداء واجبتنا بأمانة وحرص شديد وللحفاظ على الاستقرار الامني الذي تشهده المحافظة لم ندخر جهدا".
ودعا بيان قيادة الشرطة "الجميع الى التعاون مع القوات الامنية والامتثال الى القانون حفاظا امن ذي قار واستقرارها على حد قول البيان". وفي تطور لاحق كشف رئيس اللجنة الأمنية في مجلس ذي قار، أحمد الرميض عن فتح تحقيق مع العناصر الأمنية التي أطلقت الرصاص الحي، وإيداعهم في السجن لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقهم.
وأشار الرميض في تصريحات اعلامية تابعتها المدى إلى أن" التعامل مع الاحتجاجات يجب أن يتم وفق القوانين المعمول بها، بعيدا عن استخدام العنف المفرط، حفاظا على سلامة المواطنين"، مؤكدا أن" اللجنة الأمنية في مجلس ذي قار ملتزمة بمحاسبة أي تجاوزات من قبل القوات الأمنية، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث".
وشهدت محافظة ذي قار مؤخرا تغيرات امنية اذ تسلم اللواء نجاح ياسر كاظم العابدي رسمياً مهام عمله كقائد شرطة ذي قار في يوم (7 تشرين الاول 2024)، خلفاً للواء مكي شناع الخيكاني، الذي طلب إعفاءه من منصبه وتعيينه مديراً لإدارة المراتب في وزارة الداخلية.
ويربط مراقبون بين انطلاق حملة الملاحقات الامنية الحالية والتغيرات الامنية، مشيرين الى ان " قائد الشرطة السابق اضطر لتقديم طلب بإعفائه بعد تعرضه لضغوط كبيرة لتنفيذ اوامر قبض بحق المتظاهرين".
ويرى المراقبون ان "حدة الملاحقات ضد المتظاهرين قد عادت لتتصاعد من جديد بعد عودة الاحزاب التي ثار عليها المحتجون الى السلطة عبر حكومة الإطار التنسيقي وذلك بعد ان خفت وطئه تلك الملاحقات في عهد حكومة مصطفى الكاظمي". وكشفت اوساط المتظاهرين واسرهم في ذي قار (في اواسط شباط 2024) عن ملاحقات قضائية لمئات المتظاهرين بدعاوى وتهم كيدية رغم مرور نحو 5 اعوام على مشاركتهم بتظاهرات تشرين، فيما اشاروا الى قيام نواب ومسؤولين سابقين بإقامة عشرات الدعاوى على المتظاهرين، بالمقابل حذر مراقبون من العودة الى مربع العنف داعين الحكومتين المحلية والمركزية الى وقف تلك الملاحقات وفتح صفحة جديدة.
وكانت تظاهرات تشرين التي انطلقت اواخر عام 2019 قد شهدت الكثير من اعمال العنف والعنف المقابل اذ يقدر عدد ضحايا المتظاهرين في المحافظات العشرة المنتفضة في وسط وجنوبي البلاد بنحو 800 شهيد ومغيب ومفقود وأكثر من 30 الف جريح بينها اكثر من 140 شهيد ومغيب واكثر من 5 الاف جريح في محافظة ذي قار وحدها، وبالمقابل تعرضت جميع مقرات الاحزاب في ذي قار وعدد محدود من دور المسؤولين المتنفذين بالسلطة الى الاستهداف والحرق من قبل متظاهرين غاضبين.
وذكر بيان للقضاء العراقي صدر في مطلع ايار 2021 عقب لقاء ممثلة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في العراق دانييلا بيل مع رئيس محكمة استئناف ذي قار القاضي محمد حيدر واطلعت عليه (المدى) أن "الطرفين بحثا القضايا المتعلقة بالمتظاهرين، حيث أكد رئيس الاستئناف بأنها قد تجاوزت (1200) دعوى"، مضيفاً أن "الهيئة القضائية المختصة بالنظر في هذه القضايا ماضية بإكمال الإجراءات التحقيقية بالشكل الذي رسمه القانون". بالمقابل كشف الناشط المدني هشام السومري، في مطلع ايار 2021، أن "أسر شهداء التظاهرات والجرحى والمصابين من ضحايا قمع التظاهرات رفعوا أكثر من 700 دعوى قضائية أمام محاكم ذي قار ضد عناصر وضباط من القوات الأمنية وعناصر ميليشاوية تتبع الأحزاب"، وأردف "إلا أن جُل تلك القضايا لم تُحسم رغم مرور عدة اعوام على اندلاع التظاهرات وقمعها".