د. فالح الحمـراني
تضع إسرائيل في ممارساتها المنطقة على حافة اندلاع حريق حرب كبرى. وقد استخفت بالقانون الدولي ودعوات غالبية دول العالم لوقف أعمالها العدوانية، مستغلة تفوقها العسكري والتكنلوجي وتوظيفه لمد عدوانه على سوريا، والعراق، وإيران، واليمن. ومواصلتها انتهاك القانون الدولي الإنساني في غزة حيث حصدت آليتها العسكرية أكثر من 40 ألف فلسطيني من المدنيين، وتمضي بضرب لبنان، وبرفضها الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للمنظمة الدولية والمحكمة الدولية، ورغبة الدول العربية بالسلام، ومبدأ حل الدولتين، وتمضي قدما في تجسيد برنامجها الرامي للسيطرة على كامل الأرض الفلسطينية ومد نفوذها على دول المنطقة، من منطلق الاستعلاء والتفوق. وثمة دلائل على ان تل ابيب انتقلت الى سياسة فرض نفسها على المنطقة بقدراتها العسكرية والتكنولوجيا .
في غضون ذلك تواصل إسرائيل إعداد ردها على الهجوم الصاروخي الإيراني، الذي من الممكن أن يشمل أحد أهدافه إنزال ضربة بالبنية التحتية النووية لطهران، بما في ذلك منشآت الأسلحة الهجومية ومحطات تخصيب الوقود و/أو مختبرات الأبحاث، ومن المحتمل جدا أن يكون رد إسرائيل أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية من العسكرة. وفي حالة تلقي إيران ضربة كبيرة، فقد تدفع القيادة الإيرانية تكثيف تطوير الأسلحة النووية. و أكد مدير وكالة الاستخبارات المركزية ويليام بيرنز مؤخراً أنه على الرغم من التزام إيران حتى الآن بسياسة المرشد الأعلى ضد تصنيع قنبلة ذرية، إلا أن طهران لا تبعد سوى أسبوع واحد فقط عن تحقيق الوقت اللازم لإنتاج مواد صالحة لصنع سلاح نووي واحد. وإذا سعت إيران إلى الحصول على الأسلحة النووية، فقد يؤدي ذلك إلى إطلاق سباق تسلح في الشرق الأوسط، وهو ما من شأنه أن يدفع الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها في محاولة للحفاظ على التوازن الإقليمي.
وفي معرض رد ويليام بيرنز في وقت سابق من هذا الأسبوع، في مؤتمر التهديد السنوي الذي عقدته شركة سايفر بريف في سي آيلاند، جورجيا، على سؤال عن الوضع فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، رد بيرنز قائلاً: “لا نرى أي دليل اليوم على أن المرشد الأعلى قد تراجع عن قراره الذي اتخذه في أواخر عام 2003 بتعليق برنامج الأسلحة”. ومع ذلك، أن إيران في “وضع أقرب بكثير” لصنع قنبلة ذرية واحدة من مواد صالحة للاستخدام في الأسلحة، والتي أصبح وقت صنعها الآن يستغرق “أسبوعًا أو أكثر بقليل”، مما يجعل إيران دولة على عتبة التصنيع.
ويشار الى أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أصدر فتوى تحرم استخدام الأسلحة النووية في عام 2003. ولكن وبالنظر إلى أن إيران تفاوضت على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2015 ثم انسحبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاقية بعد بضع سنوات، فقد تُقرر إيران المضي للعمل بإنتاج سلاح نووي. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الشهر الماضي، رغم رفضه مناقشة المعلومات الاستخباراتية بالتفصيل، إن روسيا تتقاسم التكنولوجيا وتقدم المساعدة الفنية لإيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي.
وفي هذا الصدد، يعتقد خبراء أمريكيون كما جاء في تقرير لمعهد الشرق الأوسط في موسكو: أنه بينما تواصل إسرائيل الاستعداد لضربات انتقامية على الهجمات الصاروخية الإيرانية في أوائل تشرين الأول، قد يكون أحد الأهداف هو البنية التحتية النووية لطهران، بما في ذلك إمكانية شن ضربات إسرائيلية على منشآت إنتاج الأسلحة و/أو تخصيب الوقود و/ أو مختبرات البحوث. وقد يستلزم ذلك مزيجا من الضربات الحركية والعمليات السيبرانية الهجومية. وهناك العديد من الأهداف المحتملة المعروفة، بما في ذلك نطنز وفوردو وأصفهان وغيرها، على الرغم من أن الكثيرين يعربون عن الشكوك في أن سلاح الجو الإسرائيلي، دون مساعدة الولايات المتحدة، سيكون قادراً على تدمير ما يسمى بـ “الأهداف الصلبة والعميقة المحصنة. وحفرت في الجبال. وهاجمت إسرائيل البنية التحتية النووية العراقية في عام 1981 والبنية التحتية النووية السورية في عام 2007.
وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل من ذلك، مشيرا إلى أن رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الإيراني يجب أن يكون “متناسبا”! ومع ذلك، فإن المتشددين الإسرائيليين، بما في ذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، يجادلون بقوة بأن إسرائيل حصلت على فرصة نادرة لضرب البرنامج النووي الإيراني. ووصفها بينيت بأنها “أعظم فرصة خلال 50 عاما لتغيير وجه الشرق الأوسط».
ويقول خبراء أمريكيون وفقا للتقرير: إن الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية، والذي لا يؤدي إلى تدميرها بالكامل، سيجبر إيران على المضي قدمًا نحو صنع أسلحة نووية قابلة للتطبيق ويثير سباق تسلح نووي في المنطقة. وهذا من شأنه أن يغير وجه الشرق الأوسط بالتأكيد، ولكن نحو الأسواء. و اعتمدت إسرائيل سابقا، على تدابير أخرى، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، لإبطاء تقدم طهران نحو تصنيع قنبلة ذرية. وإذا قامت إسرائيل بضرب المنشآت النووية الإيرانية وفشلت في تدميرها بالكامل، فأن طهران سوف تسعى لاحقاً إلى انتتاج قنبلة نووية بوتيرة أسرع. وكان القائد العسكري الإيراني المسؤول عن المنشآت النووية قد حذر في الماضي من أنه إذا قامت إسرائيل بضرب المواقع، فقد تعيد طهران النظر في عقيدتها النووية. وبعد أن هددت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في عام 2023، بإعادة فرض مجلس الأمن الدولي عقوبات ضد إيران، ردت طهران بالقول إنها يمكن أن تنسحب بالكامل من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، الأمر الذي سيجعل السيطرة الدولية على برنامجها النووي مستحيلة. ولكن، ووفقا للخبراء الأميركيين، حتى لو استغرق تصنيع القنبلة نحو أسبوع، فإن المهندسين الإيرانيين سيحتاجون إلى أشهر، وربما حتى سنة، لتحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح جاهز للاستخدام.
وثمة مخاوف من أن تحرك إيران في هذا الاتجاه، يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح نووي في منطقة غير مستقرة بالفعل، حيث تحذو دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حذوها لتحقيق تكافؤ الفرص في الشرق الأوسط، حيث إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويُعتقد أن برنامج أسلحتها يعود إلى أواخر الستينيات، على الرغم من أن الإسرائيليين يحافظون رسميا على سياسة الغموض فيما يتعلق ببرنامج الأسلحة النووية الخاص بهم.
وعلى هذا فإن الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل حالياً في المنطقة ـ غزة، ولبنان، واليمن، وإيران ـ قد ترغم بلداناً أخرى في الشرق الأوسط على إعادة النظر في موقفها من إنشاء قوة ردع نووية. وبينما يعتقد قليلون أن سباق التسلح النووي وشيك، فهناك مخاوف مشروعة بشأن كيفية رد فعل دول الشرق الأوسط على التنفيذ الكامل لبرنامج إيران النووي، أو الهجوم الإسرائيلي على منشآتها النووية، والذي بدوره يمكن أن يشجع الدول الأخرى على صنع أسلحة ذرية بمثابة وسيلة ردع. وأحد الدروس التي ربما تعلمتها بعض الدول من الأحداث في العراق وليبيا هو العواقب المترتبة على عدم امتلاك رادع نووي، وهو ما قد يدفع أيضاً إلى المزيد من استكشاف القدرات المطلوبة لتطوير مثل هذا البرنامج والحصول على المكونات الضرورية. ونظراً لأنه تم تجاوز “الخطوط الحمراء” في المنطقة باستمرار خلال العام الماضي، فهناك شعور واسع النطاق بعدم الاستقرار في الشرق الأوسط. ونتيجة لذلك، قد تتبع البلدان سياسات أو مسارات عمل لم تكن لتتخذها لولا ذلك التطور، مما يزيد من تفاقم المعضلة الأمنية التي قد تقود المنطقة إلى نشوب حرب واسعة النطاق.