غالب حسن الشابندر
جغرافية متلاصقة، نفط، كنز بشري متدَفِّق، تاريخ زاخر بالمفاخر، مياه، عمق روحي، جريدة يومية ــ المنبر الحسيني ـ حضور عالمي موسمي ــ عاشوراء ورمضان ــ معاقل روحية تهفو إليها القلوب عن قربٍ وبعد، مركز الروحانية الشيعية العالمية ـ لنجف الاشرف ـ علماء في الطبيعة والتاريخ والطب على مستوى من الشهرة العالمية، رأسمال مال طوعي ــ الخمس ـ حدود حيوية مع دول جوار تُعتبَر نافذة بدرجة قوية…
إذن المكوِّن ليس فقيرا…
لم يَستثمر المكوِّن هذه الثروة من مادّة ومعنى لخلق إجتماع شيعي عراقي فاعل، متطوِّر، غني، متنوِّر، مهيب، مُلْهِم…
ما السبب؟
- غياب الرؤيَة الموحّدة للقيادات السياسية تجاه الدولة شكلا ومضمونا، وظيفة ومسؤولية.
- إنتماء بعض قواه السياسية إلى الطيف العقدي على حساب الوطنية.
- الصراع المصلحي بين قيادات المكوّن السياسية الرسمية، وتدنِّي الشعور بالمسؤولية تجاه المكوِّن بكلّه، وتحكيم الانتماء القبلي والاسري والحزبي بالمواقف والسياسة.
- تخلِّي المرجعية الدينية عن مواكبة العملية السياسية بعد أن أعلنت صراحة عن ذلك، مُبديةً يأسها من القيادة السياسية.
- الإيغال بعقيدة العسكرة، فالبندقية تحوّلت إلى رمز، وقد إنحدرت في هذا السياق قيمة القلم والكلمة.
- تخلِّي الاحزاب الاسلامية عن مهمّة التثقيف والإنغماس في غول الوظيفة المدنية.
- الإقتصار على مكاسب بدائية واعتبارها بشكل وآخر نهاية المطاف، الهيمنة على وزارة، توسيع قاعدة التوظيف المدني، مراكز قوى في القطاعات المهمة في الدولة.
لا أريد أن اسهب بذلك، فهذا يكفي في تصوري الخاص، وللآخرين فضل فيما أزادوا وأثروا.
2
مكوِّن بتلك الامكانات فيما يخفق في الارتفاع بحاله إلى أجتماع متنوّر، ملتزم، متطوّر، مثقف، فاعل، بنّاء، يتحمل المسؤولية، لا يتهرَّب من الواجب… أمر يدعو الى التفكير الجدي صراحة.
ولكن اليس الشيعة هم الذين طردوا داعش؟
وحاربوا الامريكان؟
وتصدوا للتشدد "السلجوقي"؟
صحيح كل ذلك…
ولكن هنا أعلق بما يلي:
أولا: هذه انتصاراتٌ وانجازاتٌ حقا، وكانت رائعة حقا، ولكن لم يستثمرها المكوِّن، واستثمرت في النتيجة إمّا لصالح اتجاهات فئوية وحزبية أو لصالح من ضحّى لأجلهم، أو لصالح الاثنين، وربما اليوم تجري عملية تجريد الشيعة من شرف هذه الانجازات العظيمة.
ثانيا: لم يكن هناك عملٌ مواز، اقصد البناء الداخلي للاجتماع الشيعي ثقافياً ومعاشيا واجتماعيا.
إن الخطاب الشيعي منذ التغيير لم يكتسب صفة البناء الذاتي، عسكرة واستشهاد، وهناك عشرات المؤسسات والمنظمات الشيعية التي تحمل عناوين ثقافية وفكرية وعلمية ولكن أين هو المحصول؟
مراجعة بسيطة جدا لمراسيم عاشوراء تكشف عن هشاشة هذا الاجتماع ثقافيا وروحيا، وحتى الطقوسي، والحديث بشكل عام وليس عن جزئية هنا وجزئية هناك.
العشائرية العصبوية ظاهرة شيعية أكثر من كونها ظاهرة سنيّة، القيادات السياسية (دعوة، مجلس، بدر، عصائب…) أحيت العصبوية العشيرية، ولم تعمل على تطويرها ابدا…
التيار الصدري كتلة انتماء قدسي، قائد مقدس وأتباع برسم (نعم) بلا نقاش.
الذي اخلص إليه من كل هذا
مكوِّن يملك كل مقوّمات التطور والاستقرار والتفوّق المادي والمعنوي ولكن للاسف الشديد لم تكن النتيجة بمستوى الممكنات والقدرات التي في حوزته.
جغرافية فقيرة، ثروات مبدّدة، نسبة الامية تفوق حدّ التصور، انتعاش ثقافة الفصل والكوامة والثأر، طقوسية رثّة، تراجع دور المثقف، تسيّد رجل الدين الخرافي، سلاح وبارود ويا: (ترابك يا كاع كافوري)…
وقادة المكوِّن…
قصور هارون الرشيد.
صفقات…
إحتكار القوة والثروة.
حمايات اسطورية.
ياقات بيض.
والابناء والاحفاد سلاطين الغد التعيس.