د.كاظم عبدالزهره
في عصر تتسارع فيه وسائل الإعلام الرقمية لتحل محل الأشكال التقليدية للتواصل، يبرز السؤال التالي: هل يمكننا التخلي عن مجلات الأطفال الورقية؟
قبل الخوض في الإجابة عن هذ السؤال لابد من الإشارة الى شحة المطبوعات الموجهة للأطفال في العراق وتدني المستوى الادبي والفني لما ينشر فيها.
لطالما كانت مجلات الأطفال عنصرًا أساسيًا في التعليم، حيث توفر مزيجًا من الترفيه والتعلم. فهي تشجع على عادات القراءة، وتحسن من مهاراتها، كما انها تعزز القيم الأخلاقية والوطنية وتسهم في بناء شخصية الأطفال وتقدم لهم المعرفة ممزوجة بالمتعة والجمال.
وفي عصرنا الحالي بدأ المحتوى الرقمي يغزو كل اشكال التواصل ومنها مجلات الأطفال التي تحول بعضها الى مجلات رقمية.
تمتاز المجلات الرقمية بميزات عديدة منها انها تلغي الحاجة إلى الورق والتوزيع المادي. وبالتالي فهي أقل كلفة، ويمكن الوصول إليها بشكل سريع من أي مكان، وتقدم ميزات تفاعلية يمكن أن تجذب الأطفال بطرق جديدة. كما أنها تتيح إمكانية عرض مقاطع الفيديو والرسوم المتحركة والاختبارات التفاعلية لتجعل من التعلم أكثر ديناميكية ومتعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تحديث المواقع الرقمية بشكل منتظم، مما يسهم في توفير أحدث المعلومات والتوجهات في شتى ألوان المعارف.
وتوفر المجلات الرقمية أيضا الراحة وسهولة الوصول ويمكن تخزينها دون شغل مساحة مادية وموضوعاتها قابلة للبحث بسهولة. كما يمكن للوالدين حفظ عدة أعداد على جهاز واحد، مما يسهل توفير مجموعة متنوعة من مواد القراءة لأطفالهم.
لكنها في الوقت ذاته تجعل الطفل أكثر تعرضا لشاشات الأجهزة الرقمية ومخاطرها المحتملة، وغالبا ما تكون الأجهزة التي تعرض فيها تلك المجلات صغيرة الحجم ما يفوت الكثير من المتعة البصرية والجمالية للرسوم المرفقة بها.
وليس التفاصيل الجمالية المهمة هي من تضيع على الطفل فقط بل ان جودة الفهم تتأثر هي الأخرى عند القراءة من الشاشات الرقمية.
فقد أظهرت العديد من الدراسات التي أجريت حول القراءة أن القراءة من المجلات الورقية المطبوعة تعزز الفهم والاحتفاظ بالمعلومات بشكل أفضل مقارنة بالقراءة من الشاشات. وهذا يعود جزئيًا إلى أن القراءة من الورق توفر إشارات بصرية ومكانية تساعد في معالجة الكلمات على الصفحة.
كما أشارت تلك الأبحاث الى أن التعرض المستمر للنصوص الرقمية السريعة يدرب الدماغ على معالجة المعلومات بسرعة أكبر وبدقة أقل. فالقارئ من الشاشة يفهم الفكرة الرئيسية لكن التفاصيل تفوته.
ناهيك عن تشتيت الانتباه المحتمل الذي يصاحب عرض المحتوى الرقمي والروابط الكثيرة التي تصاحبه وكثرة المعلومات التي يمكن ان تتفرع منه.
وتشير الأبحاث الى أن القراءة من الورق تشبه نوعًا من التأمل، حيث تركز الانتباه على شيء ثابت، مما يعزز الفهم العميق للمحتوى.
كما أن تجربة التواصل بأكثر من حاسة مع المادة المطبوعة، يولد الحنين المرتبط بالمجلات الورقية. فالشعور بالورق، وفعل تقليب الصفحات، وفرحة جمع الأعداد هي تجارب لا يمكن للمجلات الرقمية تكرارها. لان هذه الجوانب الملموسة يمكن أن تخلق ارتباطًا عاطفيًا أعمق بالمحتوى.
ربما كان التحول نحو وسائل الإعلام الرقمية أمر لا مفر منه، لكن التخلي تمامًا عن مجلات الأطفال الورقية لن يكون هو الحل الأفضل. لا سيما وان اغلب البلدان النامية تعاني من امية رقمية تحد من فاعلية الفوائد المحتملة للمواد الرقمية، يمكن القول إن السعي لتحقيق نوع من التكامل المتوازن بين كلا النوعين والاستفادة من نقاط القوة لكل منهما هو الحل الأفضل. إذ يمكن للمجلات الورقية أن تستمر في توفير تجربة ملموسة تعزز حب القراءة وتوفر فهما عميقا، بينما يمكن للمجلات الرقمية أن تقدم محتوى تفاعليًا حديثًا يجذب القراء الصغار بطرق جديدة.