بغداد – تبارك المجيد
تعرضت الشابة فاطمة الى شلل نصفي نتيجة ورم في العمود الفقري، وهو ما غيّر حياتها بالكامل. لم تكن التحولات الجسدية وحدها هي التي أثرت عليها، بل ما عانته نفسيًا واجتماعيًا جراء التغيير المفاجئ في حياتها. "كأنه كابوس"، تقول فاطمة، مضيفة: “كنتُ حرة الحركة، لكنني وجدت نفسي فجأة محصورة في كرسي متحرك”. ومع ذلك، قررت فاطمة التصالح مع واقعها الجديد، رافضة الاستسلام للألم واليأس، فاستمرت في مسيرتها التعليمية حتى أكملت دراستها الجامعية في كلية الاقتصاد. بعد تخرجها، عملت فاطمة كمحاضرة تربوية لأكثر من 13 عامًا دون أجر، في انتظار أن تتاح لها فرصة التوظيف الرسمي. كانت الظروف المالية قد منعتها من السفر إلى الخارج للعلاج كما نصحها الأطباء، مما جعلها تعيش مع شلل نصفي دائم. لكن رغم ذلك، تواصل فاطمة البحث عن فرص في بيئة لا تسهل على ذوي الهمم إيجاد موطئ قدم لهم.
فاطمة تشير لـ(المدى)، إلى العديد من التحديات التي تقف في وجه ذوي الهمم في العراق. تصف كيف أن الأبنية الحكومية والمرافق العامة تفتقر إلى أبسط التعديلات التي تمكنهم من التنقل والوصول إليها. تقول: "لا يمكننا حتى زيارة الدوائر الحكومية أو المراكز التجارية بسهولة، لأن تصميمها لا يراعي احتياجاتنا". وعلى مستوى الرعاية الصحية، تؤكد فاطمة أن الاهتمام الطبي بذوي الهمم يكاد يكون منعدمًا، وهو ما يزيد من معاناتهم اليومية.
أما في مجال التعليم، فترى فاطمة أن المدارس العراقية لا تزال غير مهيأة بشكل كامل لاستيعاب احتياجات ذوي الهمم، ما يدفع الكثيرين منهم إلى التوقف عن الدراسة. وتعبر عن شعورها بالاستبعاد من التعليم والوظيفة. وتضيف أن "هناك إهمالاً كبيرًا للمواهب في صفوف هذه الفئة، سواء في الفن أو الرياضة أو غيرها، على الرغم من أن العديد من ذوي الهمم يحققون إنجازات بارزة على المستويات المحلية والدولية، لكنهم لا يحصلون على الدعم المناسب أو الاعتراف الذي يستحقونه، بينما تبقى رواتبهم متدنية بالكاد تغطي احتياجاتهم الأساسية".
يعاني الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة في العراق من تهميش متزايد يعوق اندماجهم في الحياة اليومية، ويحد من قدراتهم على تحقيق تطلعاتهم المهنية والاجتماعية. رغم وجود قوانين وتشريعات تضمن حقوقهم، إلا أن الواقع يشير إلى تقاعس في تطبيقها، ما يُبقي هذه الفئة عرضة للتحديات المرتبطة بسوء البنية التحتية، وقلة الفرص الوظيفية، وانعدام الدعم الملائم في المؤسسات التعليمية والخدمية. في ظل غياب الوعي المجتمعي الكافي حول حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، تزداد معاناتهم في مواجهة التنمر والتمييز، مما يعمّق عزلتهم ويؤثر بشكل كبير على حياتهم ومستقبلهم.
أفادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها أن العراق يتقاعس عن تنفيذ القوانين الوطنية التي تكفل حقوق العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يؤدي إلى عدم استغلال حصص الوظائف المخصصة لهذه الفئة وترك مئات الآلاف منهم عاطلين عن العمل. وأشارت "لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة"، التي تراقب تنفيذ المعاهدة الدولية الخاصة بهذه الفئة، في تقدير لها عام 2019، إلى أن العراق يحتضن أحد أكبر أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم، حيث يقدر العدد بنحو 3 ملايين شخص، نتيجة عقود من النزاعات المسلحة. كما سلطت اللجنة الضوء على الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2019، والتي أسفرت عن حوالي 25 ألف جريح، من بينهم نحو 5 آلاف يعانون من إعاقات دائمة.
تقديرات خاطئة!
حسين المعموري، عضو فريق أصدقاء ذوي الهمم، تحدث لـ(المدى) عن الصعوبات التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي تعرقل اندماجهم في سوق العمل والمجتمع بشكل عام. أشار المعموري إلى أن التمييز الوظيفي يُعد من أبرز التحديات، حيث يتم استبعاد الكثير منهم من فرص العمل رغم قدرتهم على أداء المهام المطلوبة. هذا التمييز ينبع من تصورات خاطئة حول إمكانات ذوي الهمم، إلى جانب عدم توافر بيئة عمل مناسبة تراعي احتياجاتهم الخاصة سواء من حيث البنية التحتية أو نوعية المهام الموكلة إليهم.
وأكد المعموري أن نقص التدريب المهني المتخصص يمثل قضية حيوية. حيث لا توجد برامج تدريبية كافية تُمكّن ذوي الاحتياجات الخاصة من اكتساب المهارات اللازمة للدخول في سوق العمل. كما أشار إلى أن غياب وسائل النقل المجهزة يمثل عائقًا كبيرًا، مما يصعّب عليهم الوصول إلى أماكن العمل بيسر وأمان. وفيما يتعلق بمشكلة ترك التعليم، أشار المعموري إلى أن التحديات تبدأ من نقص الدعم التعليمي وغياب البنية التحتية المناسبة في المدارس والجامعات، مثل عدم توافر المصاعد والأدوات المساعدة، مما يصعّب على الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة التفاعل في بيئات تعليمية تقليدية. كما يواجهون التنمر والتمييز داخل المؤسسات التعليمية، وهو ما يدفع العديد منهم إلى ترك الدراسة.
وفي النجف، أوضح المعموري أن البنية التعليمية تفتقر إلى الاهتمام الكافي بتقديم الدعم اللازم لذوي الإعاقة، حيث تغيب المدارس والجامعات التي توفر بيئة تعليمية ملائمة لهم. ونتيجة لذلك، يعاني ذوو الاحتياجات الخاصة بعد التخرج من صعوبة في العثور على وظائف تناسب مؤهلاتهم، بالإضافة إلى التمييز الذي يواجهونه عند التقدم للعمل.
وفي سياق الحلول المقترحة، دعا المعموري إلى فرض تشريعات تُلزم الشركات الخاصة بتوظيف نسبة محددة من ذوي الهمم، مع تقديم حوافز ضريبية أو مالية للشركات التي تلتزم بهذه التعيينات. كما شدد على ضرورة تحسين البنية التحتية في المدارس والجامعات عبر توفير مصاعد كهربائية وتسهيلات أخرى. وأشار المعموري إلى أهمية إعطاء الكفاءات من ذوي الاحتياجات الخاصة فرصًا لتولي مناصب قيادية من خلال تطوير برامج توظيف وتدريب تُمكنهم من شغل مواقع المسؤولية. ودعا إلى إنشاء خدمة اتصال مجانية مخصصة لتقديم الدعم والمشورة لذوي الهمم وأسرهم، إضافة إلى تخصيص ميزانية كافية لتحسين الخدمات المقدمة في المعاهد التعليمية، وإجراء دراسات دورية لقياس رضا المستفيدين من هذه الخدمات. كما اقترح تشكيل لجان مجتمعية مكونة من ذوي الخبرة وأهالي ذوي الهمم للإشراف على سير العمل في المؤسسات المختصة، ودعا وسائل الإعلام للعب دور رقابي عبر تغطية أوضاع هذه المؤسسات وتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها. وشدد المعموري أيضًا على ضرورة توفير مناطق ترفيهية مخصصة أو مجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة، لخلق بيئة تُعزز من دمجهم في المجتمع وتشعرهم بالانتماء. واكد على أن تنفيذ هذه الحلول سيسهم في تحسين وضع ذوي الاحتياجات الخاصة وتعزيز مشاركتهم الفاعلة في المجتمع، مما يحقق العدالة الاجتماعية ويسهم في دمجهم الكامل في الحياة اليومية. رائد العنبكي، رئيس منظمة اليقين للمكفوفين وضعاف البصر وعضو ممثلية ذوي الإعاقة في محافظة ديالى، أكد في حديثه لـ(المدى) على جملة من التحديات الكبيرة التي تواجه ذوي الإعاقة في المجتمع العراقي. حيث سلط الضوء على غياب العدالة والمساواة، بالإضافة إلى عدم توفر البنية التحتية المناسبة والخدمات الأساسية التي تضمن لهم حياة كريمة. هذه المشاكل تضاعف معاناة ذوي الإعاقة في مجالات متعددة، منها التعليم والعمل والتنقل.
وأشار العنبكي إلى أن "ذوي الإعاقة البصرية يواجهون تحديات خاصة في التنقل داخل المدينة، بسبب غياب الطرق الميسرة لهم.