طالب عبد العزيز
بعد طوفان الأقصى والذي أعقبه اجتياح الجنود الإسرائيلين لغزة في السابع والعشرين من تشرين العام الماضي، وحتى وقت قريب كنت أتحدث مع نيران البصّون، ابنة الصحفي المعروف سليم البصّون، صاحب كتاب (الجواهري بلسانه وبقلمي) وهي امرأة يهودية من بغداد، هاجرت مع عائلتها الى لندن، مطلع السبعينات، ومازالت تسكن هناك، كنت قد تعرفت عليها عبر الفيسبوك، ولها أصدقاء كثر من العراقيين، داخل وخارج العراق، ثم أنني شاهدت لها مقاطع فيديوية، تتحدث فيها عن تاريخ البلاد، وحبّها للعراق، وبغداد ودجلة، والمطبخ العراقي، والتراث البغدادي… الخ، وظننتها على قدر من الوطنية والإنسانية، لكنني وجدتها على غير ذلك، بعد الأحداث تلك.
بقليل من تعاطف حذر، وبناء على معطيات اللوائح الأممية، ومتبنيات حقوق الانسان، وبشيء من صور تقليدية ومثل هذه وتلك، واستناداً على ما قرأناه عن محارق الهولوكوست لليهود في الحرب العالمية الثانية، وغير ذلك نحاولُ، نحن النخب المثقفة، استبدال الصورة النمطية عن اليهودي في العالم، الصورة التي ترسخت في أذهاننا عبر صورة شايلوك، الشخصية الإشكالية في مسرحية (تاجر البندقية) لشكسبير، وما كنا نسمعه من آبائنا وأجدادنا عنه كشخصية مضمرة، قائمة على الكذب والخداع، وجشعة، ومكروهة فضلاً على انطوائها على جملة أسرار، وبمعنى من المعاني شخصية غير محبوبة. فأنا ما زلت أتذكر أبي وهو يحدثني بشيءٍ من الريبة عن شخصيات يهودية كان يعرفها في البصرة، غير هيّاب في حديثه عن ذكر معايب الشخصية الإشكالية، تلك.
وفي العودة الى اليهودية نيران البصّون التي يتذكر بعضُنا مقطع الفيديو الذي بثته إحدى القنوات العراقية، والذي تظهر فيه وهي تقّبل كيس التراب، الذي حمله لها أحدُهم من نهر دجلة ببغداد الى لندن، بشيءٍ من نوستالجيا، ومن يشاهد صفحتها على الفيسبوك يجدها مليئة بالصور والاكلات والملابس والحوادث التاريخية العراقية، حتى ليظنُّ بأنها مازالت تعيش في بغداد، ولا تحمل ضغناً على أحدٍ، بل وهي المُحِبة، والعاشقة لكل ما هو شرقي وأوسطي وبغدادي، لكنَّ الحقيقة شيء والخديعة والكذب والموقف شيء آخر، فقد وجدتها انسانة أخرى، لا تقل صهيونيةً عن أيٍّ يهودي في إسرائيل والعالم.
كانت تحيد وتراوغ في حديثي معها، حين طلبت منها إدانة جرائم نتنياهو وجيش الاحتلال الصهيوني وما يتعرض له الفلسطينيين بغزة من قتل وتهجير وهدم للبيوت، وأصرت على أن تظل تبعث لي بصور المستوطنين الذين اختطفتهم أو قتلتهم حماس، وحاولت معها مراراً الاعتراف بأنَّ ما قامت به جماعة حماس لا يعادل 1% مما يفعله الجيش الإسرائيلي بغزة لكنها ظلت تراوغ، ولم أنتزع منها إدانة لكل ما قام به جيش الاحتلال ً.
اليوم، وبعد مقتل أكثر من 42 ألف انسان، من المدنيين في غزة، جلّهم من النساء والأطفال، وبعد سلسلة الجرائم والوحشية، التي ما انفكت ترتكبها السلطات هناك، وما يتعرض له سكان جباليا وشمال غزة من قتل يومي وتجويع وترويع وما حدث ويحدث في جنوب لبنان وبيروت من قتل وتهجير، وبعد الإدانة العالمية لجرائم الاحتلال، التي عدّها كبار السياسيين والكتاب والفلاسفة بأنها جرائم ضد الإنسانية ما الذي ستقوله السيدة البصوّن؟