محمد علي الحيدري
لم تكن العلاقات بين إسرائيل والأمم المتحدة يوماً على ما يرام وتعود جذور هذا التوتر بين الجانبين لعقود عديدة، وتستند إلى قضايا محوريّة على رأسها الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وحقوق الإنسان.
لذا ليس غريبا أن تصدر من تل أبيب مواقف سلبية جدا من المنظمة الدولية التي تتهمها إسرائيل بأنها لم تندد بشكل مقنع بما حصل في السابع من تشرين الأول عام ٢٠٢٣ واعتبرت إدانة الأمم المتحدة لحماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وأنصار الله اليمنية وراعيتهم في المنطقة "إيران" إدانةً "ناقصة" ولا ترقى لمستوى ما يجري حسب وجهة النظر الإسرائيلية.
لقد عبرت الدولة العبرية عن سوء هذه العلاقة الراهنة مع المنظمة الدولية باتجاهين إذ اعتبرت في الأول منهما أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، "شخصٌ غير مرغوب فيه"، ما يعني عملياً منعه من دخول إسرائيل رداً على "عدم إدانته الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير"، الذي وصفه قادة إسرائيل بالهجوم "الإجرامي".
وانسجاماً مع هذا التشنج لم يفوّت أيٌّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو وأعضاء حكومته اليمينية المتشددة أيّ فرصة للطعن بالرجل ومنظمته الدولية التي لم تكن مواقفها بالقياسات التي يرغب بها الكيان المحتل.
إلى ذلك، فإن زيارة الأمين العام لشمال سيناء في شهر آذار الماضي حيث دعا منها إلى وقف إطلاق النار، أغضبت إسرائيل ودفعتها لوصف الأمم المتحدة بأنها "منظمة معادية" لإسرائيل تؤوي الإرهاب وتشجعه.
من جهته أدان الأمين العام للأمم المتحدة "اتساع رقعة النزاع في الشرق الأوسط" مندداً بما وصفه "التصعيد بعد الآخر" في المنطقة، في إشارة إلى الهجوم الإيراني على إسرائيل مطلع تشرين الأول، لكن الإسرائيليين رأوا أنه تنديد أممي خجول يجامل طهران على حسابهم.
وبحسب منابر إعلامية إسرائيلية فإن "الاستياء الإسرائيلي من مواقف وتصريحات غوتيريش حول إسرائيل منذ بداية الحرب في قطاع غزة كانت سبباً رئيسياً في عدم عقد اجتماع بين نتنياهو وغوتيريش على هامش أعمال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة وهو لقاء بروتوكولي متعارف عليه تتم خلاله مناقشة الأوضاع في الشرق الأوسط.
يشار هنا إلى أن هذا الموقف الإسرائيلي المتشدد من أمين عام المنظمة الدولية لم يكن الأول من نوعه ضد مسؤول في الأمم المتحدة، بل سبق لتل أبيب أن منعت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة "فرانشيسكا ألبانيز" من الحصول على تأشيرة دخول في شهر نيسان الماضي.
ولا يستبعد محللون غربيون رغبة إسرائيل في الإطاحة بغوتيريش قبل انتهاء ولايته عام 2026 لتأتي بأمين عام أقل انتقاداً لسياساتها وأكثر انفتاحاً على مشاريعها التوسعية، غير أن تقارير أميركية لا تتوقع أن تلقى هذه الرغبة تأييدا حتى من أقرب حلفاء إسرائيل.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير بين الطرفين أن حجم الخسائر في الأرواح البشرية في غزة وإسرائيل في غضون فترة وجيزة، دفع الأمين العام للأمم المتحدة لإرسال خطاب إلى رئيس مجلس الأمن يفعّل فيه - للمرة الأولى- المادة التاسعة والتسعين من ميثاق الأمم المتحدة قال فيه إنه يحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية مطالباً بإعلان وقف إنساني لإطلاق النار. وبحسب هذه المادة "يحق للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".
وهذه المادة واحدة من بين خمس مواد في ميثاق الأمم المتحدة تحدد مهام الأمين العام، وهي أكثرها أهمية في سياق السلام والأمن الدوليين.
وعندما قال الأمين العام إن المدنيين في غزة "يواجهون خطرا جسيما" بسبب المعارك التي أدت إلى اكتظاظ السكان والحط من كرامتهم وافتقارهم النظافة الصحية واضطرارهم إلى المكوث في الشوارع لعدم وجود مأوى ثارت ثائرة الإسرائيليين ونددوا صراحة بما اعتبروه انحيازا لصالح حماس.
أما الاتجاه الثاني للمواقف الإسرائيلية من المنظمة الدولية فقد اتضح أثناء التصعيد الأخير بين حزب الله اللبناني وإسرائيل فقد وجد الإسرائيليون في قوات اليونيفيل مراقبا "مزعجاً" و "منحازاً" يمكن أن يفضح العديد من فظائع الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان والقرى والبلدات الحدودية لذلك لم يتردد جيش الاحتلال في استهداف قوات "يونيفيل" حيث أطلق قبل أيام قذيفة مدفعية على المدخل الرئيسي لمركز القيادة بالناقورة، بينما استهدفت دبابة ميركافا أحد أبراج المراقبة على الخط العام الذي يربط صور بالناقورة، مما أسفر عن إصابة جنود من الكتيبة السريلانكية وتسبب في أضرار بمدخل المركز، ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى إبعاد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل" عن الخطر فوراً إلا أن مراقبين دوليين أممين وغير أممين اعتبروا هذه التعرضات العسكرية تحرشات تحمل رسائل إسرائيلية واضحة.
وقد لفت بعض التقارير إلى أن إسرائيل وبضوء أخضر من الولايات المتحدة تسعى لتغيير مهام قوات "يونيفيل" وجعلها تتجاوز مهمة المراقبة لتشمل الحدود بين لبنان والجانب الإسرائيلي، وربما الحدود السورية أيضًا مع منحها صلاحيات أكبر، مما قد يقود إلى تحولها لقوات غير محايدة أو "متعددة الجنسيات"، وهو ما يعتبره لبنان الرسمي و"المقاوم" بمثابة "احتلال جديد".
عموماً فإن قوة "اليونيفيل" رفضت مرارا الانسحاب من مواقعها في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، وقال المتحدث أندريا تيننتي، لوكالة فرانس برس للأنباء: إن "الجيش الإسرائيلي كان طلب إخلاء بعض مواقعنا على الخط الأزرق وحتى على بعد خمسة كيلومترات من الخط الأزرق" في جنوب لبنان لكن هذا القرار بيد مجلس الأمن وحسب.
وفيما تزداد وتيرة الحرب وتتسع دائرتها يبقى بعض الأسئلة بحاجة إلى إجابات شافية:
هل ترضخ الأمم المتحدة لضغوط إسرائيل بانسحاب قوات يونيفيل من جنوب لبنان؟
وهل تستجيب واشنطن للرغبة الإسرائيلية وتجري تعديلات على مهمة اليونيفيل؟
وماذا عن موقف دول الاتحاد الأوروبي من هذا التوجه الإسرائيلي؟ هل ستكتفي بإدانة التعرض العسكري لليونيفيل أم ستسقط المشروع الإسرائيلي بإعادة صياغة الترتيبات الأمنية؟