د. فالح الحمراني
دخل النزاع في أوكرانيا الى مفازة حساسة جعلت أفاق السلام، ووضع حد للعمليات القتالية الدائرة، تبدو معتمة. وعلى خلفية تقدم القوات الروسية على كافة الجبهات، وتدمير القدرات الدفاعية الأوكرانية، والبنى التحتية المتعلقة بها والخسائر البشرية الفادحة، ما زالت كييف، بدعم من الغرب، تصر على مواصلة الحرب وحتى " تحقيق النصر" وتشديد مطالبها للغرب بتسليمها الأسلحة الحديثة التي يمكن ان تصل الى العمق الروسي وضرب الأهداف الإستراتيجية هناك، وتعزيز دفاعاتها الجوية، وقوة السلاح الجوي بمقاتلات اف 16، من ناحيتها تعرض روسيا استعداها للسلام والمباحثات وفق رؤيتها التي اتفقت بشأنها مع كييف في مشروع اتفاق إسطنبول عام 2022، بيد أن الرئيس فلاديمير زيلينسكي تراجع حينهاعنها في اللحظة الأخيرة، بضغط من الغرب، الذي وعدده بإنزال هزيمة استراتيجية بروسيا، التي لم تتحقق لحد الآن ولا يمكن أن تتحقق.
ولا تشارك روسيا فقط في الصراع في أوكرانيا*، بل والدول الغربية. وتعرض دول أخرى مبادرات سلام تهدف إلى الإسراع بوضع حد له. وطرحت الصين والبرازيل رؤيتهما. وأكد بيانهما المشترك أن السبيل الوحيد لحل الصراع في أوكرانيا هو من خلال الحوار والمفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، اقترحت بكين والبرازيل عقد مؤتمر دولي "في الوقت المناسب" "بمشاركة متساوية من جميع الأطراف ومناقشة جميع خطط السلام"، الذي من شأنه أن يتضمن على الأقل وضع حد لتصعيد الصراع.
وبدورها عرضت الدول الأفريقية وجهات نظرها بشأن حل الصراع من خلال خطة تتألف من 10 نقاط. وتشمل: المفاوضات لتحقيق السلام، وضمان سيادة الدول والشعوب وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وضمان نقل الحبوب والأسمدة بين البلدين، ودعم ضحايا الصراع، وإعادة بناء البلاد، والعمل بشكل أوثق مع الدول الأفريقية.
وتستند هذه المبادرات وغيرها إلى أفكار معينة مفادها أنه من الضروري فقط إظهار الإرادة السياسية، وبدء المفاوضات، وهذا سيسمح بحل الصراع. إن موقف الغرب، الذي يبادر باستمرار إلى مواصلة الأعمال العسكرية، يظل خارج نطاق المبادرات السلمية.
ورغم أن روسيا تقيم المبادرات المقترحة عموما بشكل إيجابي، إلا أنها تلتزم باتفاقيات إسطنبول، التي تم تطويرها في عام 2022. فهي تنص على أن تكون أوكرانيا دولة محايدة، ولن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي، ولا نشر قوات أجنبية على أراضيها ولا تطوير أسلحة نووية، فضلا عن أنها تجري مناورات عسكرية فقط بموافقة الدول الضامنة. وفي منتصف عام 2024، أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروط بلاده للسلام، موضحا بأنه من الضروري سحب القوات المسلحة الأوكرانية من أراضي مناطق دونيتسك ولوغانسك وزابوروجي وخيرسون. وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على كييف أن تعلن رسمياً رفضها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا الاتحادية، ولابد من رفع العقوبات الغربية عن روسيا. كما ترى روسيا أن تأخذ مبادرات السلام بعين الاعتبار إرادة شعب الدونباس الناطق بالروسية بتقرير مصيره وفق ميثاق الأمم المتحدة… وهذا النهج يتناقض مع موقف أوكرانيا والغرب. ونتيجة لذلك، كما يرى المراقبون ليس من الممكن تطوير صيغة سلام للصراع.
والعامل المقيد هو موقف كييف الرسمية. ويقترح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مبادرات لا تهدف إلى حل الصراع بقدر ما تهدف إلى الحفاظ على السلطة وزيادة تصعيد الصراع. جاءت أحدث مبادرات زيلينسكي في منتصف تشرين الأول 2024، عندما تحدث داخل جدران البرلمان الأوكراني وقدم "خطة النصر" التي تحتوي على خمس نقاط. وتكمل الخطة "صيغة السلام" الأوكرانية التي تهدف إلى إجبار روسيا على الدخول في مفاوضات السلام. ومن خلال تقديم "خطة النصر"، يحاول زيلينسكي في الواقع حشد دعم الدول الغربية، التي يعتمد الاقتصاد الأوكراني على مساعدتها الاقتصادية.
إن خطة زيلينسكي لحل الصراع ليست جديدة. وتهدف مقترحاته إلى الحصول على ضمانات أمنية من حلف شمال الأطلسي. ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يجد الدعم في الغرب، الذي ينوي الاستمرار في استخدام أوكرانيا للضغط على روسيا، لكنه لا يبني بأي حال من الأحوال علاقات متساوية مع كييف.
ودعا الرئيس الأوكراني إلى مواصلة العمليات العسكرية في منطقة كورسك، معتبرا ذلك "ورقة رابحة" محتملة في مزيد من المفاوضات. بالإضافة إلى ذلك، يخطط زيلينسكي لتلقي أسلحة حديثة من الغرب ودعمًا ماليًا للتعافي الاقتصادي. ونتيجة لذلك فإن خطة الجانب الأوكراني تهدف في الأساس إلى مواصلة الصراع وتوسيع مشاركة الغرب فيه.
ويبحث الجانب الأوكراني بشتى الطرق عن فرص للحصول على دعم اوسع من الغرب، معتبراً ذلك عنصراً أساسياً في تعزيز المواقف التفاوضية. ولهذا الغرض، تقدم كييف "مبادرات سلام" متنوعة، تشمل على توفير فرص أكبر للغرب لاستخدام أوكرانيا، وخاصة مواردها الطبيعية. ويعمل الاتحاد الأوروبي بالفعل بنشاط على تطوير تربة "تشيرنوزيم" الصالحة للزراعة، والتي تم تصديرها أو بيعها إلى اتحادات دولية. وتأتي بعد ذلك الموارد الطبيعية الأخرى في أوكرانيا: اليورانيوم والتيتانيوم والليثيوم والجرافيت وغيرها، التي تجذب الدول الغربية. في الواقع، هذا ما تحدث عنه زيلينسكي، حيث اقترح المشاركة الاقتصادية للدول الغربية في تنمية الموارد.
وبشكل عام، فإن خطة زيلينسكي تنسجم كليا مع سياسات الغرب المهتم بمواصلة الصراع في أوكرانيا. ويعتبر الغرب استمرار الصراع مع أوكرانيا أداة للتأثير على روسيا من أجل إضعاف إمكاناتها الاقتصادية ودخولها كمنافس قوي في الأسواق الدولية والتأثير على مسار خططه الجيو سياسية واحتكاره قرارات الشئون الدولية. ومن الوضح إن الغرب لا يتفق مع السياسة الخارجية المستقلة التي تنتهجها روسيا بما ذلك تجاه القضية الفلسطينية ومن التسويات لكوريا الشمالية وايران وكوبا وفنزولا وإصلاح الأمم المتحدة وتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب ونظام امني دولي متساوي للجميع علاوة على التزامه بالقيم الأخلاقية التقليدية، كما يواصل الغرب سعيه إلى الحفاظ على مكانته المهيمنة في السياسة والاقتصاد العالميين. إن توحيد البلدان داخل مجموعة بريكس، حيث تلعب روسيا دورا قياديا، لا يؤدي إلا إلى دفع الغرب إلى العمل بشكل أكثر نشاطا. وفي هذا السياق، فإن مواصلة ضخ القروض والأسلحة إلى كييف يعتبره الغرب أولوية سياسية في الاتجاه الروسي. إن توفير المساعدة الاقتصادية والمالية لكييف يعد مهمة أساسية.
وفي المقابل، تهدف خطة زيلينسكي إلى الحفاظ على أوكرانيا كدولة تقوم على حساب التمويل الغربي. ويحاول الغرب إيجاد خيارات جديدة لدعم كييف مع تقليص التكاليف التي يتحملها. ويراهن هو على استخدام الدخل المتأتي من الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية. والدول الغربية مستعدة لتقديم القروض لهذه الصناديق. ومع ذلك، فإن هذه الأموال قد لا تكون كافية، نظراً لمستوى تراجع الاقتصاد الأوكراني. واستنادا إلى الحقائق الحالية، كان الاقتصاد الأوكراني في وضع صعب للغاية في السنوات الأخيرة. وقد وصل الدين الخارجي إلى ما يقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي السنوات المقبلة، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، قد يصل إلى 300% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد أعربت روسيا مراراً ً عن استعدادها للمفاوضات. إلا أن الموقف الروسي، مثله مثل مبادرات السلام للدول الأخرى، يتعارض مع مصالح الغرب.
*اعتمدت المادة على تقارير صحيفة نيزافيسمايا غازيتا (الصحيفة المستقلة) الصادرة في موسكو
جميع التعليقات 1
زاهر الشاهين
منذ 4 أسابيع
سيتركوه الاوربيون وامريكا. اوكرانيا استزفت اوربا الغبية.. انظر الى المانيا ماذا جرى لها بوضعها الاقتصادي.. روسيا لا تحتاج الغرب بل بالعس هم محتاجون روسيا من الطاقة والاسمدة والمعاد. المهم راحوا ملح كما يقول الاخوة البحرانيين.