خاص/المدى
في خطوة أثارت الكثير من الجدل، قرر العراق التحول بشكل واسع نحو استخدام الغاز الطبيعي كمصدر رئيسي لتشغيل محطات الكهرباء، دون وضع تخطيط استراتيجي واضح ومدروس.
وهذا القرار جاء في ظل أزمة الطاقة المتفاقمة التي يعاني منها البلد، وسط نقص حاد في إمدادات الكهرباء واعتماد مفرط على الوقود التقليدي.
وبرغم أهمية الغاز الطبيعي كمصدر طاقة نظيف وفعّال، إلا أن غياب التخطيط المناسب والبنية التحتية الملائمة قد يعوق تحقيق الأهداف المنشودة من هذا التحول، ويزيد من الأعباء الاقتصادية والفنية على قطاع الطاقة في البلاد.
كشف المختص في شؤون الطاقة، مصطفى المحمود، خلال حديث لـ(المدى)، عن المخاطر الكبيرة التي قد تنجم عن "قرار العراق بالتحول إلى محطات الكهرباء الغازية دون تخطيط استراتيجي مدروس".
وأشار إلى أن "هذا القرار، الذي اتخذته الحكومة في ظل أزمة الطاقة المتفاقمة التي يشهدها البلد، ينطوي على أضرار اقتصادية وفنية وبيئية متعددة".
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح المختص أن "الانتقال إلى الغاز الطبيعي يتطلب استثمارات ضخمة لبناء بنية تحتية متكاملة تشمل شبكات لنقل وتوزيع الغاز، فضلًا عن تجهيز المحطات بالأجهزة والتكنولوجيا اللازمة".
وفي ظل غياب التمويل الكافي والتخطيط المتكامل، فإن العراق قد يواجه تحديات مالية كبيرة تتمثل في تأخر تنفيذ المشاريع وزيادة الأعباء المالية على ميزانية الدولة، التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية متعددة.
وأضاف أن "الاعتماد على الغاز دون ضمان توفير إمدادات محلية مستقرة قد يدفع العراق إلى استيراد الغاز من الخارج بأسعار مرتفعة، مما سيؤدي إلى زيادة العجز في الميزان التجاري، وتأثير سلبي على احتياطيات النقد الأجنبي".
ومن الناحية الفنية، أشار المحمود إلى أن "تشغيل محطات الغاز يتطلب بنية تحتية متطورة وكوادر فنية مؤهلة للتشغيل والصيانة، ونظرًا لنقص الكفاءات في هذا المجال، قد تواجه الحكومة صعوبات في تشغيل هذه المحطات بكفاءة، مما يهدد بزيادة انقطاع التيار الكهربائي واستمرار أزمة الكهرباء، التي تعد من أكثر القضايا تأثيرًا على الحياة اليومية للمواطنين".
أما على الصعيد البيئي، فقد حذر المختص من أن "غياب التخطيط البيئي المتكامل قد يؤدي إلى تفاقم مشكلات التلوث، إذ إن محطات الغاز، بالرغم من كونها أكثر نظافة من محطات الوقود التقليدي، إلا أنها قد تسهم في زيادة الانبعاثات الكربونية إذا لم يتم تشغيلها وفق معايير بيئية صارمة".
وشدد على "أهمية وضع استراتيجية متكاملة تشمل الجوانب الاقتصادية والفنية والبيئية قبل اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل الطاقة في البلاد"، محذرًا من أن "أي خطوات غير مدروسة قد تزيد من معاناة العراق في قطاع الطاقة وتعرقل مساعيه لتحقيق الاستقرار والتنمية".
من جانبه، اعتبر رئيس لجنة الطاقة والكهرباء النيابية، محمد نوري عبد ربه، أن تحول العراق منذ سنوات إلى محطات الكهرباء الغازية، كان من دون تخطيط كاف، مشيراً إلى أنه "كان الأجدر التحول أولاً لاستثمار كميات الغاز والغاز المصاحب".
وقال نوري في حديث تابعته (المدى)، إن "موضوع الكهرباء ليس بالسهل، فعملية إنتاج الكهرباء تأخذ مراحل متعددة كثيرة، تستغرق في أقل تقدير ثلاث سنوات، وأي محطة تريد بناءها تبدأ بها من الصفر وستحتاج إلى ثلاث سنوات".
وأضاف: "هذه المحطة لن تبنى إذا لم تمتلك وقوداً لها، والوقود أنواع، هناك غاز ونفط. النفط دائماً يكون من الملوثات للبيئة، إذ أن الدول لا تدعم هذا التوجه عالمياً، لأنهم يسمونه بالحراري، والمحطات الحرارية دائماً تتوجه إلى المحطات الغازية، ونحن بالأصل ليس لدينا غاز محلي، ونعتمد على الغاز الإيراني المستورد، وهذا أيضاً يعتبر مشكلة".
وأردف نوري أن "الإنتاج الآن هو 27 ألف ميغاواط، وعندما تدخل مراحل الصيانة ويقطع الغاز الإيراني ويقطع الغاز المحلي يتراجع الإنتاج إلى 14 ألف ميغاواط. قسم من هذه الـ 14 ميغاواط مستثمر، فإذا ما ذهبنا إلى بسماية وإلى العمارة وإلى قسم من المحطات يوجد منها استثمارية لشركات القطاع الخاص".
وتابع: "لذلك فإن قضية الكهرباء ليست بالسهلة لكنها في ذات الوقت ليست صعبة، ليست سهلة لأنها تحتاج إلى عملية تنظيم المشاكل بالتوزيع بالدرجة الأساسية التي هي آخر مرحلة بالكهرباء التي تصل المواطن، في حين لدينا هدر في عملية استهلاك الكهرباء"، مردفاً أن "الهدر ليس عند المواطن البسيط، بل عند القطاع الخاص الذي يمتلك مصانع وجامعات ومدارس ومحالاً تجارية كبيرة ومولات وما إلى ذلك من تفاصيل في القطاع الخاص".