TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.. ملاحظات أولية

مهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.. ملاحظات أولية

نشر في: 31 أكتوبر, 2024: 12:03 ص

د. كاظم المقدادي

(1)
في هذا الملف نسلط الضوء على سوء الإدارة البيئية والفشل في العراق، خلال العقدين الأحيرين، متضمناً إستعراضاً لقرارات وخطط وبرامج ومشاريع وطنية مقررة لتحسين البيئة، لم تُنفذ، أو فشلت، أو ظلت حبراً على ورق.
تأريخياً، يُسجل لحماة البيئة العراقية أنهم أول من طالب بإستحداث وزارة للبيئة، وإستبشروا خيراً حال تشكيلها في عام 2003، معولين ان تنهض عاجلآ، بمعالجة التركة الثقيلة من خاصة التلوث الإش المشكلات البيئية، وفي مقدمتها التلوث البيئي، عاعي، والنفايات، خصوصاً المخلفات الحربية، وتحسين جودة الهواء والمياه والتربة، ودرء تداعيات التغيرات المناخية، الى جانب إدارة الموارد الطبيعية، وبالتالي تحسين الواقع البيئي المزري..
بيد أنه سرعان ما خاب التعويل على وزارة البيئة إثرَ إفتقارها طيلة سنوات لتخطيط بيئي استراتيجي سليم، بل وتخبطها وانتهاجها للعشوائية في اتخاذ القرارات وأنجاز المهمات، وبالتالي لم يحصل أي تحسن في معالجة المشكلات البيئية، بل وتفاقمت أكثر.
ولابد من توضيح ان ذلك يعود لعوامل عديدة، ومنها ما فرض على الوزارة فرضاً وأثر كثيراً على عملها..
ومن أبرز العوامل التي أثرت على الوزارة وأعاقت عملها:
أولآ- إعتبار مهمة الوزارة رقابية، وليست تنفيذية.والإصرار على ذلك مع أنه كان بالمستطاع جعلها رقابية وتنفيذية في اَن واحد.
تانياً- وجهت للوزارة ضربة موجعة بتجريدها من إستقلاليتها،عبر دمجها بوزارة الصحة، مما أربك عملها كثيراً.
ثالثاً- أفضى تكرار جعلها مرة مستقلة ومرة مُدمجة ومن جديد مستقلة،الى عدم إستقرارها، وشل عملها، وجعلها تتخبط وترتبك وحتى الفشل في جوهر مهماتها الأساسية المأمولة - تحسين وحماية البيئة.
رابعا- تجاهل الحكومات المتعاقبة بشكل صارخ للمشكلات البيئية القائمة، مجسداً بإهمال دعم عمل الوزارة، وعدم توفير كل ما إحتاجت إليه من كوادر علمية وفنية ومعدات حديثة، وغيرها.
خامساً- بؤس المخصصات السنوية..يكفي ان تعرفوا ان مخصصاتها التشغيلية والإستثمارية في عام 2023 كانت (0.03 في المائة) من إجمالي الموازنة العامة (198 تريليون دينار). وقد أعاق ذلك تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية.
علماً بان الفقر المالي للوزارة جعلها ان لا تكون ضمن قوائم المؤسسات الخاضعة المحاصصة الطائفية والإثنية، وليست مرغوبة من قبل الأحزاب المتنفذة.
سادسا ــ الظاهرة المُعيبة في إدارة الوزارة، والوزارات الأخرى، ألا وهي إنعدام المراجعة وتقييم الأداء، حيث لم يكلف غالبية الوزراء أنفسهم عناء متابعة وتدقيق ما صدر من خطط وإجراءات في الفترة السابقة لهم، ليستفيدوا، ولا نقول ليتعلموا من إيجابيات ما تم إنجازه، وتطويره، الى جانب الوقوف على الأخطاء والنواقص لتجنب تكرارها. وقد تجسد ذلك بإهمال كل وزير جديد لمنجز من سبقه، بما في ذلك من قرارات وتوجهات مهمة، مدروسة ومقرورة.
ثامناً- تجاهل وإهمال الوزارة لكل ما قُدِمَ لها خلال عقدين من دراسات ومشاريع ومقترحات وتوصيات علمية وبناءة، وبضمنها لمؤتمرات علمية دولية كُرِست لمعالجة التلوث باليورانيوم في العراق.وتجاهلت حملة دولية نُظِمت لمساعدة العراق على تنظيف بيئته من المخلفات المشعة، وغيرها.
تاسعاًــ تستر (مركز الوقاية من الإشعاع) التابع للوزارة على خطورة التلوث الإشعاعي، وخاصة إشعاعات اليورانيوم المنضب، الناجمة عن إستخدام الأسلحة المصنعة من نفايات نووية خطيرة على العراق في حربين مدمرتين. وبدلآ من توعية المواطنين بمخاطره، إنزلق الى مستوى الكذب نفياً وتعتيماً عليه، وأوقع نفسه في فضيحة مجلجلة، مغطياً على حجم المواقع الملوثة وعلى ما أحدثته الأسلحة المذكورة من كوارث صحية وبيئية وخيمة،على حساب صحة وحياة العراقيين، فقد حصدت الأمراض السرطانية، والولادات الميتة والإجهاضات والتشوهات الخلقية، وغيرها من العلل غير القابلة للعلاج، مئات الألاف من ضحايا الإشعاعات..
وهذا جزء من ظاهرة شاخصة وهي كثرة التصريحات والوعود المعسولة، التي لم تنفذ.
عاشرا -التستر والتعتيم، من جهة، والمبالغة والتضخيم، من جهة أخرى، وكثرة الوعود المعسولة التي لم تنفذ، جميعها أثرت كثيراً على مصداقية الوزارة، وجعلت المواطنين يفقدون الثقة بمشاريعها، وإقتراناً بذلك رفضوا تنفيذ تعليماتها والتعاون معها.
حادي عشر- تجاهل أو عدم إدراك بان نجاح تنفيذ أي خطة أو مشروع وطني مرتبط وثيق الإرتباط بالحالة الأقتصادية- الإجتماعية لغالبية المواطنين، الى جانب مستوى الوعي البيئي في المجتمع.وان النجاح لن يتحقق في ظل مستوى معيشة متدني ويعاني المواطنون من الفقر والحرمان، وأرباب العوائل غاجزين عن تأمين لقمة عيش أطفالهم، وجل إهتمامهم منصب على ذلك، ولا مجال للمواطن للتفكيربالبيئة.
ثاني عشر- عدم إدراك ان تنفيذ الخطط والمشاريع الوطنية المطروحة لا يتوقف على الوزارة وحدها، وإنما يستلزم مشاركة جماعية فاعلة من قبل كافة الوزارات والمؤسسات المعنية، إضافة لمنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة.
خلاصة القول: ان كل ما مر ذكره، بدءاً من الإصرار على ان مهمة الوزارة رقابية وليست تنفيذية، وعدم جعلهاة رقابية وتنفيذية،في اَن واحد، ودمجها مع وزارة الصحة، وبذلك تم تجريدها من إستقلاليتها، وعدم وضع الحكومات المتعاقبة أزمة البيئة ضمن أولوياتها، والمخصصات البائسة، وعدم إجراء متابعة ولا مراجعة ولا محاسبة، لعملها،طيلة عقدين، الخ، جعل الوزارة ومؤسساتها موضع إنتقادات موضوعية وجدية كثيرة، وجهت وتوجه لها لكونها غير فعالة في عملها، ولا دور لها يذكر في معالجة المشكلات البيئية. وبالتالي فشلت في تنفيذ الستراتيجيات والخطط والبرامج العديدة التي أطلقتها رغم مرور أعوام طويلة على إعلانها، وبالتالي لم يتحسن الواقع البيئي المزري، بل وتفاقمت المشكلات البيئية أكثر.
ولا أدل على ذلك من تذيل العراق في "مؤشر الأداء البيئي العالمي" (EPI)، منذ عام 2012. وهذا المؤشر منجز من طرف جامعتي بيل وكولومبيا الأمريكتين بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، مكرس لقياس الأداؤ البيئي لكل دولة، من أصل 180 دولة في أرجاء العالم، بالإستناد لتقييم 40 مؤشراً حيوياً، شاملة الصحة البيئية، وحيوية النظام البيئي من خلال جودة عناصر البيئة(الهواء والماء والتربة) والتغيرات المناخية، رابطاة نتائج السياسات الجيدة بالثروة (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي)، وما يتيحه الرخاء الاقتصادي للدول الاستثمار في السياسات والبرامج التي تؤدي إلى نتائج مرغوبة، وينطبق هذا الاتجاه بشكل خاص على قضايا الفئات الواقعة تحت مظلة الصحة البيئية، اَخذاً بنظر الإعتبار ان بناء البنية التحتية اللازمة لتوفير مياه الشرب النظيفة، والصرف الصحي، والحد من تلوث الهواء، والسيطرة على النفايات الخطرة، والاستجابة لأزمات الصحة العامة، يحقق عوائد كبيرة لرفاهية الإنسان..
وتواصل في العراق تردي الأداء البيئي، وبعد 10 سنوات،أي في عام 2022، إحتل العراق المرتبة 14 عربياً، والمرتبة 169 عالمياً، بحصوله على 27.80 نقطة من 100. وبين المؤشر عدم حصول تحسن، وإنما تراجع 5.30% ..
وتواصل الاتجاه العام لأداء العراق البيئي نحو الانحدار، حيث انخفضت درجة العراق من 43 من 100 في عام 2018 الى 39، وهبطت الى 27.8 في عام 2022، وإرتفعت الى 30 في عام 2024.. أما مرتبته، فقد إرتفعت من 153 في عام 2018 الى 169 في عام 2022، والى 172 في عام 2024 وأصبح ترتيب العراق دولياً أكثر تراجعاً، حيث انخفض بحدود 17 مرتبة (fcdrs.com)..
لم يصدر عن وزارة البيئة ولا عن الحكومة العراقية ما يوضح أسباب هذا الإنحدار في الأداء البيئي، ومن يتحمل مسؤوليته، وإنما صدرت عن مسؤولين تشكيكات بصحة الأرقام التي وردت في المؤشر العالمي، دون إثباتات تؤكد شكوكهم، ساعين للتشويش على الحقائق، واعمين بأنها " ليست" نتيجة حتمية لعدم ايلاء المشكلات البيئة العراقية الاهتمام المطلوب، في وقت تضع حكومات الدول،حتى الفقيرة منها، البيئة في سلم أولوياتها! .
وفوق ذلك، حل العراق ضمن الدول الاعلى تعرضا لمخاطر الكوارث الطبيعية في 2024. فمن أصل 193 دولة شملها المؤشر حل العراق بالمرتبة 63 وبعدد نقاط بلغ 9.24 نقطة مخاطر، ما يجعله ضمن نطاق المخاطر العالية، وهي ثاني مرتبة بعد المخاطر العالية جدا.
وعلى الصعيد العربي، جاء العراق بالمرتبة العاشرة بعد كل من اليمن، مصر، ليبيا، سوريا، المغرب، السودان، تونس، الجزائر، السعودية ثم العراق.
ويجمع المؤشر بين عوامل التعرض للكوارث التي تحدث والكثافة السكانية في المناطق المتضررة، بالإضافة إلى قياس مدى الضعف والافتقار إلى القدرة على التكيف، فيما تشمل الكوارث الطبيعية الأعاصير والفيضانات والجفاف والزلازل.
وإقتراناً بذلك لابد من التوقف عند الخطط والمشاريع الوطنية لحماية وتحسين البيئة العراقية، التي أطلقتها وزارة البيئة خلال الأعوام الـ 15 المنصرمة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram