TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمودالثامن: سؤال الكرخي

العمودالثامن: سؤال الكرخي

نشر في: 31 أكتوبر, 2024: 12:06 ص

 علي حسين

الشاعر الساخر والصحفي الملا عبود الكرخي، ظاهرة قلما تتكرر في عالم الشعر، ودنيا القلم والكتابة ، فقد عاش رحلة طويلة بمفارقاتها وصراعاتها، فاستطاع من خلالها الغوص إلى قاع المجتمع حيث البسطاء من الناس وهموم الحياة واللهاث وراء أبسط متطلبات الحياة. كان يكتب وهو يعيش فلم يكن أدبه نابعاً من الحياة كما يقال، إنه الحياة نفسها، تلك الحياة التي عاشها واكتوى بنارها، لم يعرف الهدوء والعزلة أو الأبواب المغلقة والنوافذ المسدودة، فالحياة عنده لا فرق فيها بين البيت والشارع أو بين العمل والعلاقات الإنسانية المختلفة. كان محباً للحياة بلا حساب، ومحباً للشعر ومعه الصحافة .
بدأ حياته صبيا يرافق القوافل التجارية، لكنه قرر أن يصبح صحافياً، لم يتوقف رغم أن الحكومة أغلقت له خمس صحف، أنشأ صحيفة من غرفة صغيرة، وجعلها ساخرة بدل أن تكون صحيفة عادية، وكان يملؤها بنفسه، الأشعار، والافتتاحيات السياسية الجريئة، مخلصاً للعراق البلد، ومخاصما للعراق الحكومات طوال عمره، كانت أشعاره لوحات أدبية وسياسية متفردة، خليطا من الأدب والسياسة والنقد والسخرية، وقاسما مشتركا واحدا هو حب الوطن. كان شاهد عيان على أحداث وسنوات جسام، ظل فيها حاضراً بشكل يومي ليصبح وبجدارة ضمير شعب بكامله، من خلال قصائد ساخرة أصبحت ملاذ الناس ومضرب أمثالهم. في بدايات القرن الماضي عندما لم يجد الكرخي في مجلس النواب حينذاك، من يمثل الشعب بشكل صادق وحقيقي، كتب فيهم قصيدة أصبحت مثلاً حتى يومنا الحاضر عنوانها "قيّم الركَاع من ديرة عفج". يقول فيها:
گمت ما اعرف حماها امن الرجل
ياهو التكضه اهو ايمثل العدل
وگمنه نستورد الشلغم والفجل
لان كلها ضلت اتدور ودچ
قيم الرگاع من ديرة عفچ
وهي قصيدة مؤثرة لأنها وإن عبرت عن مرحلتها، فإنما تعبر بصدق عما يسود الأجواء التي نعيشها الآن، ففي وسط الأزمات التي يمر بها المواطن العراقي ، نقرأ في الأخبار أن البرلمان لايزال حائرا في اختيار رئيس له ، وان القوانين التي تهم الناس غيبت ، فيما الاصوات التي تدافع عن الهوية الوطنية مثل النائبة الشجاعة نور الجليحاوي يتم تجاهلها والتعتيم عليها.
ما الذي علينا أن نتعلمه من اشعار الكرخي ؟ يرشدنا صاحب " المجرشة " إلى أن الشعوب لا تزدهر في ظل مسؤولين يعتقدون أنهم فوق القانون.. فالازدهار والتنمية والعدالة لا مكان لها في ظل مسؤولين يخططون من أجل الوصول إلى درجة من الإيمان بأنه لا خيارأمام الناس سواهم.
في هذه الأيام التي يغيب فيها نتذكر كبير الساخرين وجليس الضعفاء ونتذكر معه سخريته من مسؤولين لا يعرفون " حماها من رجلها " ، لكنهم شطار في لفلفة اموال البلاد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram