بغداد / تبارك المجيد
يشهد العراق ارتفاعاً ملحوظاً ومقلقاً في حالات الطلاق، ما يثير قلق الخبراء والمختصين حول تأثير هذه الظاهرة على استقرار المجتمع والأسرة العراقية. في هذا التقرير، نستعرض أسباب هذه الزيادة وتداعياتها المحتملة على النسيج الاجتماعي.
وفقاً لإحصائيات مجلس القضاء العراقي، سُجِّلت 73,155 حالة طلاق في عام 2021، تلتها 68,410 حالات في عام 2022، ثم 71,016 حالة في 2023، و45,306 حالات طلاق حتى منتصف عام 2024. هذه الأرقام تعكس زيادة ملحوظة تستدعي اهتماماً كبيراً.
تفسر الناشطة النسوية إسراء سلمان هذه الزيادة على أنها نتيجة طبيعية لتزايد السكان، حيث يؤدي النمو السكاني إلى ارتفاع في حالات الزواج، مما يزيد من احتمالية الطلاق. وتؤكد أن نسب الطلاق، مقارنة بمعدلاتها قبل عدة سنوات، تتراوح بين 1 إلى 2% فقط.
ولكن إحدى الظواهر المقلقة التي تشير إليها سلمان في حديثها لـ(المدى)، هي انتشار الزواج خارج المحكمة، حيث يُعقد الزواج بعيداً عن النظام القانوني، وغالباً ما يشمل فتيات دون السن القانونية، أي أقل من 15 عاماً. وترى أن «هؤلاء الفتيات غالباً ما يكنَّ غير مؤهلات لإدارة حياة أسرية، مما يجعل هذه الزيجات عرضة للفشل المبكر ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الطلاق».
ومن جانب آخر، تنفي سلمان أن يكون قانون الأحوال الشخصية سبباً لهذه الزيادة، مؤكدة أن القانون لم يتغير منذ عام 1959 ولم يثر ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق طوال هذه العقود. وتربط سلمان الزيادة الحالية بظاهرة الزواج خارج المحكمة، وتبدي قلقها إزاء الدعوات المتكررة لإلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188، معتبرة أن هذه المحاولات ستهدد النسيج الاجتماعي وستفتح الباب أمام زيادة زواج الأطفال، مما يعرض المجتمع لمخاطر جسيمة.
وتحذر سلمان من أن «إلغاء هذا القانون قد يؤدي إلى نتائج كارثية»، مؤكدة أن التعديلات المقترحة على القانون قد تعطي «إجازة قانونية لاغتصاب الأطفال»، مما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع ويهدد بانهيار القيم الأسرية والاجتماعية في العراق.
تتركز أغلب حالات الطلاق في المناطق العشوائية والفقيرة، وذلك بسبب الضغوط الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الحياة الزوجية. ويقول رئيس جمعية حماية وتطوير الأسرة العراقية، حقي كريم هادي، إن تدهور الوضع الاقتصادي يعد أحد العوامل الرئيسية في هذه الظاهرة، حيث يضع عبئاً كبيراً على الأزواج ويزيد من حدة التوتر داخل الأسرة.
كما أشار هادي لـ(المدى)، إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، التي ساهمت في تصاعد هذه الظاهرة عبر التأثير السلبي على العلاقات الزوجية. بالإضافة إلى ذلك، يعد عدم الإنجاب وتدخل أهل الزوجين في حياتهما الشخصية من العوامل التي تعزز من فرص حدوث الطلاق.
الظاهرة، التي تعتبر من القضايا الاجتماعية المهمة، تستدعي وفقاً لهادي، اهتماماً أكبر لمعالجة أسبابها وتقديم الحلول المناسبة لدعم الاستقرار الأسري في العراق.
وفي السياق ذاته، أضاف هادي أن العادات والتقاليد القبلية والعشائرية تلعب دوراً في ارتفاع حالات الطلاق، خصوصاً في المناطق الجنوبية من العراق. وقد أشار إلى أن هذه الظاهرة تكثر في الأقضية والنواحي، حيث يزيد الزواج العشائري، المعروف بزواج «القُصَّر»، من هشاشة العلاقات الزوجية.
دعا هادي إلى ضرورة البحث عن حلول فعّالة للحد من هذه الظاهرة، مؤكداً أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تحتاج إلى معالجة جذرية لتقليل حالات الطلاق والحفاظ على استقرار الأسرة العراقية.
من جانبها، تصف الباحثة الاجتماعية بلقيس الشمري هذه الظاهرة بـ«النزيف المجتمعي»، وتؤكد أن معالجة هذه الظاهرة باتت حاجة ملحّة. وتوضح الشمري أن هذه الأزمة نتاج عوامل متشابكة منها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وحتى البيئية. فمثلاً، يُجبر التدهور المادي العديد من الأزواج على العيش مع أهل الزوج، مما يخلق بيئة مشحونة بالتوترات والخلافات المتكررة، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى انهيار العلاقة الزوجية بالطلاق.
وترى الشمري، في حديث لـ(المدى)، أن التوظيف السلبي للتكنولوجيا الحديثة، وخصوصاً شبكات التواصل الاجتماعي، أسهم بشكل متزايد في انتشار حالات الطلاق، إذ باتت هذه الوسائل وسيلة لبعض الخيانات الزوجية، وحالات الابتزاز الإلكتروني، والتحرشات، مما يعقّد حياة الكثير من الأزواج ويزيد من فرص انهيار الأسر.
أحد العوامل الأخرى التي تؤدي إلى الطلاق هو الزواج المبكر، حيث يفتقر الفتيان والفتيات إلى النضج العاطفي والاجتماعي اللازم للحفاظ على العلاقات الزوجية. ويزداد انتشار هذا النوع من الزواج في المناطق الفقيرة والأقل تعليماً، مما يساهم في تضخيم المشكلة في المجتمعات المتأثرة بالفقر والتهميش.
وتشير الشمري إلى أن الفقر والبطالة هما أساسان يغذيان ارتفاع حالات الطلاق في العراق، حيث تضطر العديد من الأسر إلى مواجهة ضغوط معيشية قاسية نتيجة قلة فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
وتقترح الشمري لمعالجة هذه الظاهرة اعتماد استراتيجيات شاملة، تبدأ بتشريعات صارمة تمنع الزواج المبكر لحماية الشباب من الوقوع في أزمات اجتماعية ونفسية لاحقاً. كما تشدد على ضرورة توعية المجتمع بآثار الطلاق، خاصة على الأطفال، وضرورة توفير الدعم النفسي والاستشارات الزوجية للأسر التي تواجه صعوبات.
وتؤكد الشمري على أهمية تحسين الوضع الاقتصادي، وتقليص البطالة عبر خلق فرص عمل وتأهيل الشباب لسوق العمل، بما يساعدهم على تأسيس حياة زوجية مستقرة. كذلك، ترى أن برامج التوعية حول الاستخدام السليم للتكنولوجيا ضرورة قصوى لتجنب المشكلات الأسرية التي قد تنجم عن سوء استخدامها.
تصاعد حالات الطلاق في العراق: أسباب وتداعيات على النسيج الاجتماعي
نشر في: 3 نوفمبر, 2024: 12:14 ص