عبد الكريم البليخ
في عصرنا الحالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وخاصة منصة "فيسبوك"، التي تجمع ملايين الأشخاص من مختلف أنحاء العالم. ومن خلال هذه المنصات، نشأت نوعية جديدة من العلاقات تُعرف بــ "أصدقاء فيسبوك". لكن، في بعض الأحيان، يشعر البعض بأن هؤلاء الأصدقاء ليسوا بالضرورة أصدقاء حقيقيين، وأن هناك نوعاً من "جبن الأصدقاء" يظهر عند التعامل معهم في الأوقات الصعبة أو اللحظات الحرجة.
"جبن الأصدقاء" هو مصطلح يصف أولئك الذين يظهرون على فيسبوك وكأنهم أصدقاء حقيقيون، يشاركون في التعليقات والإعجابات والتفاعل المستمر، ولكنهم يختفون عند الحاجة الحقيقية للدعم. هؤلاء الأصدقاء قد يكونون حاضرين بشكل رقمي، إلا أنهم غير موجودين فعلياً عند الحاجة إلى تواصل إنساني عميق، أو عندما يمر الشخص بموقف صعب يحتاج فيه إلى دعم حقيقي وواقعي.
إن التواصل الرقمي قد يخلق وهماً بالعلاقة القوية، لكن الحقيقة أنّ العديد من هذه العلاقات تبقى سطحية. فلا يتطلب الضغط على زر "إعجاب" أو كتابة تعليق جهداً كبيراً أو ارتباطاً حقيقياً.
وكثيراً ما يختبؤون خلف الشاشة ويخفون مشاعرهم الحقيقية، وبالتالي يمكنهم التفاعل بأسلوب معين يعكس فقط ما يرغبون في إظهاره، ما يجعل علاقاتهم أقل صدقاً وشفافية، وكذلك نراهم مشغولين أكثر الوقت باهتمامتهم الشخصية ليس بالضرورة أن يكون كل من يظهر "جباناً" على فيسبوك، فهناك من يكتفي بالتفاعل الرقمي بسبب انشغاله أو اهتمامه بأمور أخرى، ولا يعتبر نفسه ملزماً بتقديم الدعم النفسي أو المادي.
قد يسبب الاعتماد على أصدقاء فيسبوك للحصول على الدعم العاطفي خيبة أمل كبيرة عند غيابهم في الأوقات الحرجة، ما يؤدي إلى أخذ الحيطة والحذرة واللجوء إلى العزلة والوحدة. الأشخاص الذين يقضون وقتاً طويلاً على المنصات الاجتماعية قد يتعرضون لأثر سلبي على الصحة النفسية عندما يدركون أن معظم صداقاتهم على فيسبوك ليست كما تخيلوها. في أغلبها صداقات وهمية!
إن العلاقات الرقمية لا تعكس دائماً الصداقات الحقيقية، وهذا ما يزيد الشعور بالإحباط، فالضرورة تقتضي تخصيص وقت للعلاقات الواقعية وتطوير الصداقات التي يمكن الاعتماد عليها في الواقع، ويتجلى ذلك التعبير عن مشاعرهم بوضوح، وفي بعض الأحيان قد يحتاج الشخص إلى الإفصاح عن مشاعره وما يحتاجه من دعم، بدلاً من الافتراض أن الجميع سيفهم ذلك.
نلحظ، كما يلحظ كثيرون من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، ظهور أسماء تشارك في التعليق، أو الاكتفاء بالإعجاب على صفحات الأصدقاء بعيداً عن تنشيط صفحاتهم التي يُصرّون على إهمالها، وعدم الاهتمام بما ينشر عليها، بل إبقائها مهمّشة خاوية لا تغني ولا تسمن من جوع، ما يعني وقفهم نشر أي رأي كان، سواء مع أو ضد، تحسباً من رصده ومتابعته أو الكشف عنه من قبل جهة أمنية أو مخابراتية، لا سيما أن أصحاب هذه الصفحات يقيمون في حضن الوطن، وطالما يختفون أو يظلون بعيدين عن الإفصاح عما يجول بخاطرهم، أو أنهم في الواقع غير قادرين عن إيصال ما يريدون للقارئ الذي يتابع ويعي ما يجري على الساحة من أحداث.
والأنكى من ذلك أنهم طالما يتباهون بعضلاتهم المفتولة، وقوة شخصيتهم، ورجاحة عقولهم، واتساع مداركهم، وذكائهم الخارق، وعلى أنهم الأجدر والأقدر معرفة من غيرهم… ويمتثلون إلى السكوت، و"التطنيش" وهم في الواقع يختفون ما وراء الكواليس غير قادرين على فعل أي شيء بذريعة أنهم يعيشون على ثرى الوطن ويقيمون فيه، وأي تصرف محسوب عليهم، في الوقت الذي نجد فيه أصدقاء آخرين، من الناس العاديين، نشاطهم غير محدود، ويكتبون بحرية تامّة بعيداً عن أمثال هذه الحسابات غير المقنعة! وأمثال ما سبق أن ذكرنا بهم ما يغلب عليهم طابع الجُبن والخوف والرعب، وليس بمقدورهم من أن يحققوا أي دور فاعل في الحياة، بل يحاولون تهميش دور غيرهم والتقليل من شأنهم، وهم كذلك!.
وفي هذا نتساءل:
ماذا يريد أمثال هذه النخبة الميؤوس منها من المجتمع؟ وكيف يفكرون في مآل الناس؟ ومن هم في واقع الحال؟ وإلى أي الجهات ينتمون؟ وما هي العقول التي يمتلكونها؟ وما أدراكم قد يكونون من أذيال النظام الخفي. لم لا؟
أسئلة كثير وكثيرة جداً بحاجة إلى توضيح. فهل يتفضّل أمثال هؤلاء بالإجابة عنها، ولماذا يمتنعون من المشاركة، أو أقلّها، إبداء الرأي على حساباتهم الخاصة، ما يُلجئهم إلى الاكتفاء بالتعليق، أو الإعجاب مع صفحات الأصدقاء المُبعدين من وقت لآخر؟!
فهل يجرؤ هؤلاء من الكتابة على صفحاتهم التي يغيبون عنها بذرائع مختلفة، والتخلف عن مواكبة ما يدونه الأصدقاء؟
"جبن الأصدقاء" في فيسبوك يعكس جانباً سلبياً من التواصل الرقمي، حيث يبرز الفرق بين الأصدقاء الرقميين والأصدقاء الحقيقيين. لذا من المهم التعامل بحذر مع هذه العلاقات، والاستفادة من فيسبوك كوسيلة تواصل اجتماعي دون الاعتماد المفرط عليه لبناء علاقات في أغلبها قد تكون زائفة أو غير ثابتة!.