علي حسين
على طريقة المثل الشهير "عين بالنار وعين بالجنة"، تتحرك الكتل السياسية، منها من أضنى السهر عيونها المصوّبة على الكراسي ، فقررت أن تيمّم وجهها شطر المعارضة، طارحة نفسها باعتبارها معارضة "للقشر"، تريد أن تحتفظ لنفسها بمسافة بينها وبين الحكومة ومناصبها، وتقف على المسافة نفسها من الجميع، حتى خرجت علينا مواقع التواصل الاجتماعي تمدّ لسانها ساخرة وتنشر على صفحاتها وثائق تكشف زيف شعارات المعارضة وخطابات "نموت نموت وتحيا الوطنية " ، فعلى موقع الفيسبوك وتويتر قرأنا أسماء مرشحين لمنصب مديرعام ، وكيف توزعت على الكتل السياسية قاطبة بلا تمييز .
صحيح أننا نعيش عصر السخرية النيابية التي طالت كثيراً، إلا أن سخرية عن أخرى تفرق، فهناك من يسخر معنا وهناك من يسخر منّا، وهناك من يريد أن يجمع السخرية بالتسلية، وإلى هذا النوع ينتمي معظم التصريحات التي تخرج من افواه سياسيين يوهمون الناس باعلان بيانات عن " المعارضة ".
هكذا وبكل بساطة يخترع لنا البعض كل يوم حكاية جديدة كى يلهي بها الناس عن الخراب الذي يحيط بهم، إنها قمة السخرية. غير أن المحيِّر أكثر هو هذا التناقض الواضح بين أن تعلن معارضتك للحكومة، وفي الوقت نفسه تستولي، وبالمحاصصة، على مناصب في كل مؤسسات الدولة. بين الدفاع عن حقوق المواطنين، وبين القتال العنيف من أجل حصتك في الكعكة الحكومية، ناهيك عن تناقضات أخرى مضحكة بين سيل الكلمات الحماسية عن حق المواطن ، والخدمات ، والديمقراطية ، وبين ما نشرته مواقع التواصل الاجتماعي عن معركة الحصول على كرسي مدير عام .
ولأنني أجهل فلسفة المعارضة التي يقوم عليها مشروع الكتل السياسية في بلاد الرافدين ، فقد حاولت أن أعود الى فكرة البطل المنقذ التي حاول المرحوم آرنولد توينبي أن يشرحها لنا، والتي تتلخص في أن البعض يتوهم أنه أعظم من كونهِ إنساناً عادياً، ففي وسعه إنجاز ما يظنه غيره "معجزات " .
اتفقت جميع القوى المعارضة في العالم على أن تعارض داخل البرلمان، او في ساحات الاحتجاج ، فأحزاب المعارضة في الدول الديمقراطية لا تشارك في الحكومة ولا تبحث عن استحقاقها في مناصب الدولة ، وليس لها أحباب تريد أن تجعل منهم مدراء عامّين وسفراء ، واختلفت المعارضة في العراق في أنها تريد أن تغيّر الصورة، وتقدم نموذجاً سياسياً، في النهار يطالب بإسقاط الحكومة، وبالليل يتسامر معها لإحصاء المنافع والامتيازات. غير أن المحيِّر أكثر هو هذا التناقض الواضح لدى الكتل السياسية بين الإحساس بالخجل من الحكومة سيئة السمعة ، وبين قتالهم العنيف من أجل الحصول على كراسي داخل قبة هذه الحكومة.