متابعة / المدى
رأى تقرير أوروبي، أن الانتخابات التي جرت في إقليم كردستان مؤخرا، تحمل آثارا مهمة على مستقبل الاقليم والسياسة الامريكية الاوسع في المنطقة، مشيراً إلى ان تنظيم الانتخابات بحد ذاته جاء وسط اضطرابات اقليمية واحتمالات حرب واسعة، لكنه يعكس الرغبة القوية في الحياة الطبيعية والاستقرار بين الكرد، بالإضافة الى رغبتهم في البقاء بعيدا عن الاعمال العدائية الاقليمية المتصاعدة.
وقدّم تقرير لموقع "نشرة أوراسيا" الأوروبي، مجموعة من التوصيات للولايات المتحدة للتعامل مع التحديات السياسة الامريكية في الاقليم والمنطقة عموما، موضحاً أن واشنطن التي تمتعت بعلاقة قوية مع الكرد، يجب ان تلعب دورا عمليا في تسهيل الحوار بين الاحزاب الكردية من اجل ضمان تشكيل حكومة فعالة.
وذكر التقرير، أن "قدرة الاقليم على تشكيل حكومة مستقرة، تمثل اهمية شديدة ليس فقط لحكمها، وانما ايضا للمصالح الستراتيجية الاميركية الاوسع في العراق وفي منطقة الشرق الاوسط".
ورغم أن التقرير رأى أن بعض صناع القرار في واشنطن قد يميلون الى النظر للسياسة الداخلية لإقليم كردستان، باعتبار انها تشكل مصدر قلق ثانويا، خصوصا في ظل الازمة بين اسرائيل وإيران والتي تعتبر أكثر الحاحا، الا انه قال انه يتحتم على الولايات المتحدة ان تدرك القيمة الستراتيجية لمساعدة الكرد، وان تتفهم هذه اللحظة في إقليم كردستان في سياق تاريخي أوسع للعلاقات الامريكية -الكردية والمكاسب المتبادلة التي جرى تحقيقها والتي من الممكن ان تستمر في الازدهار من خلال هذه الشراكة".
وفي حين ذكر التقرير بأن الاقليم ليس كيانا سياديا او حكوميا مستقلا، إلا انه أشار إلى العلاقة الخاصة القائمة مع الولايات المتحدة منذ التسعينيات، والتي وصفها بانها توازي في بعض جوانبها العلاقة بين الولايات المتحدة وتايوان، وان كان على نطاق أصغر ومع التزام اقل رسمية.
ولفت التقرير الأوروبي، إلى أنه منذ نهاية حرب الخليج الاولى، كانت واشنطن بمثابة الضامن لأمن الكرد في العراق، في حين لعب الكرد دورا حاسما في الاطاحة بصدام حسين، وفي العملية السياسية بعد العام 2003، وساهموا في تطوير النظام السياسي والامني في العراق، الا انه كان هناك قلق متزايد في كردستان من ان الولايات المتحدة لم تعد ملتزمة بالعلاقة مع الاقليم مثلما كانت من قبل منذ استفتاء الاستقلال في العام 2017 وبعد تعرض الاقليم لهجمات قبل ايران و"وكلائها" العراقيين، في حين زادت مساحة التدخل من جانب ايران وتركيا.
ورأى التقرير انه من خلال المساعدة في عملية تشكيل حكومة الاقليم، فان الولايات المتحدة بذلك ستعبر عن تجديد التزامها بالشراكة مع الكرد وتقوية استقرار الاقليم دون اي تكلفة من حيث الموارد او الارواح الامريكية.
وأشار التقرير إلى أن إيران والقوى الوكيلة لها، حاولت من خلال خليط من الحرب القانونية والضغوط الاقتصادية والمالية والمناورات السياسية، ان تقوض الدعائم الاقتصادية لإقليم كردستان، والتحكم بديناميكيتها السياسية الداخلية، بما في ذلك من خلال اعادة صياغة القانون الانتخابي في الاقليم ما ساهم في تعزيز التوترات الداخلية في الاقليم ومفاقمة التوترات الداخلية، وجعل من الصعب على اي حزب بمفرده ان يؤمن الاغلبية.
وبينما الوجود العسكري الامريكي في العراق يواجه عدائية متزايدة في العديد من المناطق، الا ان اقليم كردستان ظل حليفا ثابتا، وفق التقرير، مشيرا الى انه برغم اتفاق الولايات المتحدة والعراق على سحب معظم القوات الامريكية بحلول العام 2026، الا انه من المتوقع ان يظل مطار حرير في كردستان قاعدة رئيسية للقوات الامريكية بعد هذا الموعد النهائي.
وبعدما لفت التقرير الى "الاهمية الستراتيجية لكردستان" التي صارت أكثر وضوحا، قال إن الاقليم لعب طوال العقدين الماضيين، دورا حيويا في مكافحة الارهاب في انحاء العراق والمنطقة، في حين اكد الاقليم على دوره كمركز لوجستي حيوي من اجل مهمة القوات الامريكية في سوريا، حيث لا يزال تنظيم داعش يمثل تهديدا خطيرا ومتجددا، مضيفا ان التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد لا يزال ضروريا من اجل حماية الامن الاقليمي.
وبحسب التقرير، فان مهمة الولايات المتحدة في سوريا، تراقب ايضا وتعمل على احتواء الجهود التوسعية الايرانية والروسية، وهو ما يعتمد بدرجة كبيرة على استقرار ودعم اقليم كردستان.
وبعدما لفت التقرير الى الضغوط الايرانية ووكلائها على الكرد، من خلال الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على اهداف كردية، بما في ذلك مواقع الطاقة، اشار التقرير الى ان قطاع الطاقة في كردستان حيوي من اجل تحقيق استقلال العراق في مجال الطاقة وامدادات الكهرباء، مضيفا انه برغم هذه الضغوط الهائلة، فان الاحزاب الكردية قاومت دائما دعم او التصويت لصالح طرد القوات الامريكية من العراق، سواء في العام 2020 او مؤخرا في فبراير/شباط من العام الحالي.
ولهذا، دعا التقرير الولايات المتحدة الى دعم تشكيل حكومة تتمتع بقاعدة عريضة وبتفويض شعبي قوي في اقليم كردستان، بما يساعدها في تعاملاتها مع بغداد، وضمان قدرة الاقليم على مقاومة الضغوط الخارجية مع الحفاظ على استقلاليته الذاتية.
ونبه التقرير من محاولات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الحصول على حصة متساوية من السلطة في المؤسسات الحاكمة في الاقليم برغم تضاؤل حصته من الاصوات التي حصل عليها واعتماده بشكل متزايد على إيران والقوى الفاعلة المدعومة من إيران في العراق، قائلا ان هذه الديناميكية تشكل مجازفة بتحويل الاتحاد الوطني الكردستاني الى اداة للنفوذ الايراني لزعزعة الاستقرار في الاقليم كردستان، وتعميق الانقسامات الداخلية وربما التسبب في تدخل أكبر من جانب تركيا".
ولهذا، اعتبر التقرير ان الوساطة الامريكية يجب ان تركز على تشجيع الاتحاد الوطني الكردستاني على اعتماد توقعات أكثر واقعية، وايضا ضمان بقاء الحزب الديمقراطي الكردستاني متسما بالمرونة ازاء فكرة توسيع قاعدة سلطة الحكومة وتقبل الشراكة من جانب الاخرين، وخصوصا الاتحاد الوطني الكردستاني، داخل المؤسسات الحاكمة.
وختم التقرير بالقول انه في ظل تصاعد الاضطراب الاقليمي وتراجع مشاعر الود تجاه الولايات المتحدة في المنطقة عموما، فانه سيكون من المهم الحفاظ على اقليم كردستان كملاذ امن مستقر وتجنب تحوله الى ساحة لمعركة سياسية للقوى الاقليمية وتصفية حساباتها، ولهذا قال التقرير انه من الضروري ان يتم منع التدخل الايراني والتركي.
اما فيما يتعلق بالسفارة الاميركية في بغداد، فقد رأى التقرير ان عليها ان تلعب دورا نشطا في الوساطة في عملية تشكيل حكومة الاقليم، مع ضرورة حصول دعم وانخراط ايضا من جانب المستويات العليا في الحكومة الاميركية، بما في ذلك كبار المسؤولين من وزارة الخارجية في واشنطن، والبيت الابيض، وفريق الشرق الاوسط التابع لمجلس الامن القومي.
وخلص التقرير الى القول انه من اجل نجاح هذه العملية، فانه يتحتم على القادة الكرد إدراك القيمة الستراتيجية للحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة وتجنب تعريض العلاقة للخطر من اجل تحقيق مكاسب شخصية او فئوية.
اما فيما يتعلق بواشنطن، فقد قال التقرير ان هناك فرصة محدودة الكلفة ومكاسبها كبيرة من خلال تعزيز العلاقات الثنائية خلال هذه المرحلة التي تتسم بعدم الوضوح، وهو ما سيوجه رسالة واضحة الى الاطراف الاقليمية، سواء في بغداد او خارجها، بان الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة بعلاقتها المميزة مع الكرد ولن تسمح بأضعاف اقليم كردستان.