TOP

جريدة المدى > محليات > استنزاف المياه الجوفية في العراق: تحديات تهدد الأمن الغذائي والبيئي

استنزاف المياه الجوفية في العراق: تحديات تهدد الأمن الغذائي والبيئي

نشر في: 6 نوفمبر, 2024: 12:03 ص

 جنان السراي

تعاني مناطق وسط وجنوبي العراق من أزمة مائية متفاقمة، حيث يواجه الفلاحون والمزارعون صعوبات متزايدة في تأمين المياه اللازمة للزراعة. مع تزايد الضغوط على الموارد المائية، يبرز دور المياه الجوفية كحل بديل، إلا أن الاستخدام العشوائي لهذه الموارد قد يؤدي إلى استنزافها بشكل أسرع من المتوقع، مما يهدد البيئة والاقتصاد المحلي.

جهود لمواجهة الأزمة
في هذا الإطار، كشفت وزارة الموارد المائية في بيان سابق تابعته (المدى) أنها حفرت نحو 600 بئر في مناطق مختلفة منذ مطلع عام 2023، في خطوة تهدف إلى حفر 1000 بئر لتوفير مياه الشرب بحلول نهاية العام الجاري، وذلك ضمن ما سُمي بخطة النفع العام. وفي هذا السياق، أفاد أحد المسؤولين في الوزارة، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن «الأنبار وديالى وواسط والمثنى وبغداد وذي قار في الصدارة من حيث عدد الآبار المحفورة للحصول على المياه».
وأشار المسؤول إلى أن «مياه الإسالة الآتية من نهري دجلة والفرات توقفت في مدن عدة، جراء انخفاض المناسيب، وبالتالي صار سكانها يعتمدون على الآبار في حياتهم». ومن الجدير بالذكر أن وزارة الموارد المائية أقرت بانخفاض الخزين الاستراتيجي للمياه الجوفية للعراق، موضحة أن هذه المياه لا تتجدد ولا يمكن تعويضها. وقد أشار البيان إلى أن «سبب هذا الانخفاض يعود إلى قلة وانعدام تجدد تلك المياه في المناطق الصحراوية تحديدًا».

معاناة حقيقية في ظل الجفاف
«الحياة هنا أصبحت صعبة، وخاصة بعد تدهور مصادر المياه»، هكذا بدأ حديثه الراعي أبو زيد، الذي يعيش في إحدى القرى التابعة لمحافظة النجف. يشير أبو زيد إلى أن المياه الجوفية كانت تعتبر ملاذًا آمنًا لهم، لكن حفر الآبار بشكل عشوائي أدى إلى انخفاض مستويات المياه بشكل ملحوظ. يقول: «قبل سنوات، كانت لدينا مياه وفيرة لرعي الأغنام، ولكن اليوم، مع استمرار حفر الآبار دون ترخيص، أصبحت الموارد تتناقص بشكل مقلق».
ويضيف: «لقد فقدت العديد من الأغنام بسبب الجفاف، مما أثر على حياتنا اليومية». يبرز أبو زيد الحاجة الملحة لوجود تنظيم حكومي يضمن استخدام المياه الجوفية بشكل مستدام، حيث يعاني الكثير من الفلاحين والرعاة من نفس الوضع. إن قصص الفلاحين والرعاة تجسد معاناة حقيقية تعكس واقعًا يعيشه كثيرون في العراق، وتظهر التحديات المستمرة التي يواجهونها بسبب الجفاف والاستنزاف المتزايد للموارد.

دعم حكومي وحقوق مهدورة
وفي سياق الأزمة، أشار محسن عبد الله، رئيس اتحاد جمعيات الفلاحين في النجف الأشرف، في حديث خاص لـ(المدى)، إلى الأوضاع الصعبة التي يواجهها الفلاحون في العراق. حيث قال: «نحن في حاجة ماسة إلى دعم حكومي حقيقي. الفلاحون يعانون من عدم توفر المياه الكافية لزراعة المحاصيل، وهذا ينعكس سلبًا على الاقتصاد الوطني». وأضاف عبد الله: «هناك عدم عدالة بين الفلاحين والمستثمرين. بينما يحصل البعض على الدعم الحكومي، نجد الفلاحين يعانون في صمت».
وأكد على ضرورة وجود رؤية ستراتيجية لتنمية الزراعة وضمان حقوق الفلاحين، مشددًا على أن الفلاحين يمثلون 60% من المجتمع العراقي، وبالتالي، فإن تجاهل احتياجاتهم يعني تجاهل جزء كبير من الشعب. يوضح عبد الله أن الفلاحين لا يواجهون فقط أزمة المياه، بل يواجهون أيضًا تحديات تتعلق بالموارد المالية والتكنولوجيا الحديثة اللازمة لتحسين إنتاجيتهم. ويشير إلى أن هذه الأوضاع تستدعي من الحكومة النظر في تخصيص ميزانيات مناسبة لدعم الفلاحين، لتمكينهم من التعامل مع هذه الأزمة بشكل فعال.

ضرورة الوعي البيئي
من جهة أخرى، أشار الناشط البيئي حمزة الشمري إلى المخاطر البيئية الناتجة عن الاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية. واعتبر أن «الاستنزاف السريع للمياه الجوفية يؤثر بشكل مباشر على التنوع البيولوجي في المناطق الصحراوية، وقد يؤدي إلى تغيرات كبيرة في المناخ المحلي». وأوضح الشمري: «ما يحدث اليوم هو نتيجة غياب السياسات البيئية الفعالة. يجب أن تكون هناك استراتيجية شاملة تهدف إلى حماية المياه الجوفية وتنظيم استخدامها».
وأكد على ضرورة رفع الوعي المجتمعي حول أهمية المياه الجوفية كمصدر حيوي للحياة، مشددًا على أهمية التعاون بين الحكومة والمجتمع المحلي للحفاظ على هذه الموارد. كما دعا الشمري إلى تنظيم حملات توعية تستهدف الفلاحين والمزارعين، لتشجيعهم على استخدام أساليب الزراعة المستدامة وتوفير المياه.

واقع مؤلم
تتجاوز أزمة المياه في العراق حدود الموارد الطبيعية لتؤثر على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. يعاني الفلاحون من نقص المياه الذي يعيق قدرتهم على زراعة المحاصيل، مما يزيد من الفقر والبطالة. وبحسب عبد الله، فقد أصبح الكثير من الفلاحين مجبرين على ترك مزارعهم والبحث عن مصادر دخل أخرى. يقول: «لقد شهدنا هجرة جماعية من الريف إلى المدن، مما أدى إلى زيادة الضغط على البنية التحتية والخدمات في تلك المناطق».
تتفاقم الأوضاع بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة عدم توفر المحاصيل الكافية، مما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة. يصف أبو زيد كيف أن عدم استقرار مصادر المياه أثر على حياتهم، قائلًا: «كنا نعتمد على زراعة الأعلاف لأغنامنا، لكن مع تزايد الجفاف، أصبحنا نواجه صعوبة في تأمين حتى احتياجاتنا الأساسية».

تحليل شامل لواقع الأزمة
تتطلب الأزمة المائية في العراق تحليلًا شاملًا وتأملًا عميقًا حول السياسات المعتمدة. يتفق العديد من الخبراء على أن الحلول يجب أن تتجاوز مجرد حفر الآبار، وأن تشمل أيضًا إدارة شاملة لمصادر المياه. يرى الشمري أنه من الضروري إدخال تقنيات حديثة في الزراعة، مثل استخدام أنظمة الري بالتنقيط التي تساعد في توفير المياه.
يقول حمزة الشمري في حديث خص به (المدى): «يجب أن نعيد التفكير في طرق الزراعة لدينا، ونتبنى أساليب جديدة تساعدنا في التكيف مع الظروف البيئية».
يبرز هذا الوضع الحاجة الملحة لإعادة النظر في السياسات الزراعية الحالية، والتأكد من أن هناك خططًا فعالة لتعزيز الزراعة المستدامة. يجب أن تكون هناك استثمارات في البحث والتطوير لتطوير تقنيات جديدة تهدف إلى تحسين كفاءة استخدام المياه.

دعوات للتغيير والإصلاح
إن المجتمع بأسره يشعر بالتداعيات السلبية لهذه الأزمة. يؤكد أبو زيد أنه يجب أن يكون هناك صوت جماعي من الفلاحين للمطالبة بحقوقهم وتطبيق سياسات تحمي مواردهم. «إذا لم يتم التحرك بسرعة، فإن المستقبل سيكون قاتمًا بالنسبة لنا ولأبنائنا»، كما يقول.
ويعبر عبد الله عن أمله في أن تلتفت الحكومة إلى هذه المشاكل بشكل جدي، ويؤكد على أهمية تحقيق توازن بين احتياجات الفلاحين والمستثمرين. «يجب أن تكون هناك عدالة في توزيع الموارد والدعم، لضمان عدم تفويت الفرص على الجيل القادم».
في نهاية المطاف، إن الأمل في تحقيق تغيير حقيقي يعتمد على تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع المحلي. يجب أن تتضافر جميع الجهود للحفاظ على المياه الجوفية ورفع مستوى الوعي بأهمية هذه الموارد الحيوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يعقد جلسته برئاسة المشهداني

الأمم المتحدة: غزة تضم أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف في العالم

هيئة الإعلام: إجراءاتنا تواجه فساد المتضررين

الهجرة تعلن بدء عودة العوائل اللبنانية وتقديم الدعم الشامل لها

اللجنة القانونية: القوانين الخلافية تعرقل الأداء التشريعي للبرلمان

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

التلوث الإشعاعي في بابل: كارثة صامتةتهدد الأرواح والبيئة
محليات

التلوث الإشعاعي في بابل: كارثة صامتةتهدد الأرواح والبيئة

 المدى/خاص يشكل التلوث الإشعاعي في محافظة بابل تهديدًا متزايدًا على صحة السكان والبيئة، وفقًا لتقارير محلية ودولية. مناطق متعددة في المحافظة، خاصةً تلك التي شهدت أنشطة عسكرية سابقة، تعاني من مستويات مرتفعة من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram