ترجمة عدنان علي
يتدهور الوضع الأمني في باكستان بشكل مطرد، مما يثير مخاوف كبيرة بين أصحاب المصلحة الدوليين، وخاصة الصين، التي استثمرت بكثافة في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC). كثفت الصين الضغوط على باكستان لمعالجة التهديد المتصاعد المتمثل في التشدد الذي يستهدف الأفراد والاستثمارات والأصول الصينية. إن العنف المتزايد لا يجهد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فحسب، بل يلقي بظلاله أيضًا على التعاون المستقبلي في إطار مبادرة الحزام والطريق.
أصبح إحباط الصين واضحًا مؤخرًا عندما وبخ السفير جيانغ زيدونغ باكستان علنًا لفشلها في توفير الأمن الكافي للمواطنين الصينيين. ووصف السفير، أثناء مخاطبته ندوة في إسلام أباد، الثغرات الأمنية بأنها "غير مقبولة" وأكد على الحاجة إلى "تدابير علاجية فعالة" من قبل السلطات الباكستانية لمنع المزيد من الهجمات. منذ إنشاء مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان قبل عقد من الزمان، فقد 21 عاملاً صينياً حياتهم في هجمات إرهابية داخل باكستان، وشهد عام 2024 تصعيداً غير مسبوق لمثل هذه الحوادث، مع وقوع تفجيرين انتحاريين كبيرين في غضون ستة أشهر فقط. وتؤكد هذه الهجمات، بما في ذلك التفجير الانتحاري في كراتشي في أكتوبر/تشرين الأول والذي أسفر عن مقتل مواطنين صينيين، على المخاطر المتزايدة التي يواجهها المواطنون الصينيون المشاركون في مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. استثمرت الصين أكثر من 25 مليار دولار في إطار مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، في بناء البنية الأساسية الحيوية والطرق السريعة وميناء جوادر الستراتيجي على ساحل بحر العرب في باكستان. ومع ذلك، مع استمرار تصاعد الإرهاب، يتم اختبار التزام الصين بالمشاريع الجارية. تشير تصريحات السفير جيانغ إلى أن صبر بكين بدأ ينفد، محذراً من أن المخاوف الأمنية أصبحت الآن "قيداً" على التقدم في المستقبل.
كان من المقرر في البداية أن يكون مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان بمثابة شريان حياة يمكن أن يعالج الصراعات الاقتصادية الطويلة الأمد في باكستان من خلال توليد فرص العمل، وتعزيز البنية الأساسية، وخفض العجز في الطاقة. ومع ذلك، على أرض الواقع، لم يستفد المواطنون الباكستانيون كثيرًا من هذه المشاريع من حيث توليد فرص العمل أو النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، مع استمرار التهديدات الأمنية، أصبح من الصعب بشكل متزايد الحفاظ على هذه المشاريع. وردًا على مخاوف الصين، أكد نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، للسفير الصيني أن باكستان لا تزال ملتزمة بتأمين الاستثمارات والأفراد الصينيين. وأكد دار على نشر تدابير أمنية إضافية وأشار إلى الموافقة الأخيرة على 162 مليون دولار للدعم العسكري، في المقام الأول لحماية الأصول الصينية.
كما أنشأت الحكومة الباكستانية وحدة أمنية خاصة تضم 13000 جندي مكلفين بحماية مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، ومع ذلك تستمر الهجمات. يزعم المنتقدون أنه على الرغم من هذه الجهود، كافحت قوات الأمن الباكستانية لاحتواء التهديدات، وخاصة من الجماعات المتمردة مثل جيش تحرير بلوشستان، الذي أصبح أحد أكثر الجماعات المسلحة نشاطًا في إقليم بلوشستان. وتستند هجمات جيش تحرير بلوشستان، التي استهدفت أفرادًا صينيين، إلى اتهامات بأن باكستان والصين تستغلان الموارد الطبيعية في بلوشستان. وقد صعدت الجماعة من تمردها في الأشهر الأخيرة، فهاجمت مراكز الشرطة وخطوط السكك الحديدية والطرق السريعة، حيث قُتل ما لا يقل عن 74 شخصًا في بلوشستان وحدها في سبتمبر/أيلول. ووفقًا لمعهد باكستان لدراسات الصراع والأمن، سجلت باكستان 757 حالة وفاة مرتبطة بالهجمات المسلحة في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، بما في ذلك 254 حالة وفاة في أغسطس/آب وحده. يشير هذا الارتفاع في العنف إلى تحول في ديناميكيات الأمن، حيث يتبنى المسلحون أسلحة وتكتيكات متقدمة. ويشير الخبراء إلى أنه بدون استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب تتضمن تقنيات متقدمة مثل الطائرات بدون طيار وتحسين الاستخبارات المحلية، فقد تكافح باكستان لوقف التمرد.
إن التهديدات المتصاعدة تفرض الآن ضغوطاً على العلاقات القوية تقليدياً بين الصين وباكستان. إن قرار بكين بانتقاد إسلام آباد علناً غير مسبوق ويشير إلى تحول في تسامحها مع المخاطر الأمنية. وخلال زيارة إلى باكستان في أكتوبر/تشرين الأول، أكد رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ على أهمية البيئة الآمنة للتعاون الاقتصادي، وهي النقطة التي كررها في بيان مشترك مع المسؤولين الباكستانيين. كما اقترحت الصين اتفاقية ثنائية تركز على التعاون في مكافحة الإرهاب، وحثت إسلام آباد على اعتماد بروتوكولات أمنية أكثر صرامة.
وعلى الرغم من الضغوط الدبلوماسية، فإن العنف المستمر ضد المواطنين الصينيين والاستثمارات الصينية حفز الصين على إعادة النظر في موقفها بشأن مشاريع الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان في المستقبل. وفي حين قد تستمر الصين في المشاريع القائمة، فإنها قد تحد من الاستثمارات الجديدة أو تؤخرها ما لم تتمكن باكستان من تقديم ضمانات أمنية أقوى. وقد يتم تعليق المرحلة الثانية من الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان، والتي تتضمن مشاريع البنية الأساسية والطاقة بقيمة 26.8 مليار دولار أميركي، أو تقليصها في غياب تحسينات أمنية كبيرة. ويؤكد الخبراء أن باكستان يجب أن تعالج الأسباب الجذرية للتمرد للحد من التشدد بشكل فعال. ويشعر كثيرون في بلوشستان بالتهميش، حيث تعرب المجتمعات المحلية عن مظالمها إزاء الاستغلال المفترض لموارد منطقتهم دون عوائد اقتصادية ذات مغزى. وقد أدى هذا انعدام الثقة إلى تغذية الدعم المحلي للميليشيات الانفصالية، مما أدى إلى تعقيد عمليات مكافحة الإرهاب بشكل أكبر. ويزعم المحللون أن تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في بلوشستان وتعزيز الشعور بالشمول أمران ضروريان للحد من الدعم للجماعات المسلحة.
هناك إجماع بين الخبراء على أن باكستان يجب أن تعيد معايرة نهجها في التعامل مع التمرد، والتحول نحو استراتيجية أكثر شمولاً تدمج العمل العسكري مع المبادرات التنموية والدعم المحلي. وبدون معالجة المظالم المحلية، قد تجد قوات الأمن الباكستانية صعوبة في تعزيز مكاسبها، حتى مع استمرارها في عمليات مكافحة الإرهاب. إن تصاعد العنف وتدهور ديناميكيات الأمن في باكستان يختبر التزام الصين بحليفتها الوثيقة. وقد يتوقف مستقبل الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان على قدرة إسلام أباد على معالجة التهديدات الأمنية بشكل فعال وضمان سلامة موظفيها واستثماراتها للصين. ومع ذلك، ومع معاناة باكستان بالفعل من حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي، فإن الطريق إلى الأمام لا يزال غير مؤكد.
سيناريو أمني متدهور يهدد الاستثمارات الصينية في باكستان
نشر في: 6 نوفمبر, 2024: 12:13 ص