بغداد/ تميم الحسن
بعد ساعاتٍ من خطاب مرجعية النجف حول "حصر السلاح"، أعلنت الفصائل العراقية عن ضرباتٍ جديدةٍ بمواقع في حيفا.
وقد فُهِمَ كلامُ المرجع الأعلى علي السيستاني، خلال لقائه الأخير مع بعثة الأمم المتحدة بالعراق، على أنه رسالةٌ جديدةٌ لمنع تورط البلاد في الحرب. لكن على الأرجح، لن تلتزم الفصائل بتصريحات "النجف" بسبب تبعية بعض الجماعات لإيران، حسب محللين.
وأكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس، أهمية ما طرحه المرجع السيستاني خلال استقباله الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان. وطالب السيستاني، في أول ظهورٍ له بعد نشر قناةٍ إسرائيليةٍ صورةً له ضمن قائمة استهدافٍ بالاغتيال، بحصر السلاح بيد الدولة ومنع التدخلات الخارجية.
ووفقاً لبيانٍ صادرٍ عن مكتبه، أول أمس، دعا المرجع، أثناء استقباله الحسان، إلى "إعداد خططٍ علميةٍ وعمليةٍ لإدارة البلد اعتماداً على مبدأ الكفاءة والنزاهة في تسنّم مواقع المسؤولية". وأكد البيان على "منع التدخلات الخارجية بمختلف وجوهها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد".
وكانت القناة الإسرائيلية 14 قد نشرت صورةً للسيستاني ضمن قائمةٍ أهداف اغتيالٍ محتملة، ضمت قادةً آخرين مثل زعيم حركة "أنصار الله" الحوثية، عبد الملك الحوثي، والأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم.
وأشاد رئيس الوزراء، من جانبه، "بما قدمته بعثة الأمم المتحدة من عونٍ للعراق"، بحسب بيانٍ حكوميٍّ صدر أمس، عقب استقبال السوداني لرئيس البعثة. وأكد السوداني، وفق البيان، على "أهمية ما طرحه المرجع الأعلى السيد السيستاني خلال استقباله الحسان، من تشخيصٍ لاحتياجات العراق والرؤى الواقعية لتطلعات الشعب العراقي، التي أوجزتها الحكومة في أولويات برنامجها العامل والجاري تنفيذه".
وكانت الحكومة قد تمكنت من إقناع مجلس الأمن، في أيار الماضي، بإصدار قرار إنهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق نهاية 2025.
واعتبر عضو تحالف النصر، أحمد الوندي، في تصريحاتٍ صحفية، ترحيب المرجعية بوجود الفريق الأممي بأنه "عكس المسار السياسي الذي يطالب بإنهاء عمل البعثة". وقد عملت بعثة الأمم المتحدة (يونامي) لأكثر من 20 عاماً لمساعدة العراق وتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية.
وقد دعمت الأحزاب الشيعية والسنية خطاب المرجعية الأخير، فيما وصف "الإطار التنسيقي"، في بيانٍ أمس، خطاب المرجعية بأنه "خارطة طريقٍ للتنمية والاستقرار في العراق".
هل تؤيد الأحزاب فعلاً كلام المرجعية؟
في الأثناء، يعلق باسل حسين، الباحث في الشأن السياسي، في اتصال مع (المدى) على مواقف الأحزاب من كلام المرجعية، بأن "جميع القوى السياسية استقبلت مطالب السيد السيستاني بترحيبٍ كعادتها، لكن الجميع يدرك أنه لا أحد من هذه القوى سيستجيب لهذه المطالب بجدية".
ويضيف حسين: "تماماً كما حدث في مراتٍ سابقة، حيث تتجاهل هذه القوى دعوات المرجعية الدينية في النجف، إلا عندما تجد فيها منفعةً تخدم مصالحها". أما ما يتعارض مع طموحات وأهداف تلك القوى، يقول حسين وهو يرأس مركز كلوذا للدراسات، "فإنها تعرض عنه أو تستجيب له استجابةً شكليةً كلاميةً دون نيةٍ حقيقيةٍ للتنفيذ، وهذا ما تدركه المرجعية نفسها، التي قررت منذ سنوات إدارة ظهرها لهذه القوى السياسية وقطعت تواصلها معهم". وقد أغلقت المرجعية الأبواب أمام القوى السياسية منذ عام 2015، ولم تعد تستقبل أي شخصيةٍ سياسية.
كيف ستتصرف الفصائل؟
وفيما يتعلق بقوى السلاح، بحسب وصف الباحث، فإن معظم القوى المسلحة الرئيسية الفاعلة في العراق "تتبع المرشد الإيراني، وليس السيد السيستاني". ويُتابع حسين: "ولذلك لا ترى نفسها ملزمةً شرعاً بتطبيق مطلب حصر السلاح بيد الدولة، طالما أن هذا التوجيه لم يصدر عن مرجعيتها الدينية في إيران".
وبعد ساعاتٍ من خطاب المرجعية، أعلنت الفصائل عن ضرب هدفٍ حيويٍّ في "حيفا المحتلة بواسطة الطيران المسير، وللمرة الثالثة على التوالي"، حسب بيانٍ على "تلغرام". وبدأ محللون مقربون من الجماعات المسلحة العراقية بالحديث عن وجود "داعش" بالعراق كمبررٍ لبقاء السلاح بيد الفصائل.
وقد حاولت نفس الجهات، في المرة السابقة، تفسير خطاب المرجعية بشأن الأزمة اللبنانية بأن "النجف" كانت تقصد حمل السلاح في مساعدة اللبنانيين. ودعت المرجعية الشهر الماضي لتقديم مساعداتٍ إنسانيةٍ وسياسيةٍ وإعلاميةٍ لـ"لبنان وغزة"، فيما لم تتطرق إلى الجوانب العسكرية.
ويتفق أحمد الياسري، الباحث العراقي المقيم في أستراليا، بأن تجريد السلاح من الفصائل ليس بيد المرجعية، لأن الفصائل "لا تقلد السيستاني"، بحسب وصف الياسري. وقال الياسري في اتصال مع (المدى): "السيستاني يقود التشيع الداخلي، وأي تجمعٍ يؤمن بتشيعٍ خارجي لن يكون ضمن إطار هذه القيادة الروحية"، مبيناً أن "الفصائل التي تستمع للسيستاني؛ هي قوى الحشد وفصائل ما يُسمى بحشد المرجعية، والتي تتفاعل مع الدولة، أما التي ترفع لواء المقاومة وتهاجم إسرائيل فهي خارج نطاق المركزية للمرجعية النجفية".
وأضاف الياسري، وهو يرأس المركز العربي-الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أن "السيستاني لا يملك أي أدوات ضغط على تلك الجماعات، سوى أن يوضح للمظلة الدولية ويحدد مسارات الدولة العراقية، ويدعو العالم لدعم الديمقراطية".
وعن مجمل خطاب المرجعية الأخير، اعتبر الياسري أن السيستاني "ثبّت المركزية الروحية للمرجعية، لأن هناك محاولات لاستثمار خطاب المرجعية، منذ فتوى الجهاد الكفائي في 2014، حيث بدأت الأحزاب الحاكمة والفصائل تضع خطابات المرجعية في الخانات السياسية وتحولها إلى مشروعيةٍ سياسية".
وأشار الياسري إلى أن خطاب السيستاني "فرز كمصدرٍ روحي ومرجعٍ ليس له علاقة بالسياسة، ولكن كفقيهٍ من واجبه إعطاء تصوراتٍ عامة عن رؤيته للدولة والمجتمع وقطع طريق الاستثمار السياسي".