د. فالح الحمــراني
تنظر مختلف الدولة بتوجس الى التداعيات المحتملة لولاية دونالد ترامب الثانية، وفيما إذا سيواصل الرئيس الجديد نهج سياسة فترة ولايته الأولى، أم سيجري تغيرات إيجابية تصب في مصلحة التنمية العالمية المستدامة، واستقرار الأمن الدولي وتفعيل القانون الدولي المتعارف عليه لتسوية النزاعات القائمة.
وليس كافة الدول والكيانات الإقليمية تشاطر ابتهاج ملايين الأمريكيين الذين يتطلعون بتفاؤل الى الدورة الرئاسية الجديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، ويعقدون الآمال الكبيرة في تحسين نوعية حياتهم واسترداد أمريكيا دورها القيادي في العالم في ظل ولايته الجديدة. ثمة دول وكيانات إقليمية تنظر بحذر وتوجس الى المستقبل الذي سيتشكل أمامها بتأثير الخطوات والإجراءات التي سيتخذها ترامب، على خلفية الشعارات والوعود والقناعات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، وكأنه يشير الى نياته بإعادة ترتيب العالم وفق رؤية واشنطن، أو بالأحرى وفق رؤيته، دون التمعن في مصالح الآخر. ومن دون شك ستشهد الساحة الدولية الكثير من التغيرات النوعية، إذ ستتسارع العمليات الجارية الآن، وسينهار النظام الدولي القائم تماما، وستجد الدول الإقليمية النافذة مكانة مهمة في رقعة الشطرنج الدولية.
ويبدو أن العراق يقف أمام تحد كبير بعودة ترامب الى البيت. فلم تمنحي من الذاكرة العراقية تصرفات ترامب إزاء العراق في دورة رئاسته الأولى، حيث سول لنفسه الاستخفاف بسيادة البلاد، وزيارة القاعدة الأمريكية بالعراق في 27 كانون الأول 2018 سرا دون اخذ تصريح أو تنسيق مع الحكومة العراقية، وفي 10 كانون الثاني 2020 انتهك ترامب كافة القوانين الدولية المتعارف عليها، وأمر بقراره المفاجئ باغتيال الشهداء قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ورفيقه أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في الأرض العراقية. ونقل الملياردير الأسترالي أنتوني برات عن ترامب قوله في محادثة خاصة: " لقد قصفت العراق اليوم، واتصل بي رئيس العراق وقال: لقد سويت مدينتي بالأرض". وكان يشغل هذا المنصب آنذاك برهم صالح. وبحسب برات، رد ترامب على الرئيس العراقي: "حسنًا، وماذا ستفعل حيال ذلك".
واللافت إن ترامب لم يتخلَ عن مواقفه من العراق في السنوات الأخيرة، وقد استخف في عدة تصريحات له بكون العراق دولة ذات سيادة!، وزعم انه " تابع!" لإيران، وان على بغداد أن تدفع للولايات المتحدة حجم الخسائر التي منيت بها جراء " تحرير واشنطن للعراق من النظام الديكتاتوري"، وردد أيضا كان على الولايات السيطرة على نفط العراق لا الانسحاب.
ان هذه الوقائع تضع أمام الحكومة العراقية مهام جادة في مقدمتها الدفاع بصورة لا لبس بها وبصورة عملية عن سيادة واستقلال البلاد، وهذا لن يأتِ ابدأ بالشعارات الصاخبة والتوعد الفارغ، بل بناء دولة ذات قوات مسلحة عصرية قادرة على الرد على انتهاكات امنها وسيادها، وبناء منظمة دفاعات جوية فاعلة، واقتصاد متين متنوع المجالات لا يعتمد على موارد النفط، وإقامة نظام العدل والقانون الذي يكون الأساس لاستعادة الوحدة الوطنية، والانتقال الى دولة المواطنة وليس دولة المذاهب والبطانات والتجمعات على أساس عشائري او مناطقي، والاهم إعادة الدولة لمكانتها ودورها كقوة مركزية ليس لها بدائل باي شكل من الأشكال سياسية كانت أو مسلحة.
ويجمع المراقبون على أن عودة ترامب للبيت الأبيض لا تحمل بشائر الاستقرار والأمن المتكافئ والحلول المقبولة لمشاكل الشرق الأوسط وفي مقدمتها إيجاد تسوية شاملة وعادلة تستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة والقانون الدولي المعترف به للقضية الفلسطينية، وتثيرعودة ترامب قلقًا بالغًا، فقد يتصاعد الصراع في الشرق الأوسط ويشمل دولًا جديدة. والولايات المتحدة، وفقا لأغلبية الآراء، سوف تواصل دعمها اللامحدود لإسرائيل، التي ستستغل أكثر رئاسة ترامب. ويعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حليفًا جمهوريًا منذ فترة طويلة، وقد توترت علاقته مع بايدن حيث دعت الحكومة الأمريكية الحالية إلى إنهاء الإبادة في قطاع غزة. وقد أوضح ترامب بالفعل أنه سيمنح إسرائيل "مزيدا من حرية العمل" في التحضير لضربات محتملة على إيران، خاصة إذا قررت طهران تغيير عقيدتها النووية. ولا يستبعد أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستشدد من ضغوطها على الدول العربية وخاصة النافذة للتطبيع مع إسرائيل، كما ممارسته في ولاية ترامب الأولى التي انتهت بتوقيع ما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية.
وثمة قراءات تشير إلى أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية ستكون أكبر اختبار للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ تأسيسها عام 1979. وكما أشير فإن الإدارة الأمريكية الجديدة حملة ستقوم بـ "أقصى قدر من الضغط" على طهران، الأمر الذي قد يزيد من عزلتها وتقويض اقتصاد الجمهورية. وتشير شبكة CNN إلى أن انتخاب ترامب قد يمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية. وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن ترامب، إذا عاد إلى البيت الأبيض، فمن المرجح أن يعود إلى سياسة الضغط على إيران.
وسوف يكون التغيير في السياسة الأمريكية محسوسًا بشكل أكثر حدة في أوكرانيا؛ حيث بدأت سلطات هذا البلد في إدراك حتمية المفاوضات، حسبما كتبت وكالة بلومبرج. وتذكر الوكالة أن ترامب وعد أكثر من مرة خلال الحملة الانتخابية بإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا حتى قبل توليه منصبه، دون تقديم تفاصيل. وقالت مصادر لبلومبرج وأكسيوس إن ترامب أجرى هذا الأسبوع محادثة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، والتي ضمت الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك. وسمح ترامب في السابق بالتوصل إلى حل يتضمن وقف أوكرانيا القتال من المناطق التي اختارت انضمامها للاتحاد الروسي.
وتستبعد كييف رسميا تقديم تنازلات إقليمية وتصر على أن إنهاء الصراع لن يكون ممكنا إلا على أساس "صيغة السلام" التي طرحها زيلينسكي. وترى موسكو أن شروط روسيا تشمل انسحاب القوات الأوكرانية من جمهورية جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبتين، وزابوروجي، وخيرسون، فضلاً عن رفض كييف الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال مؤخرا أن مستشاري ترامب كانوا يدرسون خطة لإنهاء الصراع بين موسكو وكييف، والتي قد تنطوي على تجميد خط المواجهة، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، وتخلي أوكرانيا عن تطلعاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لمدة 20 عامًا مقابل ذلك. لاستمرار إمدادات الأسلحة. ووصف مكتب زيلينسكي المعطيات بأنها خدعة، كما نظر إليها الكرملين بعين الشك.
ومن المرتقب أن تندلع في ولاية ترامب الحرب التجارية مع الصين، ولا يستبعد مراقبون عسكرية انفجار مواجهة ساخنة بين الصين والولايات من أجل تايوان. وتنظر دول الاتحاد الأوربي وحلف الناتو بتوجس الى قرارات ترامب التي تتعلق بالقارة القديمة، والمبادئ التي سوف تتأسس عليها العلاقات بين الأطراف.