واسـط/ جبار بچاي
شهدت محافظتا الديوانية وواسط تظاهرتين في يوم واحد، الأولى لفلاحي ناحية آل بدير بمحافظة الديوانية، والثانية لفلاحي قضاء الأحرار في محافظة واسط. تتهم الديوانية واسط بالاستحواذ على مياه نهر الرحمة الذي يتغذى من نهر دجلة، فيما تشكو واسط من العطش نتيجة شح المياه في النهر بسبب ضخ كميات كبيرة منه إلى فلاحي الديوانية خارج الضوابط.
تذمر الفلاحين في واسط والديوانية قد يتحول إلى حراك سياسي، حيث يسعى كل طرف للاستنجاد بكبار المسؤولين للحصول على حقوقه، مما قد يقود إلى تدخلات عشائرية ربما تتسبب في أمور غير مرضية.
يقول أبو جميل، أحد الفلاحين في منطقة المزاك بقضاء الأحرار، والذي يمتلك مساحة 700 دونم تُسقى من مياه نهر الرحمة، إن «إدارة المياه في المحافظة تعتمد أسلوب المراشنة، أي التناوب في الري، بيننا وبين فلاحي الديوانية، لكننا نشعر بغبن كبير كون الحصة المقررة لنا لا تكفي حتى 30% من أراضينا».
ويعزو ذلك إلى «العلاقات والمجاملات، فيحصل الفلاح في الديوانية على حصة أكبر من فلاحي واسط من مياه النهر، في وقت لا توجد أحقية لفلاحي الديوانية في مياه نهر الرحمة، وإنما أحقيتهم جاءت نتيجة الانفلات والفوضى التي سادت بعد عام 2003، ما دفعهم للتوسع بالمساحات الزراعية خارج الخطة المقررة لمحافظتهم، معتمدين على مياه النهر الذي كان الغرض منه السيطرة على الموجات الفيضانية عند مقدم سدة الكوت وامتصاص جزء كبير منها».
ويؤكد زميله جاسم الفرحان: «في حال استمرت الأمور على ما هي عليه الآن، سيكون لنا موقف آخر وقد نضطر لغلق النهر نهائياً عند حدود واسط والديوانية التي ليس لها أحقية فيه».
وأضاف في حديثه لـ(المدى): «في المرحلة الأولى تظاهرنا وناشدنا المسؤولين في المحافظة باسترداد حقوقنا من مياه النهر، ولابد من وجود تفاهم بين الموارد المائية في واسط والديوانية يعطي لكل ذي حق حقه، خاصة وأن أراضي فلاحي واسط التي تُسقى من نهر الرحمة هي أراضٍ مستصلحة كلياً ومعروفة بغزارة الإنتاج من الحنطة والشعير، ومساحتها أضعاف أراضي فلاحي الديوانية التي تتميز بكونها غير مستصلحة وتتركز فيها الملوحة ولا تشكل إنتاجيتها شيئاً يُذكر مقارنة مع أراضينا».
وقال: «مع الفارق الواضح والكبير بين الأرض هنا وهناك وبين من له أحقية في مياه النهر، نحن لا نريد العطش لفلاحي الديوانية مثلما لا نريد المشاكل والتقاطعات. كل الذي نطلبه ونريده هو الإنصاف في أسلوب المراشنة، لاسيما وأن الموسم الزراعي الشتوي مازال في بدايته، ومنع أي طرف يقوم بزراعة أراضٍ خارج الخطة ضمن حوض النهر».
في المقابل، أكد عدد من فلاحي ناحية آل بدير بمحافظة الديوانية أن أراضيهم أصبحت جرداء ولم تصلهم مياه نهر الرحمة بسبب سيطرة فلاحي واسط على الحصة الكبيرة منها كون أراضيهم تقع في صدور النهر ومع امتداده، بينما تقع أراضي فلاحي الديوانية في الذنائب.
ووفق تصريحات لفلاحي الديوانية تابعتها (المدى)، فإنهم يشعرون بالحيف لعدم الحصول على حقهم من مياه النهر، لذلك هددوا باستمرار التظاهرات وقطع الطريق الدولي العام، وطالبوا بالتدخل المباشر من قبل دولة رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني لحسم الأمر.
نهر الرحمة: حقائق وتفاصيل
ما هو نهر الرحمة وما هي حقيقته، وكم هي المساحات الزراعية التي تُروى منه سواء في واسط أو الديوانية؟ عن ذلك يقول مستشار محافظ واسط لشؤون الزراعة والموارد المائية، علي حسين حاجم: «نهر الرحمة الذي أُطلق عليه مشروع الجهاد أو بحيرة الجهاد، وهو في الواقع مهرب لامتصاص زخم المياه في دجلة، يقع على أيمن نهر دجلة مقدم سدة الكوت، ويتغذى من ناظم رئيسي بتصريف أكثر من ٥٠ م³/ثا، وآخر احتياطي. تم توسعة المهرب وتعميقه أضعاف المقطع التصميمي وتحويله إلى بحيرة لخزن المياه، وتمتد البحيرة من ناظم الصدر وحتى المصب العام بحدود ٦٠ كم».
وأضاف أن «نظام التشغيل على نهر دجلة مع المنفذ الاحتياطي يتم فتحه لتحقيق أعلى تصريف لإملاء البحيرة التي تعمل بمثابة حوض تغذية لمشاريع الإقطاع المائي المتفرعة منها، والتي تروي أراضي شاسعة محاذية للمصب العام وأخرى داخل مشروع الدلمج ومشاريع الغراف».
وأكد أن «90% من أراضي الديوانية وواسط ليس لها حق قانوني في النهر، لكن هناك مخالفات كبيرة تتعلق بالتصرف بمياه النهر الذي تحول إلى بازار للمياه، ما أدى إلى حصول صراعات هنا وهناك على مياهه».
وكشف عن أن بحيرة الجهاد كانت «مشروع ري بتصريف 1.5 م³/ثا اسمه الرحمة، متفرع من أيمن دجلة مقدم سدة الكوت، تم استثمار مساره لاستحداث مهرب فيضاني استُنبطت فكرته من مخرجات المؤتمر الذي عُقد بعد فيضان 1988 لتخفيف الموجات الفيضانية الضاغطة على مدينة الكوت، وكان بمقترح مني شخصياً حينها اعتمدته الوزارة وتم تنفيذه من قبل شركات الوزارة وسُمي بمهرب الجهاد».
وذكر أنه في زمن الوزير حسن الجنابي تم «تحويل مهرب الجهاد إلى مشروع ري وخُصصت له مياه في الموازنة المائية خلافاً لقوانين الري والدراسة الاستراتيجية، وتم تمديده فيما بعد مع منشآت على مبزل الهولندي وتوسيعه وتعميقه إلى أن تحول إلى بحيرة الجهاد التي تغذي عشرات المنافذ قبل تقاطعها مع المصب العام ومثلها أو أكثر بعده».
يقول مستشار المحافظ لشؤون الزراعة والموارد المائية: «نتيجة السياسات المائية الخاطئة والمبنية على المصالح، تحول الجهاد إلى إمارة مائية، وهناك من يضلل الحكومة المحلية مدعياً أن المنافذ المتفرعة من البحيرة فيها موافقات وزارية، ويوهم الوزارة بأن المنافذ فيها توصيات من الحكومة المحلية، وهكذا استمرت الأمور وقد نشهد مستقبلاً صراعات بين الفلاحين على حوض النهر، علماً أن نهر الرحمة بدأ يستحوذ على كميات كبيرة من المياه المطلقة في نهر دجلة تفوق استهلاك مشاريع ري استراتيجية».
وقال: «لابد من الابتعاد عن أسلوب التضليل ورفض المجاملات، واللجوء إلى بناء قاعدة بيانات نظامية وتشكيل إدارة مهنية شفافة لإدارة المهرب ببيانات نظامية (سجل تسكام)، مع استبعاد الأذرع التي تتلاعب بمصير مياه المهرب وإدارتها كيفياً».