ترجمة / حامد أحمد
تناول تقرير لمركز، تريندز TRENDS، للبحوث والدراسات جانب الأضرار والدمار الذي لحق بمواقع تاريخية وحضارية في العراق جراء حروب وقصف وما تعرضت له على يد تنظيم داعش من تخريب وسرقة، مشيرا الى انه رغم وجود تحديات ومصاعب فإن جهودا وطنية ودولية، خصوصا من منظمة اليونسكو، تبذل من اجل الحفاظ على هذه المواقع التاريخية التي تعتبر رمزا للحضارة الإنسانية.
ويشير التقرير الى ان تدمير المواقع الحضارية والتراثية في بلد تاريخي مثل العراق لا تعد خسارة له فقط بل للإنسانية جمعاء، حيث ان هذه المواقع الحضارية هي ليست مجرد بقايا من الماضي، بل هي رموز لهوية وتاريخ واستمرارية للثقافة والحضارة.
ويذكر التقرير ان من اهم بلدان المنطقة في مجال العمق التاريخي والحضاري المتمثل بالعراق يسعى الان جاهدا للتعافي من آثار حروب ومعارك واضطرابات حلت به خلال العقود الماضية وتميزت بمرحلة غزو العراق عام 2003 وما تلاها من حقبة تنظيم داعش، حيث ان اغلب المواقع الحضارية والتراثية في البلد أما تعرضت للدمار او لحقت بها اضرار وذلك جراء معارك وعمليات قصف وغياب إجراءات فعالة لحمايتها. ولدى العراق الان خمسة مواقع حضارية وتراثية مسجلة لدى اليونسكو وثلاثة منها معرضة لمخاطر.
منطقة الحضر التاريخية، التي تقع على بعد 110 كم جنوب شرق الموصل المسجلة ضمن لائحة التراث الدولي منذ العام 1985 والتي خضعت لعمليات تنقيب آثاريه إيطالية منذ العام 1987، قد تعرضت في العام 2015 للتدمير والتخريب على يد مسلحي داعش الذين حطموا التماثيل والنقوش التاريخية. مع ذلك فان أجزاء من الموقع بقيت سليمة على نحو كبير سوى من أضرار بسيطة عند السور الخارجي.
ومنذ ان تم طرد تنظيم داعش من المنطقة بدأت السياحة بالانتعاش فيها تدريجيا وأعيد فتح الموقع في عام 2022 وتمت استضافة مهرجان ثقافي فيها عام 2024 , وبشكل عام فان السياحة تخدم كوسيلة لجمع الأموال اللازمة لحماية هذه المواقع وتوفر للحكومات حافزا قويا لتنفيذ مشاريع استعادة واحياء هذه المواقع.
موقع تاريخي آخر هو مدينة آشور الاثرية التي تضم معابد وزقورات وقصور واطلال تاريخية مهمة اخرى، ورغم إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو عام 2003، فان هذه المدينة تواجه تهديدات مستمرة من صراعات وتحديات بيئية. في أيار عام 2015 الحق تنظيم داعش ضررا كبيرا ببوابة آشور حيث دمر 70% منها، مع تعرضها أيضا لأضرار بيئية جراء تآكل هيكل الأبنية التاريخية فيها بفعل المياه وبمنحة طوارئ بمقدار 72 ألف دولار في العام 2021 ساعدت في اجراء عمليات صيانة وتثبيت أركان البوابة ولكنها ما تزال هشة. وبالإضافة الى هذه التحديات، فهناك مشروع سد مكحول الذي اعيد احياؤه بسبب كثرة حالات الجفاف في العراق، اما الان فهو يهدد بإغراق مدينة قديمة تاريخية واضطر 250 ألف شخص للنزوح من هناك. مع ذلك فان أعمال إنشاء السد تجري بدون دراسة شاملة لتأثيراته المستقبلية المحتملة على الإرث الحضاري لمنطقة آشور والسكان القريبين منه.
أما مدينة سامراء التاريخية فهي شاخصة مذكرة بالعهد العباسي بأبنيتها التاريخية وطرازها المعماري الفريد المتميز بالنقوش المعقدة. وكونها تعرضت مؤخرا للإهمال نسبيا، فان المدينة تجنبت إجراءات التنمية وعمليات الاعمار التي أثرت على مواقع تراثية اخرى، وبقيت محافظة على طابعها المعماري كأكبر مدينة منذ ذلك العهد. ولكن مع ذلك وللأسف فان الموقع عرضة لنزاعات داخلية وسوء إدارة، وان بناء ثكنات شرطة قرب جامع سامراء الكبير انما يثير مزيد من القلق. وأصدرت اليونسكو تحذيرات من ان هذا التطور قد يضر بالطابع الحضاري والتراثي للموقع ويعرضه للاستهداف والتدمير في حال وقوع صدامات ومعارك.
وبينما عانى العراق من حروب حديثة وسيطرة داعش على مساحات واسعة منه في بعض المواقع، فانه يعيش الان حالة تعافي بطيئة ليكون مستعد لمعالجة الاضرار الذي تعرض له والعودة لمجده القديم. ولهذا فان المواقع التراثية والتاريخية في العراق تبدي مؤشرات احياء على نحو بطيء. وأطلقت الحكومة الحالية عدة مبادرات وتقوم بجهود للحفاظ على المواقع التراثية والحضارية ورعايتها.
ومن أهم تلك الجهود هي محاولة إحياء السياحة ليتمكن الناس من استكشاف المواقع والاطلاع عليها وإقامة مهرجانات لاسترجاع ألقها، وكذلك التعاون مع منظمة اليونسكو وتطبيق إرشاداتها لتعزيز فرص إبقاء هذه المواقع التاريخية في لائحة التراث العالمي.
وقد اجرت منظمة اليونسكو مؤتمرات ولقاءات للعمل والتنسيق مع شركاء دوليين آخرين وإيجاد طرق لاسترجاع واحياء المواقع التراثية والحضارية في العراق بالتنسيق مع مسؤولين عراقيين ووكالات أخرى في الأمم المتحدة. وفي العام 2017 عقد في مقر اليونسكو مؤتمر مكرس للحفاظ على المواقع الحضارية والتراثية في المناطق المحررة في العراق وذلك بمشاركة مسؤولين عراقيين و80 خبيرا في الشأن التاريخي والتراثي. وتم خلال المؤتمر تقييم الأضرار وإيجاد سبل لمساعدة الحكومة العراقية في هذه العملية الطويلة لإعادة احياء وتأهيل المواقع الحضارية والتراثية، وان نجاح هذه الجهود، يشير التقرير، ستعتمد حتما على الإرادة والعمل الجماعي للمؤسسات المحلية والدولية التي تؤمن جميعها بأن فقدان إرث وموقع حضاري يكون أثره على الجميع وليس طرفا واحدا.
- عن مؤسسة تريندز