ثائر صالح
زيارة لندن من دون الذهاب إلى المتحف البريطاني تعد ناقصة. فهو من المتاحف المهمة التي تحفظ شيئاً مهماً من آثار العالم كله تقريباً. وما يعرض في قاعاته اليوم لا يمثل سوى 1% من محفوظاته، الكثير منها لا تزال تنتظر الدراسة والبحث. وحصة الشرق الأوسط من هذه المجموعة كبيرة، بالذات المحفوظات المصرية والرافدية.
لا يعرض المتحف معروضات تتعلق بالحياة موسيقية بشكل منهجي، بل يمكن العثور على هذه اللقية أو تلك ضمن المعرض المنهجي، وهذا ما يعثر عليه الزائر في القاعات السومرية والبابلية التي زرت المتحف خصيصاً لرؤيتها. أشهر تلك المعروضات قيثارة أور العائدة للملكة بو آبي (من ملكات بداية السلالة الثالثة - حوالي 2600 سنة قبل التقويم الحالي) عثر عليها ليونارد وولي أثناء تنقيباته في المقبرة الملكية. توجد هذه اللقى المذهلة في قاعة رقم 56 معروضة سوية مع ما عثر عليه وولي من نفائس في المقبرة الملكية التي ضمت كذلك أدوات تشبه الناي وصنوج وغيرها من الأدوات الموسيقية.
القيثارات المعروضة ذات الرأس الفضي هي نماذج للقيثارات أُعيد بناؤها وفق اللقى ووفق صورها التي عثر عليها على الأختام وغيرها. تحوي القيثارة الأصلية المعروضة على 13 وتر، يمكن رؤية مفاتيحها (الملاوي) وقد ثبتت على قطعة خشب، وكذلك النقش الأصلي على صندوق الصوت والمصنوع من اللازورد. كان عدد الأوتار القياسي في القيثارة السومرية 9 أوتار وهي تمثل النظام الموسيقي الذي استمر حوالي 3 آلاف سنة حتى ما بعد سقوط بابل رغم أن الأوتار التسعة استعملت لفترة قصيرة في العهد السومري. من المعروضات المهمة الأخرى المتعلقة بالموسيقى ما يعرف براية أور، وهي تحفة فنية نادرة من تحف المقبرة الملكية على شكل صندوق مزين من الجوانب الأربعة بمنحوتات صغيرة من حجر الكلس الأحمر واللازورد والأصداف مثبتة على الصندوق الخشبي بالقير، المادة الأساسية في البناء في بلاد الرافدين. تمثل الراية التي يبلغ ضلعها الطويل 50 سم وارتفاعها 22 سم مشهدين كل مشهد على جانب من جانبيها الرئيسين، يمثلان الحرب والسلم. نجد في الزاوية العليا اليمنى من جانب السلم عازف قيثارة وخلفه امرأة قد تكون مغنية تصفق أو ربما تطق الأصابع، وهي من وسائل المصاحبة الإيقاعية الموسيقية المعروفة في بلاد الرافدين من عهد السومريين. عدد أوتار القيثارة هنا هو تسعة، العدد القياسي للقيثارة السومرية. ويقف الاثنان خلف مجموعة من الرجال جالسين على كراسي يرفعون كؤوساً في ما يشبه احتفال جماعي.
وهناك مادة موسيقية مهمة أخرى في جدارية الملك سنحاريب التي تخلد ذكرى حصاره مدينة لخش / لكش إحدى مدن يهودا المهمة وتدميرها إبان حملته لإعادة سيطرة الآشوريين على المنطقة سنة 701 قبل التقويم الحالي، هو نقش يمثل ثلاثة عازفين على القيثارة يتبعهم ضابط آشوري (الصالة 10 ب). يصعب إحصاء عدد أوتار القيثارات التي تبدو أكثر بساطة من مثيلاتها السومريات، وهذا أمر مفهوم فالقيثارات السومرية كانت تستعمل في البلاط الملكي وهي ثقيلة ومطعمة باللازورد.
موسيقى الاحد: المتحف البريطاني
نشر في: 17 نوفمبر, 2024: 12:01 ص