بغداد/ تميم الحسن
وصل الصراع داخل "الإطار التنسيقي" إلى مرحلة الذروة بعد أنباء عن مئات الشكاوى ضد الحكومة على خلفية "شبكة التنصت".
ويقود زعيم شيعي معروف "موجة التصعيد" الأخيرة ضد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بحسب تسريبات.
كما يستعد ذلك الزعيم لتقديم صيغة جديدة لقانون الانتخابات تُعرقل وصول السوداني إلى الحكومة مرة أخرى.
ويُفترض أن تُجرى الانتخابات التشريعية نهاية العام المقبل، فيما كان اتفاق سياسي سابق قد نصّ على إجراء انتخابات مبكرة العام الماضي.
شبكة "التنصت"
يدور في الأوساط السياسية حديث عن تقديم نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، شكاوى ضد ما يُعرف بـ"شبكة جوحي".
وتفجرت هذه الأزمة لأول مرة نهاية آب الماضي، حيث يُفترض تورط موظفين في مكتب السوداني بـ"التنصت" على مسؤولين.
وبحسب ما يُتداول، فإن هناك نحو 800 شكوى قضائية من شخصيات سياسية، إلى جانب المالكي، بخصوص تلك الشبكة.
ووصف مجلس القضاء الأعلى، مطلع أيلول الماضي، المعلومات المتداولة بشأن قضية شبكة التنصت التي كان يديرها محمد جوحي، مدير مكتب رئيس مجلس الوزراء السابق، بأنها غير دقيقة.
وتسربت منذ تفجر القضية أن الشبكة التي تعمل في مكتب السوداني "تجسست" على فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى، لكن الأخير نفى ذلك في بيان لاحق.
ثم توسعت قائمة المستهدفين المفترضين بالشبكة، لتشمل أغلب قيادات الإطار التنسيقي، والسفير الإيراني في بغداد، وحتى المرجع الأعلى في النجف.
استطاع محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، أن يُطوق تلك الأزمة في لقاء مع زيدان، بعد أيام قليلة من انتشار أخبار "شبكة جوحي".
كما قام السوداني بجولات منفردة على الزعامات الشيعية، حيث قيل آنذاك إنه "تمت تسوية القضية". لكن المالكي، في حوار تلفزيوني قبل أيام، قال إن "القضاء يتعامل بجدية مع قضية جوحي".
وتسرب حينها أن إيران قد "منعت توسع الأزمة" داخل التحالف الشيعي، لانشغالها بتوسع الصراع في المنطقة.
وينفي مستشارو السوداني وجود إمكانيات "تنصت" في العراق، ويؤكدون أن ما حدث كان "إساءة استخدام لمواقع التواصل" من قبل موظفي الحكومة.
قانون الانتخابات
تزامنت عودة الحديث عن "شبكة جوحي" مع تقديم المالكي قانون انتخابات جديد إلى محمود المشهداني، رئيس البرلمان.
وبحسب تصريحات المالكي، فإن نسخة القانون موجودة في "رئاسة الجمهورية".
وفي آب الماضي، نفت رئاسة الجمهورية اتفاقها مع زعامات "الإطار" لإعداد مشروع تعديل قانون الانتخابات.
ويقول نائب سابق قريب من السوداني إن "قانون الانتخابات الجديد يستهدف رئيس الحكومة بشكل مباشر".
وأضاف النائب، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ(المدى)، أن "السوداني سيحصل على 50 مقعدًا إذا بقي القانون الحالي".
ويرجّح أن "قانون المالكي"، الذي يدعمه الأخير لانتخابات 2025، يعيد تقسيم الدوائر الانتخابية ويمنع التنفيذيين من الترشح إلا بعد تقديم استقالتهم قبل 6 أشهر على الأقل من موعد الانتخابات.
وتُعلّق النائبة عالية نصيف، المنشقة مؤخرًا عن المالكي، على مقترح الأخير، قائلةً إنه "بدعة غريبة".
وأضافت في تدوينة: "هذا المقترح يعد من البدع الغريبة التي لا تعتمدها أي دولة في العالم"، داعيةً إلى أن تكون هذه المقترحات بعيدة عن الاستهداف، لأن نجاح الحكومة الحالية هو نجاح للجميع.
وكانت القوى السياسية قد أجبرت السوداني على منع دخول الانتخابات المحلية في 2023.
لكن أحمد الأسدي، وزير العمل، فجّر في آذار الماضي مفاجأة بإعلانه أنه أول المنضمين إلى تحالف جديد يقوده السوداني.
التسريبات
يفترض، وفق ما تداوله الإعلام، أن إغلاق قضية "التنصت" كان وفق "تسوية" تتضمن منع السوداني من تشكيل تحالف خارج "الإطار".
لكن محاصرة السوداني الآن من أكثر من جهة تشير إلى تمسك رئيس الحكومة بـ"مشروعه السياسي"، وفق بعض التحليلات.
لذا، ردًا على إصرار السوداني، تصاعدت موجة "التسريبات الصوتية" لمسؤولين ومستشارين.
وبدأت هيئة النزاهة، الأسبوع الماضي، التحقيق في تسجيل صوتي منسوب إلى عبد الكريم الفيصل، رئيس هيئة المستشارين بمكتب رئيس الوزراء، يُتّهم فيه بطلب رشوة، حيث ظهر وهو يعاتب على استلام "مليون دولار فقط".
لكن الفيصل نفى الاتهامات، قائلاً: "إنه مقطع صوتي مفبرك".
وجاء التحقيق بتوجيه من السوداني، وبالتعاون مع قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية.
وتسجيل الفيصل هو الثالث خلال شهرين، بعد إعفاء رئيس هيئة النزاهة السابق حيدر حنون الشهر الماضي بسبب تسجيل تناول مبالغ مالية ومنازل وسيارات فاخرة.
بالإضافة إلى رئيس هيئة الضرائب علي وعد علاوي، الذي أُوقف عن العمل لمدة ستين يومًا بسبب تسجيل صوتي يكشف عن تلاعب بأموال الضرائب.
ويُعلِّق المالكي في المقابلة الأخيرة على "التسريبات"، قائلاً: "آني شورت بيهم". وأضاف: "لأن من صارت تسريبات على المالكي رقصوا وفرحوا".
وكانت عدة تسجيلات منسوبة إلى المالكي قد تسرَّبت إلى الإعلام في عام 2022، هاجم فيها "الصدر" و"الحشد".
وأعلن القضاء في تلك السنة فتح تحقيقٍ في التسريبات المنسوبة إلى رئيس ائتلاف دولة القانون، إلا أن مصير التحقيقات لم يُعرف بعد.
الفائز خاسر!
يرى إحسان الشمري، أستاذ السياسات العامة بجامعة بغداد، أن تراجع قضية التنصت يعود إلى "الدور الإيراني" في احتواء الأزمة داخل الإطار التنسيقي.
وجرى إغلاق بعض القضايا مثل "التنصت" والتراجع عن "قانون الانتخابات" في وقت تصاعدت فيه التوترات العسكرية في المنطقة، واحتمال توسع الضربات الإسرائيلية الى العراق.
ويقول الشمري لـ(المدى): "الأوضاع الإقليمية والقلق من استهداف العراق ستراتيجيًا دفعت بعض قوى الإطار إلى خفض التصعيد".
ويُضيف أن "التراجع كان مرتبطًا بعودة السوداني عن مشروعه السياسي لفترة معينة، لكنه عاد ليظهر تمسكه به".
مع اقتراب عام 2025، تُثار التساؤلات حول اختيار مفوضية جديدة للانتخابات، وربما تشريع قانون جديد.
ويقول الشمري، وهو يرأس أيضاً مركز التفكير السياسي، ان "الانتخابات اقتربت وبعض القوى السياسية تخشى من ان تكون جزءا من اخفاق السوداني ببعض الملفات".
ويُرجّح الشمري وجود اتفاق بين المؤثرين في العملية السياسية على عدم تجديد ولاية السوداني.
وتكشف اغلب القوى السياسية عن معادلة غريبة، مفادها أن الفائز في الانتخابات، منذ ولاية المالكي الثانية، لا يحصل على رئاسة الوزراء!