بغداد/ تميم الحسن
قد يفجر التعداد السكاني ازمة في العراق، بسبب تغييرات متوقعة في "حجوم السكان" في بعض المحافظات.
وستدفع هذه المتغيرات الى استبدال اولويات التشريعات القانونية، كما يمكن ان تحقق طفرة في عدد أعضاء مجلس النواب.
ومن المقرر أن يُجرى التعداد العام للسكان في جميع أنحاء العراق وإقليم كردستان، في 20 و21 من شهر تشرين الثاني الحالي.
ويشارك في التعداد حوالي 120 ألف عدّاد، وأوضحت وزارة التخطيط أن هذا التعداد سيتيح تحديد العدد الفعلي للسكان وظروفهم المعيشية، بما يساهم في توجيه جهود التنمية.
انتخابات بلا تعداد!
وجرت 10 تجارب انتخابية في العراق بعد 2003، ونقترب من التجربة رقم 11 بعد نحو عام، دون معرفة دقيقة بحجم السكان، لغياب التعداد الذي اجري اخر مرة قبل 27 عاماً.
وحتى الإحصاء الاخير الذي نفذ في عهد النظام السابق، لم يكن دقيقاً ايضاً، بحسب المعايير الدولية، إذ جرى في ظل غياب 3 محافظات، وظهرت نتائجه بعد عدة سنوات.
وعلى ضوء ذلك فيمكن اعتبار الاحصاء الذي جرى قبل 37 عاما في فترة الحرب العراقية - الايرانية، هو الإحصاء الرسمي الاخير الذي جرى في البلاد، إذ يجرى التعداد كل 10 سنوات.
يهدف التعداد بشكل عام، الى وضع تصور كامل عن حجم السكان والمنازل والمصانع وكل مايوجد على الارض من بشر وشجر وحجر.
ووفق الأرقام تبني الحكومة خطط التنمية والاقتصاد، وتوفر الخدمات الصحية والبلدية وغيرها، كما تعرف الحاجة الاساسية لحجم القوات المسلحة وعدد الموظفين والعاطلين والاميين.
ويشكل الإحصاء السكاني حجز الزاوية في عملية الانتخابات والاستفتاءات، فيما يحيط هذا الإجراء في العراق اجواء من الشك.
شكوك.. و"داعش"
فحاولت 3 وزارات تخطيط متعاقبة في العراق منذ 2004، على تنفيذ المشروع الا أنها اصطدمت بعقبة السياسة والخوف من كشف حجم الأقليات في البلاد.
ووصل استفتاء 2010 قاب قوسين او أدنى من التنفيذ، قبل ان تطل مشكلة المناطق المتنازع عليها برأسها وتعطل اجراء الاحصاء الى إشعار آخر.
وكانت "التخطيط" قد عجزت قبل ذلك الوقت، على اقناع الحكومة والقوى السياسية بتنفيذ احصاء 2007، بعد 10 سنوات على الاحصاء القديم، بسبب الاوضاع الامنية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
كما عطل بعد ذلك ظهور "داعش" اي رغبة في اجراء احصاء جديد بعد المحاولة الأخيرة في 2010 والتي قطعت أشواطا طويلة في التحضيرات.
وتمكنت الوزارة خلال التجربة الاخيرة التي لم تكتمل، من تنفيذ اجراء اولي تمهيداً ليوم التعداد تضمن عمليات حصر للمنازل ومن يعيش داخلها في عموم البلاد، وفر لها أرقام دقيقة عن حجم السكان في العراق.
وبدأت "التخطيط" عقب ذلك بالاعتماد على الارقام التي ظهرت لديها لإعطاء تصور عن حجم السكان والزيادة السنوية في نفوس العراقيين.
وتعتمد المفوضية على تلك النسب التي تظهرها الوزارة كل عام، بالاضافة الى وثائق البطاقة التموينية، التي توفر قاعدة بيانات رسمية الا أنها تتحمل نسبة خطأ ليست بالقليلة.
ويترتب على ضوء تلك الارقام، تحديد عدد الناخبين في البلاد، بالاضافة الى حصة كل محافظة من عدد المقاعد في مجلس النواب والمحافظات وتحديد "الكوتا" للاقليات.
وتطالب بعض الجهات السياسية، الحكومة باعطاء ضمانات مقابل إجراء التعداد السكاني، فيما تجد بعض المكونات بأنها تعرضت للغبن بسبب عدم وجود إحصاء دقيق لأبنائها.
وكان الحل الأمثل لموافقة كل المكونات والقوى السياسية، هو ابعاد حقلي "المذهب" و"القومية" عن التعداد، على الرغم أن البعض يعتقد أنها ضرورية.
التمثيل السياسي
يقول احمد الياسري رئيس المركز العربي- الاسترالي للدراسات الستراتيجية، ان "نتائج التعداد ستكون سيف ذي حدين؛ مدخل للتهدئة او للنزاعات".
الياسري يشير لـ(المدى) الى ان "التعداد سيظهر اعداد السكان بشكل دقيق في بعض المحافظات، وقد يؤثر هذا على حجومها في الخريطة السياسية بالمستقل".
ويتابع : "هذا التغيير سنعكس على اوليات الترشيع في مجلس النواب، كذلك سيغير في حجوم التمثيل داخل السلطة التشريعية".
ويعتقد رئيس رئيس المركز العربي- الاسترالي ان "التعداد حق للعراقيين ويمثل اهمية اقتصادية وسياسية، لكن اذا اصطدم برغبات اطراف معنية ستاخذ النتائج الى اتجاه اخرى ربما ستكون هناك نزاعات جديدة".
وضرب الياسري مثلا بالاستفتاء على الدستور في 2005، وقال: "كان المفترض أن يحل الدستور ازمات العراق حينها، لكن اطراف اخرى اخذت نتائج التصويت وذهبت الى طريق اخرى وركزت على مكونات ومناطق دون غيرها".
وأكدت وزارة التخطيط، أن بيانات المواطنين في التعداد العام للسكان والمساكن مؤمنة، غير قابلة للتسريب، فيما سيتم الكشف عن النتائج الأولية للتعداد بعد ستة أسابيع من إجراء العملية.
ويتوقع من التعداد أن يجد علاج لمعادلات "البطالة" و "تسرب الطلاب" من المدارس، والأسر الفقيرة.
وطمأنت "التخطيط" العراقيين، بان اجراء التعداد لن يكون من أجل "فرض الضرائب"، او "الغاء رواتب الرعاية الاجتماعية".
تضخم النواب
ويُتوقع أن يُحدث التعداد جملة من التغيرات الإدارية والاقتصادية، من بينها تغيير تركيبة مجلس النواب، وفقا للمادة (49 أولاً) من الدستور يُحدد عدد النواب بمعدل نائب واحد لكل 100 ألف نسمة.
وهذا المعيار الدستوري ظل معطلاً في السنوات الماضية بسبب عدم وجود تعداد سكاني حديث، حيث تم اعتماد تقديرات سكانية قديمة تشير إلى أن عدد سكان العراق 32.9 مليون نسمة، ما أدى إلى تحديد عدد أعضاء البرلمان بـ329 نائباً فقط.
ووفق الزيادة السكانية السنوية، فان بعد 20 عاماً سيتضاعف عدد اعضاء البرلمان، وهو امر دفع بعض القوى السياسية لاقتراح تغيير النسبة الى رقم ثابت يعتمد على عدد الناخبين بدلا من عدد النفوس.
وبحسب الباحث بالشأن الاقتصادي، حيدر البطاط، فان معدل النمو السكاني في العراق يبلغ 3.1%.
وقال البطاط، في تغريدة على "إكس"، ان "كل مليون عراقي ينجبون بالسنة 31 ألف طفل.. لو قدرنا عدد سكان العراق 42 مليون يكون معدل الزيادة السنوية للسكان 1.3 مليون نسمة سنوياً".
وبين أن خلال عام 2030 سيصل سكان العراق الى 54 مليون وفي عام 2040 سيكون 75 مليون.
ووفق الزيادة السنوية المقدرة، فان عدد النواب سيزيدون سنويا 40 نائباً، ما يعني ان في 2030 سيكون لدينا 569 نائبا.
ووفقا لذلك فان رواتب النواب فقط، ستزداد في 2030، الى أكثر من 4 مليار دينار شهريا (متوسط راتب البرلماني مليون دينار شهريا).
وقرر البرلمان، في بيان، تعطيل جلساته الى مابعد التعداد، ما يعني ان نصف مدة "التمديد" سيتذهب بدون اي عمل.
وكان البرلمان قد مدد عمله لشهر واحد، ابتداء من 9 تشرين الثاني، فيما كان قد توقف عن الانعقاد منذ لحظة اختيار محمود المشهداني رئيسا للمجلس، نهاية تشرين الاول الماضي.
وتقدر بالمقابل كلفة مشروع التعداد العام للسكان إلى 459 مليار دينار، بحسب استاذ الاقتصاد نبيل المرسومي.
وقبل ايام توقع عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، أن تغير نتائج التعداد العام أعداد نواب المحافظات.
وقال الحكيم في حديث له، خلال زيارته وزارة التخطيط، للاطلاع على الاستعدادات الجارية للتعداد السكاني: "منذ 27 سنة لانعرف عدد شعبنا..التعداد قد يؤدي الى تغيير في عدد النواب في المحافظات".