المدى/خاص
تواجه الأنهار في معظم المحافظات العراقية موجة تلوث خطيرة ناجمة عن تسربات النفط ومخلفاته، مما يهدد مصادر المياه والبيئة المحلية بشكل متزايد. وبحسب تقارير بيئية، فإن هذا التلوث بات يشكل عائقًا كبيرًا أمام مشاريع تصفية المياه والزراعة، فضلًا عن تأثيره المدمر على الحياة البرية في المناطق المحيطة.
انتشار الظاهرة وأسبابها
شهدت محافظات الجنوب والوسط ارتفاعًا في نسب التلوث النفطي بسبب تسربات من خطوط الأنابيب المتهالكة وممارسات غير قانونية تتعلق بتصريف مخلفات النفط في الأنهار.
وأشار مختصون إلى أن ضعف البنية التحتية وعدم الالتزام بالمعايير البيئية المعتمدة ساهم في تفاقم المشكلة، إلى جانب عمليات النقل غير الآمنة والسرقات التي تتسبب في كسر الأنابيب وتسرب كميات كبيرة من النفط.
آثار التلوث
أغلقت العديد من محطات تصفية المياه في المحافظات الجنوبية نتيجة زيادة نسب التلوث التي تفوق قدرة المحطات على المعالجة، مما يعرض السكان لأزمة مياه متفاقمة.
كما أدى التلوث إلى نفوق أعداد كبيرة من الأسماك، ما أثر بشكل مباشر على مصدر رزق الصيادين والأمن الغذائي في المناطق المتضررة.
وتسرب النفط إلى التربة المحيطة بالأنهار أدى إلى تراجع خصوبتها، مما يهدد الأمن الغذائي وإنتاج المحاصيل.
تحركات ومقترحات
رغم خطورة الوضع، لا تزال التحركات الحكومية محدودة، في ظل مطالبات واسعة من قبل منظمات البيئة والنشطاء بضرورة فرض رقابة صارمة على المنشآت النفطية وتشديد العقوبات على المخالفين.
ودعا مختصون إلى اعتماد تقنيات حديثة لمعالجة التلوث وتأهيل المناطق المتضررة، بالإضافة إلى إطلاق حملات توعية مجتمعية حول مخاطر التلوث النفطي.
مخاوف مستقبلية
يحذر خبراء البيئة من أن استمرار التلوث بمعدلاته الحالية قد يؤدي إلى كارثة بيئية تفوق قدرات العراق على احتوائها، مؤكدين أن حماية الأنهار من التلوث يجب أن تكون أولوية وطنية لضمان استدامة مصادر المياه والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
وقال الناشط البيئي، محمد الفهد، خلال حديث لـ(المدى)، أن "التلوث النفطي المتزايد في الأنهار العراقية يشكل خطرًا كبيرًا على الإنسان والبيئة"، مشيرًا إلى أن "هذه الظاهرة تهدد استمرارية مشاريع المياه والزراعة، وتترك آثارًا مدمرة على النظم البيئية المحلية".
وأردف، أن "التسربات النفطية في الأنهار العراقية لا تؤثر فقط على المياه، بل تمتد لتلوث التربة، وتقتل الكائنات الحية في المياه، ما يسبب اختلالًا بيئيًا يصعب معالجته على المدى القريب. إضافة إلى ذلك، فإن اعتماد ملايين السكان على هذه الأنهار للحصول على المياه الصالحة للشرب والزراعة يجعل من هذا التلوث تهديدًا مباشرًا للصحة العامة والأمن الغذائي".
وأكمل: "نفوق الأسماك بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة يعكس حجم التلوث الذي أصبح يفوق قدرة الطبيعة على التعافي، ناهيك عن تدهور جودة المحاصيل الزراعية بسبب التربة الملوثة"، موضحاً "نحن بحاجة إلى حلول عاجلة تشمل تحديث أنظمة نقل النفط، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة، ومحاسبة الجهات المسؤولة عن هذا التلوث".
وختم الفهد حديثه بالتأكيد على "أهمية الضغط المجتمعي والدولي لإجبار الجهات المعنية على الالتزام بالمعايير البيئية"، مشيرًا إلى أن "استمرار الوضع الحالي يهدد بتحويل بعض المناطق إلى أماكن غير صالحة للحياة، مما يزيد من معاناة السكان ويفاقم الأزمات البيئية والاقتصادية في العراق".
من جهته، يشرح المختص في مجال البيئة والمياه، حيدر السعدون، خلال حديث لـ(المدى)، أن"تسرب النفط إلى الأنهار يؤدي إلى اختناق الكائنات المائية نتيجة منع دخول الأكسجين إلى المياه، إضافة إلى تلوث التربة والمزروعات في المناطق الزراعية التي تعتمد على هذه المياه".
وأضاف أن "تلوث الأنهار بمركبات نفطية سامة، مثل الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات، يشكل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، حيث قد يتسبب بأمراض خطيرة نتيجة استهلاك المياه الملوثة أو التعرض المباشر لها".
ودعا المختص إلى "تعزيز منظومات مراقبة التسريبات النفطية، ومعالجة التلوث بشكل فوري، فضلًا عن فرض عقوبات صارمة على الجهات المسؤولة عن التلوث لحماية الموارد الطبيعية والحد من تداعيات هذه المشكلة على البيئة والمجتمع".