متابعة/ المدى
ازداد التشديد الحكومي على النوادي الليلية والاجتماعية ومحال بيع المشروبات الكحولية في العراق، في إطار حملة كانت قد انطلقت عام 2020 وما تزال مستمرة، حتى وصلت أخيراً إلى أحد أقدم النوادي الاجتماعية والثقافية في بغداد، وهو نادي "العلوية"، الذي وجّهت وزارة الداخلية العراقية، مؤخراً، بحظر تصنيع وبيع المشروبات الكحولية فيه، ما أدى إلى موجة رفض شعبية، ووصف نشطاء من المجتمع المدني القرار بأنه تقييد للحريات الشخصية، وأنه قد يؤدي إلى انتشار المخدرات في البلاد.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي وثيقة صادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء عن حظر تصنيع وبيع المشروبات الكحولية في نادي العلوية وغيره من النوادي الاجتماعية، ما تسبب بحالة جدلٍ واسعة، تتعلق بالحريات الشخصية ووضع السياحة.
الوثيقة المؤرخة بـ 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، جرى تعميمها على جميع النوادي الاجتماعية، ما أدى إلى انتقادات واسعة بشأن القرار وأهميته، لا سيما أن العراق يعاني أصلاً من انتشار واضح في ملف المخدرات، ويؤكد معظم المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية أن معدلات الإدمان عليها مرتفعة.
وأبدت كتلة "الوركاء الديمقراطية" المسيحية اعتراضها الشديد على القرار الحكومي بحظر المشروبات الكحولية في النوادي الاجتماعية في العراق، محذرة من انتشار المخدرات بعد هذا القرار من قبل أصحاب "السلاح المنفلت".
وذكر رئيس الكتلة، وهو عضو سابق في مجلس النواب، جوزيف صليوا، في تصريحات صحافية عقب القرار، أن "موضوع المشروبات الكحولية أصبح ملفاً تجارياً بغطاء ديني، والغاية من هذا الأمر كسب الأموال، وفتح الطريق أمام انتشار المخدرات التي تسيطر عليها بعض الأطراف التي تمتلك السلاح خارج إرادة الدولة، وهذه الأطراف تغطي على الموضوع بحجة أن القضية لها علاقة بالجانب الديني".
وأضاف صليوا أن "معظم الذين يشربون المشروبات الكحولية هم مسلمون، وهناك نوادٍ عريقة في بغداد منذ مئات السنين، تعمل على بيع المشروبات الكحولية، ولم تحظر هذا الأمر، فهل في السنوات الماضية كانت حلالاً والآن أصبحت حراماً؟ بل حتى في زمن العباسيين لم تكن تلك المشروبات محرمة أو ممنوعة في بغداد".
وبيَّن أن "قرار حظر المشروبات الكحولية في النوادي الاجتماعية له تأثيرات اجتماعية خطيرة جداً على المجتمع العراقي، كما أنه سيؤثر على الجانب الاقتصادي، حيث إن هذه المشروبات والنوادي تُدخل ملايين الدولارات إلى خزينة الدولة العراقية سنوياً، وأن هذا القرار يبرر بغطاء ديني، لكن الحقيقة هو لأغراض مالية من خلال سيطرة أطراف مسلحة على هذه التجارة وفرض إتاوات بحجة منع المشروبات الكحولية، لكنهم يتسامحون بذلك مقابل الأموال".
وفي آذار من العام الماضي، كشفت الهيئة العامة للجمارك العراقية قراراً يمنع رسمياً استيراد المشروبات الكحولية. وتنص "المادة 14" من قانون واردات البلديات، في العراق على "حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها".
لكن مطالبات كثيرة حصلت في العراق بشأن إلغاء هذه الفقرة، لا سيما أنها تتضمن عقوبات "على من يتصرف خلافاً لهذا النص وغرامة مالية لا تقل عن 10 ملايين دينار عراقي ولا تزيد على 25 مليون دينار (7 إلى 17 ألف دولار)".
وفي تشرين الأول 2016، صوّت مجلس النواب العراقي لصالح القانون المذكور، غير أنه لم ينشر في الجريدة الرسمية ويدخل حيز التنفيذ إلا في شباط الماضي. وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها مسألة منع استهلاك أو بيع أو تصنيع أو استيراد المشروبات الكحولية جدلاً في الأوساط السياسية والاجتماعية.
في السياق، حذّر ناشطون من أن منع بيع المشروبات الكحولية قد يؤدي إلى زيادة الإقبال على تعاطي المخدرات، بالتالي يؤدي هذا إلى زيادة في البطالة والفقر والجرائم وتفشي المشكلات الاجتماعية والطلاق، وسلسلة لا تنتهي من المشاكل، بحسب منظمات محلية عراقية ونشطاء.
وقال وليد أرمني، وهو صاحب محل لبيع المشروبات الكحولية في بغداد، إن "الإجراءات والتوجيهات الحكومية والأمنية تخالف الدستور العراقي الذي ضمن الحريات الشخصية للعراقيين، بالتالي لا يمكن المساس بحرية الأفراد، ومثل هذا الإجراء سيؤدي إلى تسريح مئات العاملين في هذه النوادي، ويزيد من مشكلة البطالة في البلاد".
وأشار أرمني إلى أن "الحكومة العراقية عليها أن تفكر كبقية الحكومات في العالم، من خلال تمكين القطاع السياحي والترفيهي لأنه يجلب واردات مالية ممتازة للبلدان"، مؤكداً أن "العراق بلد متعدد الطوائف والأديان، بالتالي فإن العراقيين ليسوا من لون أو دين واحد، لذلك لا بد من احترام كل العراقيين، ولا يتم التجاوز على خياراتهم وحرياتهم بهذه الطريقة".
من جهته، بيّن نائب رئيس مركز الرشيد للتنمية في بغداد، محمود الدباغ، أن "النظام السياسي الحاكم يحاول مداراة فشله في تأسيس دولة المؤسسات بعد أكثر 20 عاماً، لذلك فهو يلجأ كغيره من الأنظمة لإشغال العامة بتفاصيل الفضيلة في التغطية على فضائحه الداخلية، ومنها استشراء الفساد المالي والإداري في أعلى مناصب الحكومة التنفيذية وما يرتبط بها من ترهل في الجهاز الوظيفية لمجمل مفاصل الدولة العراقية"، معتبراً أن "قرار حظر بيع المشروبات الكحولية يمثل مصادرة صارخة وسلباً علنياً للحريات التي كفلها الدستور العراقي".
ولفت الدباغ إلى أن "هذه الممارسات تجاه الحريات الخاصة هي استهداف مباشر من قبل العقلية الدينية بطريقة شمولية ومصادرة واضحة للحقوق الشخصية لتغيير هوية المجتمع المتنوع، كما أنها ترويج بطريقة غير مباشرة لآفة المخدرات، التي تفتك بالمجتمع وتسبب جرائم خطيرة لا تخفى عن الإعلام والرأي العام".
من جانبه، بيَّن الناشط العراقي أحمد خلدون أن القرار الأخير بحظر استيراد وبيع المشروبات الكحولية في العراق خطوة خطيرة تنسف الحريات الشخصية وتضرب التنوع الثقافي والديني في الصميم، وهذا القانون لا يعكس هوية المجتمع العراقي المتعدد، بل يفرض وصاية على الناس ويخلق فجوة بين المكونات المختلفة".
وأضاف أنه "بدلاً من معالجة القضايا الحقيقية التي تواجه المواطن، مثل الفقر والبطالة والفساد، ينشغلون بفرض قوانين تضيق على الحريات الفردية وتدفع المجتمع نحو التشدد. ما الذي سيحققه هذا القانون غير تنشيط السوق السوداء وزيادة التجاوزات"، مشيراً إلى أن "العراق يحتاج قوانين تعزز الحقوق وتبني بلداً يحترم كل مكوناته، لا قرارات تقسم الشعب وتفرض قيوداً تخالف الدستور وتحدّ من حق الإنسان في الاختيار".
المصدر: العربي الجديد