بغداد / تبارك عبد المجيد
يعاني سكان القرى والأرياف في العراق من إهمال شبه تام من قبل الجهات الحكومية، ومن بين تلك القرى قرية السحل، التي تضم حوالي 200 عائلة وتُطل على أطراف وادي حوران في قلب محافظة الأنبار.
تفتقر السحل إلى الخدمات الأساسية بشكل كامل تقريبًا؛ فلا كهرباء تُضيء لياليها، ولا مياه صالحة للشرب تروي عطش سكانها، ولا مستوصف صحي يوفر الرعاية الطبية. يعتمد سكان القرية بشكل رئيسي على مياه الأمطار لري محاصيلهم، حيث تُشكل الزراعة المصدر الأساسي لدخلهم ومعيشتهم، ما يجعل حياتهم عرضة لتقلبات الطقس وظروف الطبيعة القاسية.
وقد واجه مُعد التقرير صعوبات جمة في الوصول إلى سكان القرية، بسبب نقص المعلومات حول وجودها. العديد من المصادر الحكومية والمدنية لم تكن على دراية بالقرية، وكأنها غابت تمامًا عن خريطة الأولويات التنموية. وما زاد من عزلة القرية انقطاع خدمات الإنترنت في المنطقة، مما جعل الوصول إلى سكانها والتواصل معهم تحديًا بحد ذاته.
تعد ناحية البغدادي التي تبعد حوالي 25 كيلومترًا أقرب منطقة لقرية السحل، ويقول مدير الناحية، شرحبيل العبيدي ان "قرية السحل شهدت تطورًا ملحوظًا في البنية التحتية والخدمات خلال العامين الأخيرين. وأوضح في حديثه لـ(المدى) أن القرية تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والطرق، أصبحت اليوم تتمتع بشبكة كهرباء متكاملة وطرق معبّدة تخدم سكانها بشكل أفضل.
وأشار العبيدي، إلى أن "القرية لا تزال تواجه تحديات على صعيد الخدمات الصحية، حيث تفتقر إلى مركز صحي أو وحدة طبية محلية، مما يضطر السكان إلى قطع مسافة طويلة للوصول إلى أقرب مركز صحي في ناحية البغدادي. وأكد على ضرورة تلبية هذا الاحتياج الحيوي لتحسين حياة السكان".
أما بالنسبة لخدمات الإنترنت والاتصالات، فقد ذكر العبيدي أنها لا تزال تعاني من انقطاع، مشيرًا إلى أن "شركة "آسيا سيل" قامت مؤخرًا بتركيب برج اتصالات في القرية. ومع ذلك، يعتمد معظم السكان على خدمات شركة "زين"، مما يبرز الحاجة إلى تحسين البنية التحتية الرقمية لتلبية متطلبات الأهالي".
شدد مدير الناحية على أهمية دعم القرى النائية مثل السحل بالخدمات الأساسية لضمان تحسين مستوى المعيشة وتلبية احتياجات المواطنين، مما يسهم في تحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق.
داوود علي، أحد سكان ناحية البغدادي القريبة من قرية السحل، تحدث عن تجربته أثناء زيارتين قام بهما إلى القرية ضمن إطار بحثه حول مشكلات المياه في الأرياف بمحافظة الأنبار. وأوضح في حديث لـ(المدى) حجم المعاناة التي يعيشها سكان القرية نتيجة غياب الخدمات الأساسية.
أشار داوود إلى أن القرية تعاني من انعدام شبه كامل في خدمات المياه والكهرباء، إضافة إلى غياب مستوصف صحي لتقديم الرعاية الطبية، ما يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة إلى ناحية البغدادي للعلاج. ولفت إلى أن بعض الحالات الصحية الحرجة، ومنها النساء الحوامل، تُضطر العائلات لنقلهن قبيل موعد الولادة لضمان تلقيهن الرعاية الصحية اللازمة، ما أدى أحيانًا إلى تسجيل وفيات نتيجة التأخير في الوصول إلى المستشفيات.
وتحدث عن الحياة البسيطة التي يعيشها سكان القرية، الذين يعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة وتربية المواشي. وأشار إلى أن البنية التحتية للاتصالات في القرية محدودة جدًا، حيث يستخدم السكان الهواتف الجوالة القديمة. كما لاحظ غياب النساء عن الساحات العامة أو المدارس، مما يعكس سطوة العادات والتقاليد القديمة في المجتمع المحلي.
وفيما يتعلق بتأمين المياه، بيّن داوود وجود مضخة تعمل بالديزل تُستخدم لاستخراج المياه من بئر، حيث يتم تجميع المياه في برك إسمنتية للاستخدام. وأكمل حديثه بالإشارة إلى أن الظروف في القرية تعكس مستوى التحديات التي تواجه المناطق الريفية في المحافظة، معربًا عن أمله في تحسن الأوضاع بتوفير الخدمات الضرورية للسكان.
أكد سعد المحمدي، عضو مجلس محافظة الأنبار، أن التخطيط التنموي في المحافظة يعتمد على تحديد الأولويات وفقًا لاحتياجات الوحدات الإدارية المختلفة. وأوضح المحمدي في حديثه لـ"المدى" أن "رؤساء الوحدات الإدارية يقدمون خططهم التنموية بناءً على الاحتياجات المحلية، مشيرًا إلى أن هذه الاحتياجات تتباين من منطقة إلى أخرى. فبينما تركز بعض المناطق على تطوير قطاع التربية، تولي أخرى اهتمامها للصحة أو البنية التحتية، مثل إنشاء الطرق والجسور".
وأشار المحمدي إلى أن عملية تخصيص الميزانية تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة لجميع نواحي المحافظة وأقضيتها، إلا أن العام الحالي شهد تحديات كبيرة، أبرزها تأخر وصول الموازنة المخصصة للمحافظة. وأوضح أن هذه الموازنة، التي كان يُعوّل عليها لتنفيذ مشاريع حيوية، لم تُسلّم بعد، حيث استحوذت الحكومة الاتحادية عليها. وأدى ذلك إلى تعطيل خطط عديدة، ووضع مجلس المحافظة في موقف صعب أمام المطالب الملحّة للمواطنين.
رغم هذه الصعوبات، شدد المحمدي على التزام مجلس محافظة الأنبار بتقديم الخدمات قدر الإمكان ضمن الإمكانيات المتاحة. كما عبّر عن أمله في أن تشهد الأوضاع المالية تحسنًا قريبًا، مما يمكن المجلس من تنفيذ المشاريع التي تلبي احتياجات السكان وتساهم في تحسين مستوى المعيشة في المحافظة.