بغداد/ تميم الحسن
مرة أخرى، تواجه بغداد اختبارًا حرجًا لضبط إيقاع الفصائل مع التطورات العسكرية المقلقة في سوريا.
وتبدو دمشق وبعض الجماعات المسلحة في العراق تحاول جر البلاد إلى الحرب، بينما التهديدات الإسرائيلية لا تزال قائمة.
رسميًا، تحافظ بغداد على سياسة التوازن حتى الآن، على الرغم من تحذيرات من احتمال انتقال جغرافية الأحداث السورية إلى العراق.
قال محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة، خلال اتصال مع بشار الأسد، إن "أمن سوريا واستقرارها يرتبطان بالأمن القومي للعراق".
لكن وسائل الإعلام السورية نقلت عن السوداني تصريحًا آخر، أظهر فيه دعم بغداد لدمشق، وهو ما لم يذكر في البيان الرسمي العراقي.
الإعلام السوري قال إن السوداني أكد على "استعداد العراق لتقديم كل الدعم اللازم لسوريا لمواجهة الإرهاب وتنظيماته كافة".
وأضاف السوداني، بحسب الإعلام السوري، أن "العراق متمسك باستقرار سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها".
وكان الجيش السوري قد أعلن يوم السبت انسحابه من مدينة حلب – ثاني أكبر المدن السورية – عقب التصعيد المفاجئ بين الجيش السوري والفصائل المسلحة، الذي بدأ الأسبوع الماضي، فيما أشار إلى التحضير لهجوم مضاد.
ونقلت منصات تابعة للفصائل رواية الإعلام السوري حول دعم السوداني لـ"الأسد"، بينما تجاهلت البيان الرسمي العراقي.
بالمقابل قال وزير الخارجية فؤاد حسين، أن العراق "متضامن" مع سوريا في مواجهة الإرهاب.
وذكر بيان للوزارة خلال اتصال حسين مع وزير الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية، بسام صباغ، ان العراق "متضامن مع سوريا في مواجهة المجاميع الإرهابية".
وأكد أن "زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا تشكل تهديداً لأمن المنطقة بشكل عام".
وكان نوري المالكي قد ذكر في 2021، بانه اثناء رئاسته للحكومة وقف ضد مشروع دولي لإسقاط "الأسد".
وذكر رئيس الوزراء السابق، بانه كان سيأخذ الجيش العراقي ويقاتل لحماية الأسد من السقوط.
ويقول مصدر سياسي قريب من الفصائل إن "الخطر في سوريا الآن أشد من إسرائيل".
المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ(المدى) أن "سوريا قريبة من العراق، وهناك مقدسات يجب حمايتها، كما يمكن أن تدخل هذه الجماعات الإرهابية إلى العراق".
وجاء التصعيد الأخير في سوريا مع تهديدات واشتراطات أمريكية على العراق بـ"تقليص النفوذ الإيراني" و"منع نشاط الفصائل" لتجنب الضربة الإسرائيلية.
لكن عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، تصر على أنها ستشارك في الحرب في سوريا لـ"الدفاع عن السيدة زينب".
وقال رئيس كتلة صادقون البرلمانية (الجناح السياسي لعصائب أهل الحق)، حبيب الحلاوي، في تدوينة على حسابه بمواقع التواصل، إن "ما يجري في سوريا يكشف بوضوح عن محاولات المجاميع الإرهابية للعودة مجددًا، مدعومة بتخطيط أميركي وصهيوني يسعى لإعادة الفوضى وتنفيذ أجندات تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي".
وأشار إلى أن "سلاح هذه المجاميع أصبح أداة صهيونية تُستخدم لضرب محور المقاومة وزعزعة استقرار المنطقة".
وأعلنت الفصائل السورية "بسط السيطرة" على مطار حلب الدولي، فيما أكدت واشنطن للرئيس السوري بشار الأسد أنه فقد السيطرة على حلب بسبب اعتماده على روسيا وإيران.
وأفاد رئيس كتلة صادقون بأن "أي تهديد لمقام السيدة زينب ليس مجرد اعتداء على موقع مقدس، بل هو استهداف لكرامتنا ومبادئنا"، مستدركًا: "ليعلم المتآمرون أن هذا المقام سيبقى عصيًا، لأن إخوة زينب، الذين نذروا أرواحهم في سبيل الحق، لن يسمحوا لأي يد آثمة بالمساس به".
وكان الأمين العام لكتائب سيد الشهداء، أبو آلاء الولائي، قد أعلن استعداد الكتائب وجهوزيتها للذهاب إلى سوريا والقتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد الفصائل المسلحة.
واتهم الولائي، في تدوينة، تركيا بالسعي، إلى جانب إسرائيل، لزعزعة أمن واستقرار سوريا، مهددًا أنقرة بقطع العلاقات التجارية للعراق معها.
وكانت بغداد، قبل أسبوع، قد حذرت الفصائل من التورط في الحرب في المنطقة بعد تزايد التهديدات الإسرائيلية.
ويرى المصدر السياسي القريب من الفصائل: "لو كنا (المقاومة العراقية) نستهدف إسرائيل تجنبًا لسيناريو لبنان، فمن باب أولى الآن الدفاع عن العراق من داخل جارتنا سوريا".
وكانت الفصائل العراقية قد شاركت في عام 2011 في الحرب السورية ضد فصائل جهادية، قبل أن يظهر "داعش" ويكسر الحدود في صيف 2014 بين البلدين.
وترتبط سوريا مع العراق بحدود تمتد لأكثر من 600 كيلومتر، فيما أكدت القيادة العسكرية إغلاق الحدود "بشكل تام".
وحذر خبراء عسكريون في وقت سابق، في تصريحات لـ(المدى)، من احتمال وصول المسلحين إلى العراق.
كما أشاروا إلى خطورة وجود "6 مخيمات لجماعة داعش" على الحدود مع سوريا.
تغيير النظام السوري
وفي الأثناء، يرى غازي فيصل، وهو دبلوماسي سابق، أن الأوضاع في العراق تختلف عن عام 2014، وقت ظهور تنظيم "داعش".
لكن رغم ذلك، يقول فيصل لـ(المدى): "إن فصائل عراقية تريد أن تشارك في الأحداث في سوريا وسط توقعات بتغيير النظام السوري".
وأكد الدبلوماسي السابق أن الفصائل المسلحة، التي ظهرت وتمددت بسرعة وفاجأت الجيش السوري والقوات الروسية، ظهرت في وقت تعاني فيه إيران من مشكلات في سوريا كما في لبنان، فهي في طور الانسحاب من هذه المنطقة بعد الحرب الصعبة في لبنان وغزة.
وأضاف: "هناك اتجاهات لفصائل راديكالية نحو محاولة المشاركة مع الجيش السوري لمواجهة الفصائل التي تتمدد إلى دمشق، وهناك قوى متحالفة مع المعارضة من داخل النظام السوري، بجانب الدور الإقليمي ورضا دولي عن تغيير النظام في سوريا، طبقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2245 وإجراء إصلاحات جذرية دستورية وسياسية".
وتابع: "وهذا لن يمنع ذهاب عدد من الفصائل العراقية، بطريقة رسمية أو غير رسمية على الأغلب، إلى المناطق السورية والمشاركة في العمليات هناك".
وبيّن فيصل أن "الرئيس السوري طالب الفصائل العراقية بالدفاع عن سوريا وعن النظام السوري، وهناك رضا من قبل بشار الأسد ودعوته للفصائل، وهناك دوافع عقائدية وستراتيجية لتورط الفصائل أكثر في هذه الحرب".