بغداد / محمد العبيدي
ما يزال قانون العفو العام يحظى باهتمام الشارع العراقي، على أمل إنصاف الأبرياء، والتخفيف من أزمات السجون لكن القانون الذي شهد الكثير من التأجيلات طوال السنوات الماضية يواجه عقبات جوهرية تعطل تمريره.
وكان من المقرر أن يصوت مجلس النواب على القانون في الجلسة التي كانت محددة يوم الأحد، غير أن الخلافات السياسية دفعت لتأجيل الجلسة إلى الاثنين.
وقال مصدر مطلع في البرلمان لـ(المدى) إن "جوهر الخلاف يتمحور حول المادة الرابعة من القانون، التي تتعلق بتعريف الانتماء إلى التنظيمات الإرهابية، فهذه التنظيمات قُسمت إلى نوعين رئيسيين: الأول يتعلق بالفترة التي سبقت عام 2007، والثاني يشمل تلك التي ظهرت بعد عام 2014".
وأضاف المصدر، أن "مسودة القانون استثنت المتورطين بنحو 20 نوعاً من الجرائم الخطيرة، من بينها الجرائم الإرهابية، جرائم الاغتصاب، زنا المحارم، الاتجار بالبشر، والخطف"، مشيرًا إلى أنه "بحسب الصيغة الحالية، سيطبق القانون على الأحكام الصادرة بين عامي 2016 و2024، فبينما يُسمح لمتعاطي المخدرات بالاستفادة من العفو، يستثني تجار المخدرات".
المخبر السري
وبالإضافة إلى ذلك، ينص القانون على إعادة التحقيقات والمحاكمات بشكل إلزامي في القضايا التي اعتمدت على معلومات المخبرين السريين فقط.
ويرى أعضاء في مجلس النواب أن هذا البند يمثل خطوة نحو تحقيق العدالة، خاصة للمتضررين من التهم الكيدية والوشايات التي لم تستند إلى أدلة قانونية، في وقت يحمل إقرار القانون العديد من الفوائد التي تنعكس إيجاباً على ملفات شائكة، أولها أزمة اكتظاظ السجون، حيث يمكن أن يخفف العفو من الأعداد الكبيرة للمعتقلين.
ويرى الخبير في الشأن القانوني علي التميمي أن "تشريع قانون العفو العام أصبح ضرورة ملحة في ظل الأعباء الاقتصادية التي تواجهها الدولة، حيث أن تكاليف إطعام وعلاج السجناء واستهلاك الكهرباء والماء، مع ارتفاع سعر الدولار وانخفاض أسعار النفط، تشكل عبئًا كبيرًا على موازنة الدولة".
وأضاف التميمي لـ(المدى) أن "إقرار هذا القانون لا يخفف فقط من الأعباء المالية، بل يساهم أيضًا في معالجة شبهات الفساد المرتبطة بالسجون، ويقلل من المخاطر الأمنية التي قد تواجهها هذه المؤسسات في ظل التحذيرات من عودة تنظيم داعش واحتمالية تعرض السجون لأعمال إرهابية كما حدث في سجن بادوش".
وأشار إلى أن "العديد من السجناء الشباب كانوا ضحية ظروف اجتماعية وضغوط إرهابية، مما يجعل العفو فرصة لإعادة دمجهم في المجتمع وتقليل احتمالية استغلالهم من قبل الجماعات المتطرفة".
خلافات سياسية
ورغم ذلك، لا يخلو القانون من جدل وترقب، حيث تعلو المطالب بضرورة إعادة التحقيق مع السجناء الذين انتُزعت اعترافاتهم تحت الإكراه أو التعذيب، وهو ما وثقته تقارير طبية صادرة عن وزارة الصحة.
وتطالب القوى السنية بإقرار القانون كجزء من الاتفاقات السياسية لتشكيل الحكومة الحالية، معتبرةً أنه خطوة ضرورية لإنصاف الأبرياء الذين اعتُقلوا بناءً على تهم كيدية أو اعترافات انتُزعت تحت التعذيب.
في المقابل، تبدي بعض القوى الشيعية تحفظات على القانون، خشية أن يؤدي إلى إطلاق سراح مدانين بجرائم إرهابية أو فساد مالي، على سبيل المثال، شدد زعيم ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، على ضرورة استثناء المتهمين بقضايا الإرهاب والفساد من أي عفو عام، مؤكداً أن المصلحة الوطنية تقتضي عدم التنازل عن محاسبة من أسماهم بـ"الذين مارسوا القتل والإرهاب وأربكوا البلد".
ودعا رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، الكتل السياسية للتصويت على قانون "العفو العام".
وقال المشهداني في تصريح صحفي، قبل تأجيل جلسة الأحد، إن "واجبنا الشرعي والإنساني، يحتم علينا التصويت على قانون العفو العام نصرة للمظلومين واستجابة للشارع العراقي الذي ينتظره بفارغ الصبر".