متابعة: المدى
يشارك فيلم (أناشيد آدم) للمخرج العراقي عدي رشيد في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي بنسخته الرابعة والذي بدأت فعالياتها وتستمر حتى الرابع عشر من هذا الشهر.
وكاية الفيلم تتعلق بآدم، في الثانية عشرة من عمره، يحاول إيقاف مرور الزمن بداخله، بينما يستمر في مراقبة مروره الصاخب في حياة المقربين من حوله.
ففي قرية نائية على ضفاف نهر الفرات في وادي الرافدين؛ يحاول آدم، وهو صبي في الثانية عشرة من عمره، إيقاف مرور الزمن بداخله. ثلاثة فقط لم يشككوا بقدرته على المضي بقراره؛ إنكي الصديق الدائم لطفولته، وأخوه الأصغر علي وكذلك إيمان؛ ابنة العم التي سوف يربك قرار آدم كل أحلامها في أن تكون شريكة لمستقبله.
ينظر أهل القرية إلى آدم بريبة وهم يراقبون السنين وهي تمر بالقرب منه دون أن تَمسّهُ. وعندما تضرب السوسة محصول الموسم الثاني على التوالي؛ يؤمن من في القرية بأن لعنة ما قد تلبست آدم وبأنه السبب الرئيس في الخراب الذي يحل على أرض أجداده. ينتهي هذا بـأن يسجن آدم في حظيرة عتيقة معزولة ولأكثر من اثنتي عشرة سنة.
سجيناً في الطولٌة العتيكة؛ وعبر تكامل سحري بين البراءة والإثارة؛ يمر الزمن قرب آدم دون أن يمسّهُ. بينما يستمر في فعل مروره على الشخصيات وعلى المكان على حد سواء. تحوّل السنين إنكي، والذي كان قد عُين حارساً على باب سجن آدم، إلى راعٍ حذر لـطفولة آدم؛ ودون أن يسمح للبلوغ فيه أن يستلب طفولة دفينة فيه يُحييها آدم في كل يوم من أيام صداقتهما.
يراقب علي سنوات عمره وقد تساقطت أمامه واحدة تلو الأخرى وهو يبدو عاجزاً عن الانسجام مع شيخوخته، فيبدأ إحساسه بالخذلان يتفاقم، وهو يفشل في التمييز بين صورة أخيه الأكبر، وتجسيد تلك الصورة لطفولة يخسرها كل يوم. كذلك إيمان العاشقة والتي تختلط السنوات على شيخوختها وهي على فراش الموت.
مدركاً بمدى ارتباط نهاية الأحلام بمجيء ساعات النهار، يشهد آدم موت إنكي الذي كان قد بلغ عامه الثمانين؛ ملبياً رغبة صديقه الأخيرة؛ يضع آدم جثة إنكي في قارب صيد صغير ليقطع به نهر الفرات نحو البحر جنوباً.
يتوقف آدم على جرف نهر الفرات، مستمعاً لأصوات طفولته الدائمة؛ حيث ينعدم فيها الخط الفاصل بين الحلم والواقع.
يقول المخرج عدي رشيد: كــعراقي؛ ما افهمه عن الطفولة هو ما عشته منها؛ حرب وعدد من الأمنيات التي لم تتحقق. كإنسان أفهم تماماً أن الطفولة هي في لحظة مواجهة مستمرة مع عالم البالغين. وبين هذين المفهومين يتمركز ما احاول ان اتفحصه في أنَاشِيْدُ آدَمَ.
درامياً؛ ;كُنت قد أسست للحبكة عبر قرار يتخذه آدم بأن لا يغادر سن الثانية عشرة من عمره محتفظاً بصباه. بينما أخيه الأصغر علي ينمو ويكبر متجاهلاً طفولته ويبقيها منطقة هشّة في الذاكرة. قرار ادم هذا، سوف يؤثر وبشكل حتمي على علاقة الاخوة ببعضهما البعض وعلى مستقبل كل من منهما على حدة كذلك على علاقتهما معاً في مواجهة من حولهم.
هنا وانا احاول ان ادفع بالطفولة، عبر ادم، في مواجهة لا تبدو منتهية وغير مضمونة النتائج مع عالم البالغين. وجدت ان انطلاقي من فرضية غير عقلانية " قرار آدم بإيقاف الزمن فيه " سوف يحتم عليّ تبنى سرداً واقعي دون محاولة شرح سريري للكيفية التي سوف ينفذ بها آدم قراره.
وبهذا فقد اكتملت الخطوط العامة لتأسيس النسق الدرامي الذي ابحث عنه لسرد حكاية الاخوة عبر ستة مراحل متسلسلة (يبدأ النسق في السنة 1946 وينتهي في السنة 2014) كل مجتزأ سوف يحاول أن يرصد تحول زمني - درامي يترجم إصرار آدم في تمسكه بطفولته.
كذلك سوف يعرض أثر الزمان على المكان و المتغيرات فيه و لتي بالنتيجة سوف ترسم لنا شكل الحياة التي عاشها ويعيشها آدم كصبي في الثانية عشرة من عمره في حدود البقعة الجغرافية الخصبة والمطلة على نهر الفرات من جهة وصحراء المنطقة الغربية الممتدة نحو المساحة الأكثر عطشاً والأكثر قسوة (الربع الخالي) من جهة ثانية.
المكان والفترة الزمنية في الحكاية قد لي فرصة هائلة لتقديم صورة معمقة لشكل حياة آدم و علي و باقي الشخصيات.
انفتاح سعة المكان: الريف و الأفق و السماء الصافية على سعة الزمن (زمن الحكاية يقترب من سبعين سنة) قد وفر بعداً ملحمياً، انا مؤمن تماماً بان الحكاية بحاجة ماسة إليه كي يكتمل التأثير الذي ابحث عنه، والذي يتلخص ببساطة في أن اوفر للمشاهد كل ما يحتاجه ليتماها مع طفولة آدم كونها هي حياته التي استمرت لما يقارب الثمانين عاماً.
كان هدفي الأسمى في مرحلة ما بعد الإنتاج هو تعضيد كل ما أنجز في فترة التصوير من النواحي الدرامية، النفسية والإنتاجية عبر التأني الدقيق في تركيب الفيلم و التأليف الموسيقي له. كل هذا ين بلوغ يرتبك أمامها كل يوم.
وعن الإنتاج يقول المخرج رشيد: كنا قد بدأنا بـ الانتاج خلال جائحة كوفيد-19 بفريق عمل كان قد امتد من نيويورك، أمستردام فيينا إلى بغداد. وامتد البحث عن مواقع التصوير إلى أكثر من تسعة قرى في شمال غرب العراق قبل أن يستقر في ريف قضاء هيت في محافظة الأنبار. وفي الوقت نفسه، التقى فريق اختيار الممثلين بأكثر من 800 موهبة ووظف أكثر من 40 دورًا ناطقاً.
في مارس 2022، بدأ التصوير الفعلي في ذات القرية التي كانت تحت سيطرة داعش في قريب مضى. خاض فريق الإنتاج تجربتين في نفس الوقت: الأولى إنتاج الفيلم، والثانية مراقبة عودة الحياة بعد أشهر عديدة من ظلام الإرهاب في تلك القرى الممتدة على ضفاف نهر الفرات.
استغرقت فترة الإنتاج ثلاثة أشهر متواصلة في 26 موقعًا - حاول خلالها فريق العمل التكيف مع العناصر البيئية الشرسة والغير متوقعة وتسخيرها لخدمة الصورة.
(أناشيد آدم) لعدي رشيد يمثل العراق في مهرجان البحر الأحمر
نشر في: 5 ديسمبر, 2024: 12:24 ص