علاء المفرجي
لقائي الأول بالمخرج العراقي قيس الزبيدي كان في مهرجان الخليج عام 2009، عندما شارك فيلم له في هذه المسابقة، واتصلت به قبل عامين، وكان لي حوار طويل معه، نشر في (المدى)، ولم ينقطع تواصلي معه، بل استمر في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى رحيله الى الرفيق الأعلى الأسبوع الماضي.
قيس الزبيدي ليس مخرجا حسب، بل يرتبط بأسمه الكثير من الإنجازات السينمائية، لعل مؤلفاته التي وضعها في التنظير للسينما، والتي جعلت منه منظرا كبيرا في السينما وخاصة الوثائقية منها، هذا فضلا عن إنجازه الأهم، وهو مساهمته في وضع اللبنات الأولى للسينما الفلسطينية، مع زملائه العراقيين قاسم حول ومحمد توفيق. التي أثمرت عن مؤسسة السينما الفلسطينية.
قال لي الزبيدي في هذا الحوار: أغلب أفلامي في سوريا كانت عن القضية الفلسطينية، أيضا في ألمانيا. ولطالما جرى وصفي بأنني فلسطيني الانتماء. ففي إحدى المهرجانات صدر كتاب لتكريمي بعنوان "عاشق فلسطين". والحقيقة أنني أتضايق من وصفي كسينمائي عراقي، فأنا لم أصور حتى صورة فوتوغرافية واحدة في العراق.
كانت البداية أثناء عملي، حيث عملت في المؤسسة العامة للسينما، مساهمتي الفنية في المونتاج في فيلم "أكليل الشوك" لنبيل المالح، غير أني بعد أن توقفت عن العمل في المؤسسة بعد شهر، أتيحت لي الفرصة لاحقاً في التلفزيون العربي السوري لإخراج الفيلم التسجيلي"بعيداً عن الوطن" الذي أصبح عنوانه عنواناً لحياتي، بعيداً عن وطني العراق، وبعد فترة طويلة صعبة، عدت للعمل في المؤسسة كمشرف على قسم المونتاج، وأنجزت أول فيلم روائي تجريبي قصير هو "الزيارة" كما ساهمت أيضاً بالسيناريو والتصوير والمونتاج في ثلاثية "رجال تحت الشمس" وهي ثلاثية وضعت البداية لنوعية جديدة من الأفلام السينمائية السورية ونال في قرطاج الجائزة الفضية.
وُصف فيلم "بعيداً عن الوطن"، 1969، الذي يعتبر من أوائل أفلامك عن فلسطين، بأنه فيلمٌ بلغة سينمائية تعامل مع مفهوم الزمن واللقطة والتتابع الزمني بشكل جديد وغير مسبوق، لماذا فكرت بصناعة أفلام عن الفلسطينيين؟ هل كانت هذه المحاولة الأولى وتم إنتاجها أم أن هنالك محاولات سابقة لم تتم؟ وبأي ظروف أنتج الفيلم؟
نظرا لأني أردت أن أصل بالموضوع الفلسطيني إلى محافل دولية ومهرجانات. بدأت بموضوع عن الطفل الفلسطيني في "بعيدا عن الوطن". وكما اعتقدت فأن اللجوء إلى الطفل الفلسطيني كمادة في معالجة سينمائية هو محاولة الاقتراب من المأساة الكبيرة عبر رصدها فيما هو يومي. بمعنى إن هدفي كان التعبير عن المأساة في رصد اليومي في حياة طفل المخيم، والأصح طفل الخيمة، لأن وضع الخيمة مؤقت بينما وضع المخيم هو دائم.
يتخذ الفيلم من الأطفال في مخيم سبينه، الواقع قرب دمشق والذي يعيش فيه اللاجئون الفلسطينيون منذ سنة 1948 والنازحون منذ سنة 1967، مادته الأساسية. فيكشف عن مظاهر الحياة داخل المخيم، وعن آمال الأطفال الفلسطينيين وأحلامهم. أطفال من مخيم للاجئين وضعوا تحت المراقبة وهم يلعبون ويعبرون عن رؤيتهم.
لاحظت من خلال "بعيداً عن الوطن" إن أطفال الفيلم، في مخيم سبينة (الموجود جنوب دمشق العاصمة السورية) عندما أخذتهم في أكثر من محاولة لاستديو الصوت في دمشق ليشاهدوا رشس اللقطات التي صورتهم صورهم وصور مخيمهم، وهي أول مرة يشاهدوا فيلما في حياتهم، راحو يحاوروا الشاشة مباشرة. بينما مهندس الصوت يسجل تعليقهم على الصور. وبما إن تقنية تسجيل الصوت مباشرة مع الصورة لم يكن متوفرا في سوريا،عليه استخدمت تعليقهم على صور الفيلم، وكان هذا أحد الأسباب في فوز الفيلم بجائزة الحمامة الفضية في مهرجان لايبزغ السينمائي الدولي، 1969؛ علما إنها المرة الأولى التي كان فيها يفوز فيلم تسجيلي سوري بجائزة في مهرجان! إضافة إلى حصول الفيلم بجائزة التقدير الوحيدة للجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي لسينما الشباب، 1972.