أحمد عبد الحسين
أزعم أن لي معرفة بالشأن السوريّ. فأحببتُ أن أسأل هذه الأسئلة التي قد تبدو ساذجة. وليكن. السؤال الساذح يمكن أن يكون مفتاح معرفة.
ما الذي كان يفعله هذا الرجل؟
لن أقول: ما الذي كان يفعله منذ وفاة أبيه في سنة 2000 ومبايعته رئيساً أبدياً لسوريا؟ لكني ساسأل: ما الذي فعله منذ 12 سنة فقط، اي منذ أن أدرك بشكل عمليّ أن الطيف الأوسع من السوريين لا يريدون حكماً ديكتاتورياً؟
ما الذي فعله؟
هل فتح حواراً مع معارضيه؟
هل عبّر عن إمكانية ولو ضئيلة لتداول السلطة؟
هل أعطى وعداً، مجرد وعدٍ، بإجراء انتخابات حقيقية؟
هل خفف من سطوة حزبه على الناس "تخيلوا أن حزباً اسمه حزب البعث العربي الاشتراكي لم يزل يحكم في دولة"؟
هل أرخى قبضته البوليسية؟
هل تخلى عن حبس الناس من دون محاكمات لفترات لا أمد لها؟
هل قلل من أفواج عناصر المخبرين الذين يبثهم في كل مرافق الحياة في سوريا؟
هل فكّر مجرد تفكير بلجم عائلته والمقربين من عائلته ومنعهم من الاستيلاء على الاقتصاد السوري؟
هل حاول تبديد الرعب الذي زرعه أبوه في نفوس السوريين؟
جواب كلّ هذه الأسئلة كلمة واحدة: لا!
كنت في سوريا سنة 2000 حين مات الأسد الأب. رأيت أفواج الملثمين من لابسي السواد الذين نزلوا إلى الشوارع بالعصيّ في الأيدي والمسدسات على الخصور يضربون الناس دون سبب وهم يهتفون "لا تقولوا حافظ مات. . حافظ بعده بالحياة". كان إرهاباً محضاً وكانوا يريدون القول: بموت حافظ لا تظنوا أيها السوريون أن رعبكم انتهى. وفعلاً رعب حافظ لم ينته.
رأيتُ تنصيب بشار رئيساً. كانتْ كوميديا مضحكة مبكية. بثلاث دقائق غيروا دستور سوريا ليلائم عمر الرئيس الشابّ. وحين اعترض أحد النواب "كان اسمه منذر موصلي على ما أذكر" تعرض للضرب على الهواء مباشرة. كان واضحاً أنّ روح حافظ حلّتْ في جسد أطول أبنائه وأقلّهم ذكاء.
غادرتُ سوريا ـ مضطراً ـ إلى كندا بعد شهور، وكان هناك نحو من تفاؤل بما سمي بربيع دمشق. وقتها وعد بشار السوريين بانفتاح وتداول سلمي وحريات. فتح الجمعيات الثقافية ودار نقاش حرّ عن كلّ شيء. أصدقائي المثقفون السوريون كان بعضهم متفائلاً. أنا لم أكنْ كذلك لأني أعرف جوهر البعث. البعثيّ لا يشارك أحداً السلطة، هو يحتاج كلّ الناس ليصل إلى السلطة ثمّ بعد ذلك يفتك بهم. هذا هو البعث.
وفعلاً، استمر ربيع دمشق 7 أشهر فقط لا أكثر. تمكّن بشار من ترتيب بيت الحكم وقضى على مناوئيه من البعثيين القدامى فنسي وعوده للمثقفين. كانت الشرارة الأولى حين علّق على بيان للمثقفين. قال بسخرية: هل هم مثقفون فعلاً؟
وتوالتْ ردود فعل رجال الحكم:
وزير الإعلام آنذاك عدنان عمران قال إن هؤلاء أدوات الاستعمار.
عبد الحليم خدام: لن نسمح بتحويل سوريا إلى الجزائر أو يوغسلافيا!
مصطفى طلاس: أخذنا الحكم بالدم ولن نعطيه إلا بالدم!
وهكذا رجع كل شيء بعثياً كما بدأ.
كان معارضو بشار من فئتين رئيستين: الإخوان المسلمون والعلمانيون المدنيون المثقفون.
فماذا فعل بشار خلال كل السنوات الممتدة من 2000 إلى 2012؟
قضى على العلمانيين تشريداً وقتلاً وسجناً دون محاكمات وتغييباً وترهيباً. اعتقل على سبيل المثال كلاً من: مأمون الحمصي، حسن السعدون، رياض سيف، عارف دليلة، حبيب عيسى، فواز تللو، وليد البني والعشرات من المثقفين والمفكرين وأصحاب التخصصات العلمية، وترك المعارضة للإخوان المسلين فقط.
وهكذا، عملياً فإنّ بشار هو من خلق نوع وشكل معارضته، وها هو يحصد ما زرع.
مع ذلك، في سنة 2012 كانت أمامه فرصة لينجو هو وسوريا. كان عليه أن يستمع لمن بقي من مثقفي سوريا وعقلائها، لكنه مجدداً فضّل الخيار البعثيّ التقليدي فجابههم بالحديد والنار. وانقرض المعارضون ذوو الرأي. أنهاهم بشار.
واليوم جاءه معارضوه الذين ربّاهم هو بنفسه، المعارضون ذوو السلاح والعنف والإرهاب والذين لا يرون رأياً إلا وأسلحتهم مصوبة على الرؤوس، وسكاكينهم على الرقاب.
هذا ما فعله هذا الرجل طوال حكمه.
أما الحديث عن مؤامرات وصمود وتصدٍّ ومحاور فقد يكون صحيحاً لكنّ الأساس الأساس هو ما فعلته أنت مع شعبك قبل أن تنظر ما فعله الآخرون بك!
ما الذي كنت تفعله؟|