د. أحمد عبدالرزاق شكارة
ما مستقبل سوريا وسيناريو مشروع نتنياهو شرق أوسط جديد؟عقب السقوط المدوي السريع لنظام بشار الاسد في الـ 8 من ديسمبر 2024، معه انتهت ايضا الصفحة الاخيرة من حكم البعث في سوريا وقد سبقها العراق في سياق مقارب نسبيا من سياق الاحداث وطبيعة المحيط المواتي للتغيير المحتمل الذي تحقق في عام التاسع من ابريل 2003. علما بأن العراق قد احتل من الولايات المتحدة الامريكية وهذا فارق مميز. لاشك أن سقوط النظام السياسي السوري بهذا الشكل لم يكن مفاجئا كليا في التوقع او التصور العام للنخب السياسية الواعية في سوريا خاصة وأن انتفاضتها الشعبية السابقة في عام 2011 وصلت لمديات مهمة نسبيا ولكنها أجهضت في مرحلة معينة عند محيط منطقة حمص ومن ثم في دمشق. إن الثورة الشعبية التلقائية السورية وإن لم يحالفها النجاح سواءا بسبب عناد النظام واستخدامه اقصى اساليب الارهاب والعنف و كذا بإنتمائه لحلف استراتيجي مع كل من ايران وروسيا وبالضرورة مع حزب الله وغيره من التنظيمات الاسلامية يمكن أعتبارها من مبررات اخرى تتعلق بطبيعة الوضع الجيوسياسي للمنطقة ككل والتداعيات المحتملة الامر الذي يستوجب معرفة طبيعة السيناريو الامثل لمواجهة مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يتبناه نتنياهو وغيره من التيار المتطرف بل وحتى ما يعرف بالمعتدل بهتانا وزورا في تاسيس" اسرائيل الكبرى من النيل للفرات؟؟ . إن كل من قرأ طبيعة الاوضاع الجيوسياسية والداخلية بتمعن ودراية أوعمق لابد أن يتصورويتوقع أن سقوط نظام الاسد آت لامحال طال الزمن أم قصر إذ سعي النظام الفردي طيلة نصف قرن أو اكثر لكل من حافظ الاسد ونجله بشار الاسد بأتجاه تأسيس دولة سورية شديدة المركزية تستخدم كل ادوات القمع السياسي – الاجتماعي – الاقتصادي والامني والاعلامي - الثقافي في خدمة ثلة محدودة جدا تدعي زورا وبهتانا تمثيلها (العلويون) على حساب شرائح اخرى تمثل طيفا عريضا تعدديا للمجتمع السوري تماما كما الامر في العراق" موزائيك ثقافي -حضاري ". علما بإن جميع الشرائح المجتمعية على مساحة الارض السورية جميعها تنتمي للهوية الوطنية اساسا.
من هنا، استطيع التاكيد أن من يمثله الاسد ونظامه البائس مثل هوية مصطنعة لا تعكس سورية وعمقها الثقافي - الحضاري والامر لايعدو أن يكون(الاسد - عائلته) ونظامه السياسي يمثل مصالح الدكتاتور الشخصية - العائلية تماما كما الامر في العراق حتى عام 2003. لعل ما جرى في العراق في ظل حكم النظام الاستبدادي القمعي الدموي لنظام صدام حسين لايختلف شكلا ومضمونا عن ما جرى طوال حكم الاسد طويل الامد. لعل ما اعلنته تونس من موقف سياسي تجاه احداث سوريا الجيوسياسية التي بمثابة تغيير جيوسياسي حيوي مماثل لما اعلن قبل عددا من الانظمة السياسية العربية عقب حدوث مثل هذا الحدث الجلل الذي يفتح الآفاق على متغيرات وتغيرات على صعيد منطقتنا العربية من المشرق إلى المغرب العربي حيث دعت إلى "ضرورة تامين سلامة الشعب السوري والحفاظ على الدولة السورية دولة موحدة كاملة السيادة بما يحميها من خطر الفوضى والتفتيت والاحتلال".كما عبرت الخارجية التونسية عن رفضها أي" تدخل اجنبي في شؤون سوريا " مذكرة" بموقفها الثابت المتعلق بضرورة التفريق بين الدولة من جهة، والنظام السياسي القائم بداخلها، من جهة أخرى ". علما بأن اعلان تونس لم يغفل عن تأكيد أهمية التعشيق في علاقة الشعبين التونسي والسوري من منطلق انساني اساسا وهذا ما يجب أن ينال مسار التقارب الجدي الطيب بين جميع الدول العربية والاسلامية وشعوبها الاصلية.
بيت القصيد في تقديري المتواضع في سوريا ـ العراق وفي عموم العالم العربي يجب أن ينطلق ن وضع ملف حقوق الانسان وحرياته الجوهرية على رأس اولويات النظام السياسي السوري الجديد والانظمة السياسية العربية - نافذة جيوسياسية حيوية لترتيب وهيكلة الاوضاع الداخلية والخارجية - مسألة لايمكن التهاون معها دونها سنشهد مخاطر التدخل الخارجي المؤذي لمصالحنا الاساسية سواءا من القوى الطامعة او الطامحة بنفوذ لها في مشرقنا ومغربنا العربيين او من قبل أن يكون وكيلا لها ينفذ أجندات تنحو أن تكون في الغالب الاعم خاصة. ملف لا يختلف عليه في الشكل ولحدود محدودة في المضمون الكثير عما تؤكد عليه كل الدول العربية والعراق من ضمنها في سياساتها المعلنة من أن حقوق الانسان وحرياته الاساسية يجب الحفاظ عليها بل وتنميتها برغم اية متغيرات استراتيجية لها استدعتها الاحداث وتداعياتها. إن النجاح في خطوات وإجراءات حماية حقوق وحريات الانسان هي جزء من سياق عالمي يفترض أن تعتمد على ترجمة المقترحات والسياسات" الحقوقية - الانسانية " بشكل يبلور الاستدامة والازدهار لحقوق تنموية أنسانية مستدامة. انطلاقا من قوة البيوت الداخلية لإنظمتنا وحصانتها التي ستدفع بالضرورة لخلق دول المؤسسات والمواطنة - المدنية الحقة بعيدا عن التوافقات السياسية التي هدفها الاعلاء من شأن المحاصصة وفقا للانتماءات الثانوية واضعين نصب أعيننا وسياق تفكيرنا السليم الاهتمام بالمواطن ومصالحه تلبية لحقوقه وحرياته الجوهرية في المقام الاول وهذا ما نعني بدور النخبة الواعية من المثقفين" الكتلة الحرجة للتغيير " التي اكدتها مرجعية العراق الرشيدة للسيد علي السيستاني في آراء حكيمة ادلى بها في مناسبات عدة ومنها تلك التي وردت في مقابلة مع ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق مؤخرا التي من خلالها بدى واضحا أن مثل هذا التغير الستراتيجي السياسي يجب ان ينضج في تقديري المتواضع مشروعا ثقافيا استراتيجيا يؤكد اولوية العراق في الارتقاء بمعادلات القوة بمفهومها الشامل بعيدا عن دور ما يعتبر القوى العميقة إتساقا مع أولوية الاهتمام بالامن الوطني العراقي من جهة معززا بالاهتمام بمسارات تدعم الامن في منطقتنا العربية التي تعيش على صفيح ساخن من خلال إنعاش أو تفعيل دور دولة المؤسسات بهدف الردع الستراتيجي لمواجهة مخططات مشروع القيادة الصهيونية الذي ما فتئ يكرره نتنياهو وعصبته المتطرفة لرسم خارطة جديدة لشرق اوسط جديد من خلال حسابات جيوبولتيكية للقوة العسكرية فقط دون أي أهتمام بالاوضاع الانسانية اوبمصالح منطقتنا لإحلال السلم والامن والتقدم المجتمعي - الاقتصادي والثقافي - الاعلامي.
إن القبول بسوريا ضعيفة و سيناريو دولة منزوعة السلاح وكذا بمنطقة للمجال الحيوي لتحرك اسرائيلي جيوسياسي دون أي رادع عربي او رادع دولي يمثله دور للمجتمع الدولي ممثلا بالامم المتحدة وبالقوى الدولية التي تستشعر الاخطار يستوجب من أنظمتنا العربية والنظام الدولي عموما أن تدرك أن فراغ القوة العسكرية - الامنية في عالمنا العربي من مشرقه ومغربه سيسمح لاسرائيل بممارسة دورجيوسياسي يوفر ويؤمن مصالحها على حساب الدول العربية. لن أدخل في تفاصيل اخرى حاليا لمناقشة الوضع في العراق او في سوريا تاركا الامر لدور النخب الواعية للاستماع لآرائها بعيدا عن الادلجة االسياسية - الدعائية.
ادرك أن مسار العراق اولا تعني ليس فقط الاهتمام بجملة مشتركات حيوية مع عالمنا العربي ومنها بناء قوة ذاتية عربية تنموية أنسانية حضارية ليس هدفها الهجوم او التدخل في شؤون الدول الاخرى بل بل في الحدود المقبولة توفير سياج للدفاع عن السيادات الوطنية إذا امكن في إطار نماذج مماثلة نسبيا نجحت في مناطق المحيط الاوروبي والآسيوي وغيرها من مناطق المعمورة التي لاتهمل الاهتمام بألامن بمفهومه الشامل في حقول الحياة الانسانية والستراتيجية كلما أمكن ذلك مع عين على متابعة وتحليل موضوعي للمتغيرات السريعة الايقاع في الفكر وفي المنجزات الانسانية. الامر الذي يستحق من الجامعة العربية ومنظمات اخرى مثل منظمة التعاون الاسلامي ومن الامم المتحدة أن تبلورجلسات استماع ومناقشة جدية تنتهي لسياسات حقيقية قابلة للتطبيق هدفها ليس فقط بناء أنظمة اقليمية مستقرة بل والاهتمام بناء مجتمع دولي واقليمي آمن مستقر ينحو بإتجاه التنمية الانسانية المستدامة. لعل مسؤوليتنا الانسانية - الوطنية تدعونا كنخبة مثقفة واعية أن نستلهم ادوارا حيوية في اطلاق حملة واسعة للتوعية الفكرية والثقافية تاخذ دروسا من محن الماضي مرورا بوقائع الحاضر المعقد والغير متيقن من تداعياته عبرا لبناء عالم عربي جديد يهتم بمصالحه الستراتيجية بعيدا عن أي مشروع في المضمون استعماري يكرس الاستيطان الصهيوني او غيره من انواع اخرى من مشاريع لاعلاقة لها بالتنمية الانسانية - الحضارية المستدامة.