TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: دولة مدنية

العمود الثامن: دولة مدنية

نشر في: 17 ديسمبر, 2024: 12:05 ص

 علي حسين

غالبية الأحزاب الدينية في العراق تحلم بأن تستيقظ غدًا، لتجد أن العلمانيين ومن جاورهم قد تبخروا من الوجود، وأصبحوا نسيًا منسيًا.
في كل يوم تزيد حماستهم بالنيل من القوى المدنية، إلى درجة أن أحدهم خرج علينا يومًا ليقول، بالحرف الواحد، "لقد سحقنا التيار العلماني وسيظل تابعًا للتيار الديني إلى أمد بعيد"، وكان صاحب هذه المقولة يشغل أعلى منصب في السلطة التشريعية وأعني به رئيس مجلس النواب محمود المشهداني الذي استيقظ ذات يوم ليعلن إقامة ولايته "القندهارية".
وظل قياديون ومسؤولون يسخرون من مصطلحات، مثل دولة المواطنة، والقوى المدنية، والحريات، باعتبارها تمثل فكرًا انهزاميًا، ولا تزال كلمات السيد نوري المالكي التي قال فيها إن حزبه استطاع أن يدحر الملحدين والعلمانيين وسنهزم الحداثويين وننتصر عليهم، ماثلة في الذاكرة.
صار الحديث عن "العلمانية" نغمة يستخدمها البعض ليثبت أنه يفهم في السياسة، فتجدهم وهم يشاركون في دراما السلطة ومنافعها يصوبون مدافعهم باتجاه الحياة المدنية في العراق. للأسف يُدخلنا بعض الساسة كل يوم في أتون حرب جديدة المفاجأة فيها، أن العدو لم يكن تنظيم القاعدة، وإنما "العلمانيون الذين يتجرّأون على إقامة فعاليات ثقافية وفنية".
يكتب نصر حامد أبو زيد في نقده للخطاب الديني السائد، عن الخلط الستراتيجي المعتمد في المفاهيم، حيث يحاول المحافظون والإسلامويون تضليل البسطاء بأن العلمانية تعني فصل العقيدة عن الحياة والمجتمع، وبذلك يصورون للرأي العام المتأثر بالخطاب الديني السائد أن العلمانية، مطابقة للإلحاد، ويطرح أبو زيد مفهومًا للعلمانية ليس ضد الدين، وإنما ضد هيمنة الدين على كل المجالات، والمقصود هنا بالتحديد تقليص السلطة السياسية لرجال الدين. فنحن لا نطالب بعلمنة قانون الدولة ولا نريد إبعاد الدين عن الحياة العامة، ولكننا نريد تحرير الخطاب الديني من قبضة المؤسسات والآيديولوجيات السياسية، وبذلك يؤسس لخطاب حر بعيد عن الاستغلال.
اليوم نسمع خطبًا لسياسيين ومسؤولين وكأننا نستمع لخطب "القائد الملهم"، مارشات عسكرية تهيئ الناس لحرب ضد الرذيلة وانعدام الأخلاق، وكأن العراق تحول إلى ملهى وماخور ليلي كبير، فقررت العناية الإلهية أن ترسل لنا دعاة الفضيلة وحماة الأخلاق ليملأوا الأرض عدلًا وفضيلة بعد أن ملأناها نحن الخطاة جورًا وبهتانًا.
أقرأ بتعجب ما يصرح به العديد من ساستنا وأنظر إلى وجوه البعض منهم فأجدها باهتة تفتقد الرؤية والقدرة على إلهام مجتمعهم، ساسة نشعر بالحسرة كل يوم على وجودهم بيننا، ونرفع أيدينا إلى الله داعين: اللهم ارزقنا سياسيين لا نختلف معهم على درجة تقواهم وإيمانهم، بل على درجة تمسكهم بخدمة الناس واحترام القانون وحماية أموال الشعب!.
فالمواطنون لا تشغلهم بيانات الاخلاق وافضيلة يريدون حدًا أدنى من الحياة الكريمة، وظيفة ومسكنًا ومأكلًا وأملًا في الغد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أسعار الصرف تستقر على ارتفاع: 152 ألف دينار لكل 100 دولار

العراق يعلن خروجه من مخاطر الديون الخارجيَّة

طهران: نفضل التواصل مع السلطات السورية الحالية عبر القنوات الرسمية

استئناف الرحلات الداخلية في مطار دمشق

الكتلة الهوائية الباردة تستمر بتأثيرها على العراق والأمطار تتساقط بدءاً من الجمعة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سندباد سعودي

السِّجن السّياسيّ: المطبِق وبيت البراغيث إلى قصر النّهاية وصيدنايا

العمود الثامن: أهلا بكم في الديمقراطية العراقية

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

قناطر: تحت طائرة بلنكين

العمود الثامن: اقفاص الأسد في يومها الأخير

 علي حسين كان القاص السوري زكريا تامر رئيسا لتحرير مجلة المعرفة السورية عندما قرر نشر مقطتفات من كتاب رائد التنوير السوري عبد الرحمن الكواكبي " طبائع الاستبداد " كافتتاحية عدد نيسان عام 1980...
علي حسين

قناطر: تشجير الشوارع بين الجهل والانتفاع

طالب عبد العزيز لا أحد ينكر الجهود الخدمية التي تبذلها الحكومة المحلية في البصرة، والامر أكبر من أن يشار اليه في ورقة صغيرة كهذه، والحقَّ يقال بأنَّ المدينة شهدت نهضة عمرانية وحضارية خلال سنوات...
طالب عبد العزيز

سوريا.. هشاشة الدولة وخطرالتفكيك

إياد العنبر لم تعد تطورات الأحداث في سوريا مفاجئة، وإنما باتت تثير الاستغراب. فروسيا قررت سحب دعمها لبقاء بشار الأسد في الحكم، وإيران تفكر بالتعامل مع سيطرة الفصائل المعارضة على الحكم باعتباره أصبح أمرا...
اياد العنبر

التحول الرقمي… إجراءات عقدت حياة المواطنين؟

د. كاظم عبدالزهره يمضي التحول الرقمي في القطاع الحكومي في العراق بشكل بطيء لا يتناسب مع الفجوة الرقمية التي تتسع كل يوم. وبغض النظر عن عيوب التجارب الرقمية التي طبقت في بعض الدوائر الحكومية...
د.كاظم عبدالزهره
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram