د. كاظم عبدالزهره
يمضي التحول الرقمي في القطاع الحكومي في العراق بشكل بطيء لا يتناسب مع الفجوة الرقمية التي تتسع كل يوم. وبغض النظر عن عيوب التجارب الرقمية التي طبقت في بعض الدوائر الحكومية ومدى جودتها، فأن تلك التجارب واجهت معوقات كبيرة حدت من فعاليتها حتى باتت وكأنها أنظمة تقليدية عقّدت تعاملات المواطنين.
لم تهتم الجهات الحكومية بالمعوقات التي تعيق تطبيق التقنيات الرقمية، على الرغم من توصيات المنظمات الدولية والبحوث العالمية بل والمحلية أيضا، والتي شخصت معوقات التحول الرقمي وأوصت بالعمل على تذليلها.
وتقع الأمية الرقمية التي تشكل تحديا كبير في أغلب بلدان الدول النامية على رأس المعوقات التي يعاني منها المجتمع العراقي، فأغلب الموظفين والمعلمين والمدرسين والمواطنين لا يمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع الأجهزة الذكية والتطبيقات الرقمية، وما الأمية الرقمية سوى ركن واحد من الأركان التي يتطلبها مجال (الدراية الإعلامية والمعلوماتية).
لقد أطلقت اليونسكو في بلغراد عام 2019 المعايير العالمية لوضع مبادئ توجيهية في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية، أو ما يسمى بتوصيات بلغراد التي ترمي الى القضاء على الأمية الرقمية والتي كانت عبارة عن إرشادات واقتراحات توجيهية غير الزامية.
اذ عقد 22 خبيرا في مجال الدراية الإعلامية والمعلوماتية من بلدان مختلفة اجتماعهم التشاوري حول الفضاء الرقمي. ثم شاركت أكثر من 80 دولة أخرى في مشاورات إقليمية مثلت كل العالم - منها الاجتماع التشاوري للدول العربية مع المشاركين الدوليين- كان نتاجها اصدار منشور المعايير العالمية الخاص بالدراية الإعلامية والمعلوماتية عام 2019.
وبعد مرور خمس سنوات على إطلاق تلك التوجيهات والمعايير غير الملزمة لا يجد المراقبون أثرا لها في الواقع.
فالحكومة لم تصمم البرامج والمناهج التي من شأنها القضاء على الامية الرقمية المتفشية بين أوساط موظفيها حتى في قطاع التعليم، بل إن مناهج الحاسوب المعتمدة في مدارس العراق - والتي ينبغي ان تكون منطلقا للقضاء على الامية الرقمية – هي نفسها تحتاج الى إعادة نظر بشكل جاد وسريع، مناهج مكتوبة باللغة العربية وتستخدم مصطلحات عربية وتتناول بين فصولها معلومات قديمة، ولا تقدم للمتعلمين ما يسهم في ردم الهوة الرقمية الكبيرة عند الأجيال المقبلة.
فهي لا تتناول مواضيع الذكاء الاصطناعي والتكنلوجيا الرقمية والواقع المعزز والتعلم الذاتي! وتتقيد بتقديم صورة نمطية عن الحاسوب بوصفه كمبيوتر شخصي (لابتوب أو دسك توب)، وتهمل تطور واتساع الفضاء الرقمي وشموله لجميع الأجهزة والأنظمة كالهواتف والألواح وغيرها من الأجهزة الذكية.
كما انها لم تستثمر مهارات المتعلمين التي اكتسبوها في العامل مع الهواتف الذكية وتوجهها نحو توسيع معارفهم في الفضاء الرقمي، فلا يشعر المتعلم بأي صلة بين هاتفه الذكي ومنهج الحاسوب الذي يقدم له موضوعات مغايرة.
يضاف الى ذلك معوقات أخرى أساسية مثل البنية التحتية للاتصالات والتكنلوجيا وضعف التمويل الموجه نحو الأتمتة، ومشكلة الامن السيبراني.
والإجراءات الروتينية والبيروقراطية المعقدة التي تقف في وجه مشاريع الرقمنة الجادة التي يقدمها المختصون والخبراء في مجالات عدة.
وانقطاع الصلة بين دوائر الحكومة في الوزارات المختلفة التي تسلب التكنلوجيا قدرتها على تقديم خدمات فاعلة ومؤثرة للمواطنين.
فالمواطن يحتاج الى تعريف نفسه في كل دائرة يذهب اليها ويضطر الى تقديم أوراقه الثبوتية الأساسية التي تملكها الحكومة فعلا.
إن ابسط مفهوم للرقمنة ان يكون للمواطن ملفا رقميا واحدا يضم كل شيء عنه هويته وشهاداته ووقوعاته كلها، وتكفي بصمته أو اسمه للوصول الى ذلك الملف من قبل جميع الدوائر، ولا يحتاج الى اهدار هذا الكم الهائل من الأوراق المستنسخة، ولا يحتاج الى مراجعة دائرة أخرى لإثبات صحة صدور وثائقه وينفق المال والجهد والوقت لإثبات ما تعرفه الحكومة عنه!