بغداد – تبارك عبد المجيد
تواجه محافظة الديوانية حالة من التقصير المزمن في إدارة وتطوير مشاريع البنى التحتية والخدمات العامة، مما أدى إلى تدهور ملموس في أوضاع السكان. يُعزى هذا التقصير إلى سلسلة من الأسباب المتشابكة، أبرزها غياب الرقابة الفعالة، سوء اختيار الشركات المنفذة، وضعف التنسيق بين الجهات المسؤولة عن تنفيذ المشاريع.
ورغم إطلاق مبادرات من الحكومة المركزية لتدارك الأوضاع، تظل الأزمات قائمة بفعل المحاصصة السياسية التي حولت المؤسسات الحكومية إلى أدوات تخدم المصالح الحزبية على حساب المواطنين. كما أدى تغيير القيادات بشكل متكرر، والتعامل مع المناصب الإدارية كغنائم سياسية، إلى تعميق الأزمة وفقدان الثقة في إمكانية تحسين الخدمات.
مشروع "الديوانية الكبير" وأزمة البنى التحتية
يعاني تنفيذ المشاريع الخدمية في الديوانية من تعقيدات متعددة تشمل تداخل الأعمال، ضعف الرقابة، وسوء اختيار الشركات المنفذة. وفقًا للحقوقي أحمد صقر الباشات، رئيس لجنة الطاقة والعلاقات العامة والتخطيط الاستراتيجي والدوائر العدلية في مجلس المحافظة، فإن هذه المشكلات تمتد جذورها لسنوات طويلة دون حلول جذرية تُذكر.
أوضح الباشات لـ "المدى"، أن "مشكلة البنى التحتية بدأت بشكل واضح منذ عام 2011 عندما أُسند مشروع "الديوانية الكبير" لشركة غير مختصة. ورغم نقل المشروع لاحقًا إلى شركة أخرى، لم يتحسن الأداء وظلت المشكلات قائمة". كما أشار إلى أن المشاريع الوزارية الأخرى، مثل مشاريع المجاري وتأهيل الأحياء، تعاني من نفس المشاكل نتيجة سوء اختيار الشركات المنفذة وعدم كفاءتها.
تناول الباشات قضية إسناد أكثر من 42 حيًا في الديوانية إلى شركة واحدة، وهي "الشركة الإسبانية ومباني العاصمة". وأوضح أن هذه الشركة تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة، وتواجه نقصًا في الآليات وغياب خطة عمل واضحة، مما أدى إلى تأخر التنفيذ وتذمر السكان. كما سلط الباشات الضوء على غياب التنسيق بين الشركات العاملة في المناطق المختلفة، مستشهدًا بشركة "نور الأفق" المسؤولة عن أعمال المجاري والتي لم تنسق مع الشركات الأخرى، مما تسبب في تداخل الأعمال وزيادة الاستياء العام.
وانتقد الباشات ضعف الرقابة على تنفيذ المشاريع، مشيرًا إلى أن الجهات المعنية لم تقم بمتابعة أداء الشركات بشكل كافٍ. كما وصف قرار إحالة مشاريع ضخمة إلى شركة واحدة بأنه خطأ استراتيجي، داعيًا إلى تقسيم الأحياء بين عدة شركات لتعزيز التنافسية وتحسين الأداء. وأشار إلى مشكلة حي السلام، حيث تم تنفيذ أعمال الحفر وضرب ربطات المنازل بالمجاري دون إكمال العمل، مما يثير القلق مع اقتراب موسم الأمطار.
أزمة المحاصصة السياسية
من جهة أخرى، تحدث جعفر موسى الموسوي، عضو مجلس محافظة سابق ومستشار في المجال الخدمي، عن تأثير المحاصصة السياسية على أداء المؤسسات الحكومية في الديوانية. وأكد أن هذا النظام أدى إلى تعيين شخصيات تفتقر للكفاءة في المناصب الإدارية، حيث يتم اختيار المسؤولين بناءً على الولاء السياسي بدلاً من الخبرة والكفاءة. وأوضح أن غياب الخطط والاستراتيجيات الفعالة أصبح سمة بارزة في العمل الحكومي، مما أثر سلبًا على جودة الخدمات المقدمة.
أشار الموسوي لـ(المدى)، إلى أن "العديد من الدوائر الحكومية أصبحت خاضعة لسيطرة الأحزاب السياسية التي رشحت المديرين، مما حولها إلى أدوات تخدم المصالح الحزبية". وأوضح أن الموارد المالية لتلك الدوائر تُستغل لدعم الحملات الانتخابية بدلاً من توجيهها لتطوير الخدمات العامة، مما يؤدي إلى تدهور الأداء الإداري والخدمات المقدمة.
في محاولة لمعالجة التدهور والإهمال، أطلق رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مبادرة شملت تشكيل لجان لمتابعة المشاريع المتلكئة وغير المنجزة في الديوانية. تهدف هذه المبادرة إلى إصلاح الأوضاع الخدماتية والاقتصادية المتدهورة في المحافظة، أملاً في تحقيق نقلة نوعية في واقع الخدمات وتحسين حياة المواطنين. ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة، والحاجة إلى خطط فعّالة وإدارة كفؤة أمرًا ملحًا لإنقاذ المحافظة من أزماتها المتراكمة.
تتشابك الأسباب بين صراعات الأحزاب السياسية وسوء الإدارة وضعف التخطيط في تفاقم وضع الخدمات. ويبدو أن هذه القضايا أثرت بشكل عميق على حياة المواطنين والخدمات المقدمة لهم. مصدر مسؤول في المحافظة، رفض الكشف عن اسمه، أشار إلى أن معظم الدوائر الحكومية المهمة، مثل الصحة والتربية والبلدية والمجاري، تعاني من هيمنة الأحزاب السياسية التي تتصارع على إدارتها لتحقيق مكاسب حزبية وانتخابية، مما جعل مصالح المواطنين في المرتبة الأخيرة من الأولويات.
يضيف: "هذا الوضع يتفاقم بسبب التغييرات المتكررة في المناصب القيادية، حيث شهدت بلدية الديوانية خلال السنوات الثلاث الماضية تعيين ثلاثة مدراء مختلفين، دون أن يبقى أي منهم في منصبه لفترة تكفي لتنفيذ أي خطط تنموية. من الغريب أن أحد هؤلاء المديرين، الذي أُقيل سابقًا بسبب شبهات فساد إداري، أعيد تعيينه مرة أخرى، ما يثير تساؤلات حول آليات المحاسبة والمتابعة في إدارة المحافظة".
في الوقت ذاته، يواجه مجلس محافظة الديوانية انتقادات حادة، حيث وصفه المصدر بأنه منشغل بمصالح أعضائه الشخصية أكثر من التزامه بخدمة المواطنين. وعلى الرغم من مرور أكثر من تسعة أشهر على تشكيل المجلس، لم يصدر أي قرارات أو تشريعات ملموسة تسهم في تحسين أوضاع المحافظة، مما يعكس غياب الرؤية والاهتمام بالشأن العام.
من جانب آخر، يحاول المحافظ تقديم حلول للتحديات التي تواجه المحافظة، لكنه يجد نفسه مكبلًا بسوء الإدارة وضغوط التوازنات السياسية داخل المجلس. هذه الضغوط جعلت جهوده تركز على ضمان بقائه في منصبه أكثر من العمل على تحسين الخدمات أو تنفيذ مشاريع تنموية.
الآثار السلبية لهذا الأداء الإداري تبدو واضحة في العديد من المؤسسات، ومنها دائرة ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، التي كانت ميزانيتها التشغيلية الشهر الماضي صفرًا. أدى هذا النقص في الموارد إلى عجز الدائرة عن توفير الاحتياجات الأساسية لدور الإيواء، بما في ذلك الغذاء والخدمات الضرورية، مما يعكس حجم التدهور الذي تعيشه المحافظة.
ويرى المصدر ان: "ما يزيد من تعقيد الوضع في الديوانية هو غياب أي خطة ستراتيجية واضحة لإدارة شؤون المحافظة. هذا الفراغ في التخطيط أفرز أزمات متكررة في تقديم الخدمات للمواطنين، في ظل استمرار التلكؤ الإداري وانعدام الرقابة الفعالة. يتطلب الوضع إصلاحًا جذريًا يبدأ بمعالجة أسباب الفساد، وتفعيل رقابة صارمة، ووضع خطط تنموية شاملة تنفذ بإشراف جهات مستقلة بعيدًا عن تأثيرات الأحزاب السياسية وصراعاتها".
الديوانية تائهة بين سوء الإدارة والمحاصصة السياسية!
نشر في: 19 ديسمبر, 2024: 12:15 ص