بغداد/ تميم الحسن
عندما دعا مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري المعتكف عن السياسة منذ أكثر من عامين، إلى "دمج الحشد" في عام 2017 - وهو مطلب كرره لاحقًا عدة مرات - وُصف حينها مطلبه من قبل الفصائل بأنه "مؤامرة".
كان الصدر يعترض في تلك الدعوات على عدم التزام بعض الفصائل بقرارات الدولة. لاحقًا، تورطت الجماعات المسلحة في حروب إقليمية بخلاف رأي الحكومة، ضمن مبدأ وضعته طهران وعُرف بـ"وحدة الساحات".
اختفى نشاط الفصائل منذ نحو شهر، بعد عشرات الغارات على إسرائيل، بالتزامن مع تدهور الوضع السياسي والعسكري لحزب الله اللبناني، وفقًا لمراقبين. كما انسحبت الفصائل من سوريا بشكل غير مفهوم قبل سقوط بشار الأسد بفترة وجيزة.
هذا الاختفاء الغامض قد يشكل فرصة مناسبة لـ"حل الفصائل" وإعادة هيكلة الحشد الشعبي، بحسب نائب سابق، إذ وصلت إلى بغداد رسائل أمريكية بهذا الخصوص.
وتؤكد الحكومة العراقية أنه يتوجب عليها إجراء إصلاحات في منظومة الحشد التي تضم الفصائل المسلحة، قبل أن يصبح حل هذه المجاميع أمرًا واقعًا. ومع ذلك، قد ترفض القوى الشيعية مثل هذا الإجراء وتعتبره "إنهاءً لوجودها".
الحشد الشعبي هو تشكيل عسكري ظهر بشكل غير منظم بعد سقوط الموصل عام 2014، ثم تم الاعتراف به رسميًا عبر قانون أقره البرلمان عام 2016، مما يعني أن أي محاولة لإلغائه تتطلب تشريعًا جديدًا من البرلمان بمستوى قرار تأسيسه.
ضغوط دولية لضبط السلاح المنفلت
إبراهيم الصميدعي، مستشار رئيس الوزراء، كشف عن ضغوط دولية متزايدة على الحكومة العراقية لضبط السلاح الخارج عن إطار الدولة.
وكان المرجع الأعلى علي السيستاني قد دعا قبل شهر إلى "حصر السلاح"، لكن تصريحاته أُوِّلت من قبل الجماعات الشيعية بأنها تخص "سلاح العشائر" و"سلاح قوات الامريكية".
وفي مقابلة تلفزيونية، أكد الصميدعي: "طُلب منا بشكل صريح تفكيك سلاح الفصائل المسلحة كجزء من الجهود لإعادة الاستقرار إلى العراق وضمان السيادة الوطنية". واعتبر أنه إذا لم يستجب العراق لهذا الطلب، "فقد يُفرض عليه بالقوة".
وأشار الصميدعي إلى أن بعض الفصائل المنضوية تحت غطاء الحشد "تثير شكوك الغرب وأمريكا، مما يدفعهم للمطالبة بحل الحشد وإنهاء نظام الدولة الموازية".
وأضاف المستشار أن هناك برنامجًا وطنيًا شاملاً لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة، لكنه شدد على أن هذه الخطوات تتطلب إرادة سياسية داخلية ودعمًا دوليًا فاعلًا.
"الوقت مناسب"
تعليقًا على هذه التطورات، يرى ظافر العاني، نائب سابق، أن المطالب الدولية بحل الفصائل المسلحة الموالية لإيران تعود إلى كونها "جزءًا من محور إقليمي وليس وطنيًا".
وفي مقابلة مع (المدى)، أضاف العاني: "هذا المطلب ليس صعب التنفيذ، فهذه الفصائل نفسها جمدت نشاطاتها حاليًا واختفت تقريبًا. حتى بياناتها لم تعد موجودة أو لا قيمة لها سوى إعلاميًا، ومعظم قياداتها أصبحت خارج البلاد حفاظًا على حياتها، وفق ما يُشاع".
آخر بيان صدر عن ما يُعرف بـ"المقاومة الإسلامية" كان في 24 تشرين الثاني الماضي، حيث أعلنوا استهداف شمال إسرائيل بمسيرات.
ويرى العاني أن مطلب حل الحشد "ليس مطلبًا دوليًا فقط، بل هو في الأساس مطلب وطني شعبي. حتى المرجعية تحدثت عن ذلك بوضوح في بياناتها الأخيرة ولقاءاتها مع مبعوثي الأمم المتحدة، مشددة على إنهاء ظاهرة السلاح غير الشرعي خارج إطار الدولة".
وأضاف: "ينسجم هذا المطلب مع المناخ الداخلي الشعبي، فضلًا عن كونه التزامًا حكوميًا ضمن البرنامج الوزاري لحكومة السوداني".
وأكد العاني، وهو عضو سابق في لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، أن الحشد الشعبي "يحتاج إلى إعادة هيكلة تشمل إبعاد النفوذ السياسي عنه وتحديد مهامه التي اتسعت بلا مسوغ قانوني. كما يتطلب دمج أعضائه في المؤسسة العسكرية بشكل فعلي وليس شكليًا، ليصبح تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة، بعيدًا عن الشبهات التي تشير إلى أنه مجرد غطاء للمليشيات".
وحذر العاني من أن "عدم اتخاذ إجراءات إصلاحية للحشد الشعبي بتحويله إلى مؤسسة عسكرية بحتة قد يؤدي إلى تطورات أشد، مثل حل الحشد أو دمجه بالمؤسسات النظامية كجزء من المطالب الدولية الضرورية".
إجراءات سابقة وواقع الحشد الحالي
كان رؤساء الحكومات السابقون، عادل عبد المهدي وحيدر العبادي، قد أصدروا عدة قرارات لهيكلة الحشد، بدعم من الصدر، لكن الفصائل قوبلت تلك الإجراءات بشكوك وريبة، ووصفتها بـ"المؤامرة"، كما قال هادي العامري، زعيم منظمة بدر، في إحدى المناسبات.
حاليًا، يضم الحشد الشعبي أكثر من 220 ألف منتسب، وتم تخصيص ما يزيد عن 800 مليار دينار له في موازنة عام 2024.
بؤر التوتر
يرى الباحث والأكاديمي إحسان الشمري أن المنطقة تمر بعملية تحول كبيرة تهدف إلى إنهاء نفوذ إيران وأذرعها في غزة ولبنان، وإسقاط نظام بشار الأسد، وإضعاف الحوثيين، ثم تقويض الفصائل المسلحة في العراق، ودفع إيران إلى الانكفاء داخل حدودها.
يقول الشمري، وهو رئيس مركز التفكير السياسي، في مقابلة مع (المدى): "إن الولايات المتحدة وإسرائيل والمجتمع الدولي، وحتى الدول العربية، يرون أنه من غير المقبول استمرار وجود بؤر توتر في المنطقة، ويعتبرون أن الفصائل المسلحة الموالية لإيران في العراق تشكل تهديدًا للمصالح الغربية وعرقلة للهدف الأساسي المتمثل في تحقيق شرق أوسط جديد".
ويعتقد الشمري أن المطالب التي أعلنتها حكومة السوداني بشأن إنهاء الجماعات المسلحة، والتي لو لم تُنفذ قد تُفرض بالقوة، ستواجه رفضًا من "الحاضنة الشيعية"، والمتمثلة في الإطار التنسيقي.
ويتابع قائلًا: "تعتقد هذه الحاضنة أن نزع سلاح الفصائل المسلحة يمثل بداية إضعاف المكون الشيعي كقوة سياسية، ويُعد مقدمة لاستهداف وجودهم داخل العملية السياسية".
حلول بأقل الخسائر
بدلًا من المواجهة المباشرة، يشير الشمري إلى أن تلك الأطراف طرحت مسارًا جديدًا يتمثل في الإبقاء على الحشد الشعبي كهيئة رسمية، مع إعلان شكلي عن إلقاء الفصائل المسلحة لسلاحها وانخراطها تحت مظلة الحشد.
كما يضيف: "هناك مسار آخر يتضمن تغيير حكومة السوداني، باعتبار أن هذه الحكومة تشكلت بدعم الفصائل المسلحة، وهو ما قد يسهم - بحسب اعتقادهم - في تحسين صورة العراق وصورة الطبقة السياسية الشيعية المتمثلة في الإطار التنسيقي".
ومع ذلك، يرى الشمري أن هذه الحلول "قد لا تحظى بقبول المجتمع الدولي الذي يصر على إنهاء النفوذ الإيراني. هذه المناورة قد تكون غير كافية، مما يجعل حل الفصائل المرتبطة بالحشد أمرًا صعبًا، لأنه يمثل غطاء للإطار التنسيقي".
ويؤكد الشمري أن "إيران حتى الآن لم تحسم صراعها مع إسرائيل والولايات المتحدة، ولذلك تعتبر أن الحفاظ على قوة حلفائها وسلاحهم في العراق يشكل أحد أوراقها المهمة، خاصة أنها خسرت الكثير مؤخرًا. لهذا السبب، لن توافق طهران على مثل هذه الخطوات، وستواصل المناورة".
ويشير رئيس مركز التفكير السياسي إلى أن الأمر في النهاية مرتبط بالحكومة الحالية، التي قد لا تمتلك القدرة على اتخاذ قرار كهذا "إلا إذا حصلت على ضوء أخضر، وهو أمر بالغ الصعوبة".
وأضاف: "الحكومة الحالية تشكلت بدعم من الفصائل، لذا ستواجه صعوبة في اتخاذ مثل هذا القرار. ستستمر في اعتماد مبدأ المناورة، لكن هذا النهج ستكون له تكاليف باهظة جدًا".