جان ماركو
ترجمة: عدوية الهلالي
في تشرين الثاني 2024، هنأ رجب طيب أردوغان "صديقه دونالد ترامب" علنًا على فوزه في الانتخابات. وقد عكست لغة ونبرة رد الفعل هذا التقارب الشخصي الذي أظهره الرجلان خلال فترة ولاية ترامب الأولى، مما عزز فكرة أن حقبة جديدة بدأت في العلاقات التركية الأمريكية، في أعقاب الشعور بالركود السائد خلال رئاسة جو بايدن. ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة، اعتمدت تركيا نهجا حذرا تجاه الانتخابات الأمريكية، معلنة استعدادها للعمل مع من سيخرج منتصرا. وفي الواقع، كان أردوغان واحدًا من رؤساء الدول القلائل الذين اتصلوا هاتفيًا بالمرشح الجمهوري بعد الهجوم الأول الذي تعرض له ترامب خلال الصيف. ومع ذلك، كما كانت الحال خلال انتخابات ترامب السابقة، تشير العديد من المؤشرات إلى أن رضى تركيا ينبع في المقام الأول من الأمل في ألا تكون الرئاسة الجديدة أسوأ من الرئاسة السابقة، وليس من الاعتقاد بأنها ستكون أفضل بكثير.
وعلى الصعيد الداخلي، يبدو أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية متجهان بشكل متزايد إلى الانحداربسبب أزمة الاقتصاد التركي. وفي آذار 2024، خلال الانتخابات المحلية، عانى الحزب الحاكم من أول هزيمة انتخابية حقيقية له، ولم يفشل فقط في استعادة المدينتين الرئيسيتين في أنقرة وإسطنبول، اللتين خسرهما في عام 2019، بل تم التغلب عليه أيضًا بشكل حاسم على المستوى الوطني بفارق ضئيل من قبل حزب الشعب الجمهوري الكمالي، حزب المعارضة الرئيسي. والتحدي الناتج ليس سهلا بالنسبة للرجل الذي حكم تركيا لمدة 22 عاما، إذ يواجه الآن مهمة وقف الصعود العنيد للمعارضة، في حين يجد أيضا طريقة لتعديل الدستور للسماح له بالترشح لمنصب الرئاسة مرة أخرى في عام 2028. ونظرًا لتزايد السخط الرئاسي، يعتقد الكثيرون أن الانتخابات المبكرة يمكن أن تزيد من تسريع هذا الموعد النهائي المحفوف بالمخاطر.
وعلى الساحة الدولية، وبعد نجاحاتها في التوسط في الصراع الروسي الأوكراني وإظهار قدرتها على تحقيق التوازن عبر موقف جريء بين كييف وموسكو، كافحت تركيا للعثور على مكانها في الشرق الأوسط الذي اهتزبسبب إعادة تنشيط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومنذ 7 تشرين الاول2023، ومع تهميشها في محاولات حل هذه الأزمة، وجدت نفسها في نهاية المطاف عالقة بين مصدرين للتوتر - في البحر الأسود وفي شرق البحر الأبيض المتوسط - مما يديم صراعًا دائمًا فضلا عن عدم الاستقرار، وهو ما لا يساعد على تعافي اقتصادها.
وفي هذا السياق، لم يكن تفاؤل أردوغان الأولي بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية كافياً لتجاوز الشعور العميق بالحيرة التي أغرقت فيها احتمالية عودة ترامب، ليس فقط القادة، بل أيضاً الطبقة السياسية التركية والمجتمع ككل. ومع ذلك، فإن سقوط نظام بشار الأسد يغير الوضع ويمثل، من نواحٍ عديدة، بصيص أمل لتركيا يجب أخذه بعين الاعتبار، على الرغم من أن عواقب هذا الحدث لا تزال غير مؤكدة.
إن انتصار دونالد ترامب غير المتوقع، وشعبويته، وانتقاده للنخب، وادعائه تمثيل الجماهير المنسية في الدوائر الحاكمة، واستغلاله للدين، وانحيازه غير المعتذر، لم يفشل في كسب تعاطف رجب طيب أردوغان، وكان هذا الفهم، في الواقع، متبادلاً على الفور. وفي ربيع عام 2017، كان الرئيس الأمريكي الجديد من بين أوائل القادة الذين هنأوا زعيم حزب العدالة والتنمية على فوزه في الاستفتاء الدستوري الذي حول تركيا إلى نظام رئاسي استبدادي، في حين أعرب معظم القادة الأوروبيين عن قلقهم بشأن مستقبل الديمقراطية التركية. لكن تبين فيما بعد أن هذا التقارب السياسي لم يمنع نشوء الخلافات وتصاعدها إلى مواجهة لا ترحم. وهكذا، بعد مرور عام، لم يتردد دونالد ترامب، الذي يسعى للاستحواذ على صوت الإنجيليين في الانتخابات النصفية، في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على تركيا للضغط. وأطلقت تركيا سراح القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي تم اعتقاله وحكم عليه كجزء من عمليات التطهير التي أعقبت محاولة الانقلاب عام 2016 بسبب علاقاته المزعومة بحركة غولن.
إن الاعتراف بهشاشة العلاقة الشخصية بين الرجلين يقود المرء إلى الاعتقاد بأن اصطفاف الزعيم التركي مع المواقف الترامبية هو أيضًا تكتيكي، إن لم يكن انتهازيًا. ويتمتع أردوغان وحزب العدالة والتنمية، الذي يتولى السلطة منذ عام 2002، بخبرة واسعة في إدارة العلاقات مع واشنطن، حيث اجتازا رئاستين جمهوريتين ورئاستين ديمقراطيتين، تميزت كل منهما بالطبيعة غير المتوقعة للدبلوماسية الأمريكية. وفي الواقع، إذا تمكن ترامب من التوسط في السلام في أوكرانيا، كما وعد، فقد يحظى بتأييد بعض الأتراك، الذين كانوا دائما مهتمين بالأزمات والصراعات الطويلة الأمد على حدودهم. ومع ذلك، فإن عودة ترامب إلى السلطة يمكن أن تكون مشكلة كبيرة بالنسبة لتركيا، ولن تكون العلاقة الوثيقة بين ترامب وأردوغان كافية للتغلب على خلافاتهما في نهجهما في التعامل مع الجغرافيا السياسية في الشرق الأدنى.
وبعد تعرضهم لانتقادات داخلية من قبل المعارضة بسبب الحفاظ على علاقة غامضة مع الدولة الإسرائيلية- التي جمعت بين الإدانات القاسية واستمرار التبادلات التجارية المربحة - سعى القادة الأتراك إلى تحدي العلاقات الاقتصادية التي كانت بمثابة عكاز للدبلوماسية المنقوصة بين البلدين.بالإضافة إلى ذلك، نشطت تركيا بشكل كبير في المنتديات والشبكات الدولية لإدانة الموقف الإسرائيلي. علاوة على ذلك، دعت تركيا المجتمع الدولي إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وأثنت على الدول التي فعلت ذلك، مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج 2024، وحتى أرمينيا، وأخيرا، انضمت أنقرة إلى جنوب أفريقيا في تقديم شكوى بشأن الإبادة الجماعية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.
ومع ذلك، فإن القضية الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا قبل تنصيب دونالد ترامب هي الأزمة السورية والمسألة الكردية المرتبطة بها. وبينما أعرب رجب طيب أردوغان عن تفاؤله بشأن السياسة التي يمكن أن يتبعها الرئيس الأمريكي الجديد، فمن المرجح أنه يتذكر انسحاب القوات الخاصة الأمريكية من دعم ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، وهي العملية التي بدأها ترامب في عام 2019، ويأمل أن تستأنف هذه العملية في عام 2025. لكن لا يمكن أن ننسى أن هذا الوضع أدى أيضًا إلى حادثة دبلوماسية خطيرة بين أنقرة وواشنطن. وبينما استغل أردوغان فك الارتباط الأمريكي لشن هجوم عسكري ضد هذه الميليشيات نفسها في سوريا، حثه دونالد ترامب، في رسالة لا تُنسى، على ممارسة ضبط النفس ولم يتردد في التهديد بـ "القضاء على الاقتصاد التركي".
وبعيداً عن القضية السورية الشائكة، قد يتساءل المرء عما قد يحدث للعديد من القضايا التي طال أمدها والتي لم يتم حلها. فأحد المخاوف الرئيسية هو تجديد تركيا لأسطولها الجوي القتالي إذ يذكر أنه خلال رئاسة ترامب، تم استبعاد تركيا من برنامج إنتاج واقتناء طائرات F-35 بسبب شرائها صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400. وكان الهدف من هذه الطائرة من الجيل التالي، التي طلبت تركيا حوالي 100 منها، ودفع ثمنها إلى حد كبير، هو تزويد تركيا بقوات جوية تتماشى مع طموحاتها.أما القضية الثانية فتتعلق بالعلاقات اليونانية التركية. ورغم أن هذه العلاقات تشهد حاليا مرحلة استثنائية من الانفراج، إلا أن المشاكل الأساسية بينهم لا تزال قائمة ولم يتم حلها.
أخيرا وليس آخرا، يبدو أن الحرب في أوكرانيا هي القضية التي يمكن أن يتفق عليها أردوغان وترامب بسرعة وفعالية أكبر. ومن المؤكد أن القادة الأتراك أدانوا على الفور "العملية الخاصة" الروسية في أوكرانيا، واصفين إياها بأنها انتهاك للسيادة وإهانة للقانون الدولي. إلا أنهم سرعان ما أعلنوا رفضهم تطبيق العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا. ومع ذلك، فإن الأزمة الأوكرانية سمحت لأنقرة ليس فقط بإظهار قدرتها على الحفاظ على توازن غير مستقر بين الشرق والغرب، ولكن أيضًا بإظهار مهاراتها الكبيرة في الوساطة وخاصة في تأمين موافقة روسيا على استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، وتسهيلها العديد من عمليات تبادل الاسرى الناجحة بين الطرفين المتحاربين.