متابعة / المدى
يستمر لجوء الناس في العراق إلى السحرة والمشعوذين دون توقف لأسباب مختلفة، ورغم التطور الكبير في العلوم والتكنولوجيا الذي يشهده العالم، إلّا أنه ما زالت مثل هذه الممارسات التقليدية والخرافية تسيطر على عقول البعض وخاصة النساء.
وظاهرة السحر والشعوذة ليست مجرد ممارسات فردية تمارس في الخفاء، بل أصبحت جزءاً من الظواهر التي تهدد استقرار بعض الأسر في المجتمع، ويتمثل هذا التهديد في الاحتيال الذي يتعرض له الضحايا، حيث يقدم المشعوذون وعوداً كاذبة بحل مشاكلهم العاطفية أو الصحية أو الاجتماعية مقابل مبالغ مالية ضخمة.
وتقول إحدى الضحايا (علياء) من العاصمة بغداد، عن سبب لجوئها إلى مثل هذه الأعمال وكيف تم استغلالها، إن "علاقتي مع زوجي كانت متوترة بسبب أهله، وفي أحد الأيام وخلال تصفحي على مواقع التواصل ظهر إعلان لعالمة روحانية قادرة على حل المشاكل الزوجية".
وتضيف السيدة في تصريح صحفي، أن "صفحة العالمة الروحانية كانت عبارة عن صور لنماذج من الأعمال التي يغلب عليها الطابع الديني، لذلك قررت التواصل معها عسى أن تجد الحل للمشاكل التي كنت أعاني منها".
وتتابع علياء حديثها: "بدأتُ التحدث مع العالمة الروحانية عن طريق الرسائل وشرح المشكلات التي أواجهها، وهي بدورها تعهدت بحلها بعد إرسال مبالغ 250 ألف دينار، وتم إرسال المبلغ إلكترونياً لأني كنت اتجنب الخروج من المنزل لتلافي النقاش والصِدام مع زوجي".
وتوضح علياء، أن "العالمة الروحانية طلبت مني صورة، وبما أنني محجبة بعثت صورة مرتدية الحجاب، لكن العالمة الروحانية قالت إن هكذا صورة لن تنفع، ما زرع في داخلي الشك منها وحقيقة ما تدعيه، ثم طلبت إجراء مكالمة فيديو ما عزز شكوكي لذلك رفضت".
وتقول السيدة، "طلبتُ من العالمة الروحانية إرسال بصمة صوتية لها للتأكد مع أنها امرأة، لكنها - أو ربما قد يكون رجلاً - انزعجت من طلبي وعدم ثقتي بها، ورفضت إرسال بصمة الصوت، لذلك تركتها".
وتختم علياء حديثها بالقول إن "هذه التجربة تسبب لها بخسارة 250 ألف دينار دون أي فائدة سوى أدعية دينية عامة بعثتها لي في البداية على أن أضعها في كوب ماء ثم انثره حول البيت، وهذا ما فعلته لكن لم يتغير مزاج زوجي أو أهله".
وتزايدت في الآونة الأخيرة لجوء الناس في العراق إلى السحرة والمشعوذين جراء تفاقم المشاكل الاجتماعية الناجمة عن التدهور الاقتصادي وتراجع الوعي لدى الفرد والشعور باليأس والإحباط.
وأكثر من يلجأ إلى أعمال السحر والعرافين والمشعوذين هم النساء كونهن الحلقة الأضعف داخل المجتمعات في بلدان مثل العراق التي تعاني من أزمات الحروب والاقتتال، وتردي الواقع المعيشي والاقتصادي وتفشي البطالة والفساد، وعدم الاهتمام بتنمية الفرد.
من جهتها، تعزو الأخصائية النفسية، سوزان حسين، أسباب لجوء النساء إلى مثل هذه الأعمال إلى أن "تفكير النساء عادة حلزوني أو متفرع أو استنتاجي أو نقدي أو تحليلي، لذلك لا تكتفي النساء بالأمور المجردة بل تحاول معرفة ما وراء الأمور، وما يخفي لها المستقبل بشكل تفصيلي، لذلك يلاحظ اهتمام النساء أكثر من الرجال في هذا الجانب".
وتشير حسين، إلى أن "البعض يحاول ايجاد مسوغ لأعمال الشعوذة والسحر عبر التنميق اللفظي لها وإطلاق عليها مصطلح (أعمال روحانية) وإطلاق على من يمارسها (عالم روحاني)".
وتشرح حسين كيفية وقوع الضحية بالفخ، بأن "المشعوذ أو المشعوذة تسعى في البداية إلى الحديث كثيراً مع المجني عليها في سبيل معرفة معلومات عنها وتفاصيل عن حياتها وشخصيتها، ومن ثم تبدأ بإعادة صياغة المعلومات وطرحها من جديد لكسب ثقة المجني عليها، وبعد ثقة المجني عليها تبدأ عملية الابتزاز بطلب أعمال وطقوس محرمة".
وتؤكد، أن "الأخطر هو ما يحصل في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الحسابات قد تكون بأسماء وهمية تخفي الهوية الحقيقية للجاني وكذلك للضحية، فضلاً عن سهولة تحويل المبالغ المالية لتوفر أكثر من وسيلة، لذلك يلاحظ نشاط تلك الأفعال على السوشيال ميديا".
بدورها، ترى الباحثة الاجتماعية، رقية الصباغ، "لجوء النساء إلى مثل هذه الأعمال عادة، هي للبحث عن موعد نصيبهن في الزواج، أو من لديهن مشاكل زوجية، وحتى المطلقات ليرن مصيرهن في إمكانية عودتهن لأزواجهن أو ارتباطهن من جديد، وغير ذلك الكثير".
وتضيف الصباغ، أن "مواقع التواصل الاجتماعي يسّرت على النساء التواصل مع العرافين أو الروحانيين، وما زاد من التقارب بينهم هو حديث بعض النساء عن حياتهم الزوجية في داخل غرف الدردشة و(الكروبات)، لتستغل المبتزات أو المبتزين بادعاء أنهم عرافين وباستطاعتهم الكشف لها، وبالتالي تقع في الفخ، وخاصة إذا تطور الأمر وحصل المبتز على صور أو فيديو لها، وهو ما يستدعي من الجهات المعنية متابعة تلك الجرائم ومكافحتها".
وظاهرة السحر والشعوذة ليست مجرد ظاهرة قديمة بل واقع يومي يواجهه العديد من الأفراد في المجتمع العراقي عموماً، والحل يكمن في التوعية المجتمعية وزيادة الوعي القانوني، بالإضافة إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، ويجب أن تتكاتف الجهود لمحاربة هذه الظاهرة ومنع استغلال السحرة والمشعوذين للضعفاء.
وفي أحدث الجرائم المتعلقة بهذا السياق، ما كشفه مصدر أمني في ذي قار، أمس الأحد، عن "تمكن قوة أمنية مشتركة من الإطاحة بأخطر مبتز إلكتروني في الثلاثينات من عمره بقضاء الشطرة شمال مدينة الناصرية مركز المحافظة، كان يستخدم اسم امرأة تدعى (صبيحة) في التواصل الاجتماعي لغرض الإطاحة بضحاياه".
وبين المصدر أن "المتهم كان يخدع الضحايا بتقليد صوت أنثى إذ أن صوته أنثوي نوعاً ما، ويقوم باستدراجهن تحت غطاء الشعوذة وغيرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ثم يقوم بممارسة أمور خادشة للحياء معهن ويصورهن لابتزازهن".
وأوضح المصدر أن "القوة الأمنية عثرت بحوزته على قرابة 300 مقطع فيديو فاحش لنساء من مختلف مناطق العراق، فضلاً عن أموال وبطاقات كي كارد".
وأشار إلى أن "عملية الإطاحة به كانت عبر شكوى تقدمت بها إحدى النساء بسبب اكتشافها أن المتهم ذكر وليس أنثى بعدما قامت بتحويل رصيد قيمته 20 ألف دينار له على هاتفه الخاص"، لافتاً إلى أن "غالبية النساء امتنعن عن تقديم شكاوى ضده خوفاً من الفضيحة الاجتماعية بعد التواصل معهن عن طريق الأجهزة الأمنية".
وعن الموقف القانوني من هذه الأعمال، يوضح المحامي وليد الشبلي، أن "قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل النافذ لم يعالج من يقوم بالسحر والشعوذة لنفسه، أي لم يجرم الفعل بحد ذاته، فإذا لم يضر به الغير ولم يحتال أو يهدد أو يخدش الحياء، وإذا لم يقم بأي فعل جرمي تمهيداً لجريمة أخرى، فلا يعتبر مرتكب جريمة عند المشرع العراقي".
ويتابع الشبلي: "لكن إذا تم الترويج لهذه الأفعال عن طريق صفحة على مواقع التواصل بطلب مبالغ مالية مقابل قراءة الطالع أو فك السحر أو طلاسم، فهذه أصبحت جريمة، واعتبارها جريمة لأن الشخص دجال، ويحاكم وفق المادة 456 من قانون العقوبات المتعلقة بالنصب والاحتيال".
ويضيف، "كما أن القضية قد تأخذ أبعاداً أخرى عندما يطلب المشعوذ من الراغب بإيذاء شخص ما، القيام بعمل يجرمه القانون العراقي، مثل القيام بسرقة قطع ملابس من المجني عليه أو تهديده أو أي عمل مخالف للقانون ويترتب عليه عقوبات".
ويبين، أن "أفعال السحر والشعوذة إذا كانت تمهيداً لارتكاب أي جريمة أخرى كالاحتيال والنصب والتهديد والسرقة وتضليل الآخرين والكذب، أو إيقاع الخوف في مجموعة من الناس الذين يفتقرون للوعي الكافي وبالتالي يصدقون ما يقوله، ففي هذه الحالة تدخل القضية في مسألة تهديد السلم المجتمعي أو حتى الإرهاب".
ويشرح الشبلي هذه القضية، أن "محاولة المشعوذ إثارة الرعب في نفوس المواطنين كأن يدعي بوقوع زلزال أو حرب أو غير ذلك، وأدت إلى رد فعل عنيف في منطقة معينة، فهذه تدخل في قانون مكافحة الإرهاب المتشدد والقاسي بحق الجاني، لإثارة الرعب في نفوس المواطنين وتهديده للسلم المجتمعي، وهذه رغم ندرتها لكنها قد تحصل".