TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: محبة المسيحيين

العمود الثامن: محبة المسيحيين

نشر في: 25 ديسمبر, 2024: 12:47 ص

 علي حسين

قبل أن تصدر القرارات القرقوشية لبعض المحافظات بمنع الاحتفال بأعياد الميلاد لأنها "حرامس"، وكان اخرها القرار الثوري لمجلس محافظة كربلاء الذي حذر فيه وتوعد كل من تسول له نفسه وضع شجرة عيد الميلاد ، وبالتأكيد سنجد اكثر من محافظة تقرر منع الاحتفال باعياد الميلاد .
قبل قرن من هذا الزمان العجيب قرّر أبونا الجليل أنستاس الكرملي أن يجعل من بغداد حاضرة للثقافة والعلم، كان الكرملي الذي لم يخلع ثوب الرهبنة، مصمما أن يختار يوم الجمعة موعداً لعقد جلسته الأسبوعية لما يمثله هذا اليوم عند المسلمين، فبماذا كان رواد المجلس يتحدثون؟ لم يكن هناك حديث عن الاستحقاق الطائفي في توزيع المناصب، ولا عن شعار "حصتي وحصتك"، كان الفكر والثقافة والتعليم هي المهمة الأهم في المجلس، لأنها السبيل لرقيّ البلدان وتقدمها ومن دونها ستدخل الناس في صراعات مذهبية وسياسية، كان العراقيون آنذاك يسطّرون ملحمةً يومية في وجه من يريد أن يغيّر هوية البلاد وثقافتها، من الموصل جاء متّي عقراوي الذي سيصبح عميداً لدار المعلمين العالية، ومن أقصى القرى الموصلية سوف يقدّم المسيحي سليمان صائغ، مسرحيات تروي تاريخ الإسلام، ومن الموصل أيضا جاء المسيحي فؤاد سفر ليصبح سيد الآثاريين. وفي بغداد يكتب المسيحي رفائيل بطي أن العراق هو حاصل مجموع الكرامة والخبز والحرية فحذار من التلاعب بهذا الثالوث.. والعراقي مقدس. ومن الناصرية سينادي المسيحي يوسف سلمان يوسف "فهد" بوطن حر. ومن الكرادة سوف يذهب المسيحي ميخائيل عواد إلى مدن العالم يجمع المخطوطات الإسلامية. ومن كركوك نزلت المسيحية بولينا حسون لتؤسس أول مجلة نسائية، وتشارك صديقتها أسماء الزهاوي ابنة مفتي العراق أمجد الزهاوي في إدارة نادي النهضة النسائية، ومن أربيل جاءت الجميلة عفيفة اسكندر ليصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان. فيما أصرّ الأرمني أرشاك على أن ينقل بعدسته أحاسيس العراقيين ومشاعرهم، وعندما قرر أمري سليم أن يرافق عبد الكريم قاسم في جولاته اختار أن يسمي نفسه الحاج أمري.
قرون وجوامعنا في جنبهن الكنائس مثلما كتب، أحمد حامد الصراف:
وسوف يعيش الشعب في وحدة
عمائمنا في جنبهن القلانس
فيما يكتب العلامة مصطفى جواد:
ياسائراً ووجيب القلب صاحبه
لنا ببغداد من بين القسوس أبٌ
يا أبناء بلدي الطيبين في كل بقاع الأرض وأنتم تحتفلون بعيد الميلاد، لا تنسوا العراق وهو ينظر اليكم طالبا محبتكم .
يا أبناء بلدي سلاماً عليكم وأنتم توقدون شمعة عام جديد، فستظلّ ملامحكم تختلط بملامحنا، كلانا سينتصر في النهاية، وكلانا سيظلّ يتغزل مع ناظم الغزالي بالسمراء العراقية من قوم عيسى.. وكلانا سيحارب قوى التخلف التي تكره الفرح .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. sjar

    منذ 12 شهور

    أنا مسيحي عراقي تركت بغداد منذ 47 سنة ولم أعد إليها أبدا! هذه السطور جعلتني أبكي............. مع تحياتي

  2. اسامة بولص

    منذ 11 شهور

    حضرة الكاتب والمفكر الاستاذ علي حسين المحترم. انا من المداومين على قراءة كتاباتك الجميلة في العمود الثامن. وكثيراً ما اعجبتني المواضيع التي تعبر عما يعتمل في قلبي من هموم احملها بسبب ما يحدث في هذا البلد. لكن هذه المقالة افرحتني واحزنتني في ذات الوقت.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram