ترجمة حامد أحمد
ذكرت مجلة فورين بوليسي FP الأميركية في تقرير لها بأن الإحصاء السكاني الأخير الذي جرى في العراق يومي 20 و21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي كشف عن امتلاك البلد لثروة هائلة من الأيدي العاملة تشكل نسبتها 60% من تعداد السكان أعمارهم ما بين 15 الى 64 عاما، مشيرة الى ان العراق قد يصبح قوة اقتصادية إقليمية إذا تمكن من توظيف هذه الثروة لقوة منتجة، وان التعداد هو بداية لإصلاح سياسي وإداري للبلد.
وتقول الفورين بوليسي بأن آخر إحصاء وطني شهده البلد كان في العام 1987، أما الإحصاء الذي اجري في العام 1997 فقد استثنى إقليم كردستان، وان نتائج الإحصاء الأخير ستعمل على تغيير توازن القوى في البرلمان العراقي وتعديل نسب المخصصات المالية الحيوية الموزعة بين المحافظات. أما بالنسبة للمجتمع الدولي، فان الإحصاء يوفر فرصة لمساعدة العراق بتحسين أدائه الحكومي واغتنام فرصة الاستفادة من المعطيات الديموغرافية لمواقع القوة المحتملة للجانب الاقتصادي للبلد.
ويشير تقرير المجلة الأميركية الى ان إحصاء عام 2024 في العراق كان بمثابة خطوة تاريخية كبرى تختلف عن الإحصاءات السابقة الذي دعا له رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، وراهن على نتائجه الإيجابية مسبقا حيث قال "الإحصاء هو ليس مجرد جمع معلومات عن تعداد السكان. فهو يخدم كخط فاصل بين التوقعات والحقيقة، ويمثل أداة حاسمة لتحديد قرارات مهمة ومؤثرة".
وتذكر الفورين بوليسي بان مسؤولين اميركان وقوى اجنبية أخرى وصفته على انه بمثابة خطوة كبرى نحو الامام، في حين وفر صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA المساعدة الفنية والتدريب، وتم استئجار شركة، تراست كيرنيل، التكنولوجية الصينية وشركات اجنبية أخرى لتنصيب أجهزة التاب الالكترونية وتصميم المعلومات الحاسوبية وتشغيل شبكات الاتصال ومركز المعلومات.
وكان استطلاع التعداد قد شمل 70 سؤال ركز فيه على معلومات أساسية مثل الجنس والعمر والمستوى الدراسي والموقف العائلي. والشيء المهم الآخر هو ان الأسئلة لم تتضمن الاستفسار عن الانتماء العرقي. وانه كانت هناك خشية بين كثيرين من ان التعداد قد يستخدم لتحقيق تغيير ديموغرافي بالتوازن العرقي في مناطق من العراق مصنفة على أنها متنازع عليها.
وبعد كل ذلك، ورغم ان الاستنتاجات الكاملة للإحصاء قد تستغرق أشهرا لحسابها، فان النتائج الأولية للإحصاء اكدت ما شكك به الكثيرون على مدى طويل. فالعراق ما يزال يعتبر أكبر بلد عربي تعدادا بالسكان شرق حوض نهر النيل. ولكن الإحصاء أكد أيضا بان نفوس العراق (بضمنهم الأجانب) هو أكثر من 45 مليون نسمة. النمو السكاني، تقول الفورين بوليسي، كان صادما مع الاخذ بنظر الاعتبار الخسائر الإنسانية التي حلت في البلد من حروب وعقوبات ربع القرن الماضي، وكما هو الحال مع كثير من بلدان أخرى خرجت من حقبة حروب وصراعات طويلة الأمد، فإنها شهدت طفرة بانفجار سكاني لما بعد الحرب تدفع نحو تعافي ديموغرافي. رغم ذلك فان الأرقام الجديدة فاقت كل التوقعات.
وتقول الفورين بوليسي بان التعداد السكاني أثبت أيضا بان العراق تلقى مكافأة ديموغرافية نادرة. حيث ان أكثر من 60% من نفوس العراقيين هم من ضمن عمر العمل (ما بين 15 الى 64 عاما). أي بعبارة أخرى، ان هناك عددا صغيرا نسبيا من الأطفال او كبار السن في البيئة الاقتصادية العراقية. وان تقسيما ديموغرافيا مشابها قد ساعد في تحفيز اقتصاديات بلدان شرقي آسيا الانفجارية في حقبة التسعينيات. وإذا استطاع العراق ان يحول هذه التخمة من حجم الأيدي العاملة الى قوة وظيفية منتجة، فان البلاد يقدر لها ان تصبح مركز نفوذ اقتصادي إقليمي.
ويضيف التقرير بان التبعات الأخرى المترتبة على التعداد قد تكون كبيرة أيضا. فسوف يتوجب على البرلمان إضافة مزيد من المقاعد من أجل الحفاظ على نسبة التمثيل المعدلة للمواطنين. وكذلك يتوجب ايضا بالنسبة لجهات حكومية ودولية مثل البنك الدولي ان تجري أيضا تعديلا على كمية التخصيص المالي لمحافظات وفقا للحجم السكاني. الكثير يتوقع بان نتائج التعداد سيتم التحقق من خلالها من الذين يتلقون رواتب اضافية عبر أسماء وهمية، موظفين فضائيين، ضمن ملفات فساد جهات وأحزاب سياسية. وتشير الفورين بوليسي الى ان التعداد هو ليس النهاية بقدر ما هو بداية لإصلاح سياسي وإداري للعراق. وفيما إذا سيكون التعداد عامل تعزيز لقدرة دولة العراق والطريق نحو اقتصاد اقوى، فان ذلك يعتمد على كيفية تعامل النخب السياسية العراقية مع النتائج. وان تجاهل نتائج التعداد وعدم الاعتماد عليها فإنها ستؤدي الى إضعاف مؤسسات العراق أكثر وتجرد الثقة وحتى تنتج عن مزيد من عدم الاستقرار. مؤكدة بانه يتوجب على الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين ان تساعد العراق على ان يبني قوة زخم مما سيوفره التعداد من نتائج ويشتمل ذلك على مساعدة البلد في الاستفادة من الثروة السكانية للأيدي العاملة وإنتاج قيادة لتوظيف هذه المجاميع وتشغيلها للقضاء على البطالة ومن جهة أخرى التقليل من اعتماد البلد الكلي على النفط وترهل القطاع العام. وان الشراكة بين القطاع العام والخاص والاستثمار الأجنبي المستهدف في قطاعات الزراعة وتصنيع الأغذية والنقل بإمكانها المساعدة في امتصاص الايدي العاملة العراقية وتعمل على تنويع مصادر اقتصاده.
عن فورين بوليسي