محمد العبيدي/ المدى
حفّز سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، الدعوات داخل العراق لإجراء مراجعة شاملة للعملية السياسية، بهدف تعزيز الاستقرار ومعالجة الأزمات المتفاقمة التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
وأثار النشاط الدبلوماسي المكثف في العراق، المتمثل في الزيارات المتكررة لمسؤولين دوليين رفيعي المستوى، جدلاً واسعاً وتساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذه التحركات.
وتزايدت التكهنات بشأن ارتباط هذه اللقاءات بما يحدث خلف الكواليس في الملف السوري، خصوصاً بعد التطورات الأخيرة في سوريا، وما إذا كانت تعكس وجود نقاشات جادة ومصيرية بشأن إعادة تشكيل المشهد الإقليمي.
ألغام ومشكلات
وهذه التحركات ألقت بظلالها على الأوضاع الداخلية في العراق، حيث يُعتقد أن هناك محاولات للدفع باتجاه اتخاذ قرارات جديدة، خاصة ما يتعلق بملف الفصائل المسلحة.
بدوره، أكد الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، خالد العرداوي، أهمية إجراء مراجعة شاملة للعملية السياسية في العراق، مشيراً إلى أن "أي نظام سياسي يحتاج إلى عملية نقد ذاتي دوري، لاسيما في ظل الأوضاع غير المستقرة التي يشهدها العراق والمنطقة".
وأوضح العرداوي لـ(المدى) أن "النظام السياسي في العراق يحمل في طياته الكثير من الألغام والمشكلات التي لم تجد طريقها إلى الحل منذ تأسيسه، بما في ذلك العلاقة بين المكونات العراقية، وبين النظام الحاكم والشعب، فضلاً عن التشظي السياسي والتحديات في علاقات العراق مع دول الجوار".
وأشار إلى أن "انهيار نظام بشار الأسد في سوريا بهذه الطريقة السريعة يجب أن يثير قلقاً لدى بغداد، إذ أن الوضع العراقي ليس بمنأى عن التغيير الإقليمي، وإذا لم تُعالج الأزمات الداخلية والتحديات الكبرى، فإن النظام العراقي قد يواجه مصيراً مماثلاً وربما بوتيرة أسرع".
وتابع، أن "التأخر في هذه المراجعة قد يؤدي إلى تعميق الأزمات وفقدان ثقة العراقيين والمجتمع الدولي في قدرة النظام على تحقيق الاستقرار والتقدم".
ومنذ أيام تصاعدت الدعوات، بشأن ضرورة جلوس النخب السياسية العراقية على طاولة حوار مفتوح لمناقشة التحديات والمخاطر التي تواجه الدولة، والعمل على صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على الثقة المتبادلة والاحترام، ويهدف إلى بناء دولة مواطنة حقيقية بعيداً عن نهج المحاصصة والمصالح الضيقة.
إصلاح ماذا؟
وتركزت الدعوات على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية وشاملة للعملية السياسية في العراق، تشمل تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حماية حقوق الإنسان، وتفعيل المصالحة الوطنية كخطوة أساسية لتجاوز التحديات الداخلية.
ويؤكد مراقبون أن التصدي لظاهرة الفساد المستشري يمثل أولوية قصوى، إلى جانب إعادة هيكلة الصلاحيات بين الجهات السياسية لضمان توزيع عادل للسلطة، وعدم تداخل المهام بشكل يؤدي إلى تضارب المصالح أو إضعاف المؤسسات.
كما شددت هذه الدعوات على أهمية تحسين الأداء الحكومي من خلال وضع خطط ستراتيجية تركز على تلبية احتياجات المواطنين، بما في ذلك تقديم خدمات عامة بجودة أفضل في مجالات الصحة، والتعليم، والبنية التحتية، ومكافحة الفقر.
من جهته، يري الباحث في الشأن السياسي، علي ناصر أن "التغييرات التي شهدها العراق في العملية السياسية منذ 2003، لم تكن جذرية، خصوصًا في ما يتعلق بفتح ملفات الفساد، بصورة جدية سواء من قبل مجلس النواب أو الجهات الرقابية الأخرى".
وأوضح ناصر لـ(المدى) أن "العملية السياسية في العراق بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة وجادة تتماشى مع الظروف الإقليمية الراهنة التي تشير إلى بوادر تشكيل شرق أوسط جديد وتحولات في دول مجاورة كسوريا، وربما دول أخرى تشهد تغييرات في المستقبل القريب".
وأضاف أن "فتح ملفات الفساد بجدية هو المفتاح لاستعادة الثقة بين الحكومة والشعب، وهو ما قد يسهم في تقريب المسافات بينهما وتعزيز العلاقة المتبادلة".
ويرى مراقبون أن انهيار النظام السوري قد يمثل فرصة مواتية لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة العراقية على أسس أكثر شفافية واستقلالية، مع إعطاء الأولوية لتعزيز سيادة القانون وترسيخ الاستقرار الداخلي.
دعوات الإصلاح والتغيير تتصاعد.. هل تبدأ بغداد رحلة التعافي؟
نشر في: 25 ديسمبر, 2024: 01:09 ص