بغداد/ تميم الحسن
قد تضطر بغداد إلى التراجع عن قرار سحب القوات الأمريكية من العراق بسبب ضغط الأوضاع في سوريا، وفقاً لترجيحات محللين.
تدعم هذه التوقعات تصريحات "البنتاغون"، التي أشارت إلى نشر قوات إضافية في العراق وسوريا خلال الفترة الماضية.
ومن المفترض أن تبدأ هذه القوات الانسحاب من العراق في غضون العامين المقبلين.
وأكدت وزارة الدفاع الأمريكية يوم الاثنين، وجود أكثر من 2500 جندي أمريكي في العراق، وهو يزيد عن العدد المعلن عن تلك القوات.
كما أوضح "البنتاغون" أن عدد القوات في سوريا قد زاد خلال "السنوات القليلة الماضية" نتيجة تصاعد التهديدات، دون الكشف عن الرقم الدقيق.
وأشارت تقارير من مستشارين حكوميين في العراق إلى أن القوات الأمريكية بدأت بالفعل خطوات الانسحاب، خلاف ماتقوله "البنتاغون".
وصرح الميجور جنرال بات رايدر، المتحدث باسم "البنتاغون"، بأن هناك "ما لا يقل عن 2500" عنصر أمريكي في العراق، بالإضافة إلى قوات مؤقتة يتم نشرها بشكل دوري لدعم المهمات. وأضاف أن الوزارة لن تقدم مزيداً من التفاصيل بسبب اعتبارات دبلوماسية.
وفي ايلول الماضي، أعلن وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي أن بغداد توصلت إلى اتفاق مع واشنطن بشأن انسحاب القوات الأمريكية على مدى عامين، مؤكداً أنه "تم الاتفاق على إنهاء مهمة التحالف على مرحلتين".
لم تُفصّل واشنطن بنود الاتفاق، إلا أنه يتضمن إنهاء المهمة القتالية ضد تنظيم "داعش" بحلول ايلول 2025، مع بقاء بعض القوات حتى عام 2026 لدعم العمليات في سوريا.
وأعلن رايدر الأسبوع الماضي أن هناك حوالي ألفي جندي أمريكي في سوريا، أي أكثر من ضعف العدد الذي كانت الولايات المتحدة تعترف به علنا حتى الآن وهو 900 جندي.
وقال يوم الاثنين الفائت، إن القوات الإضافية البالغ عددها 1100 جندي يجري نشرها لفترات قصيرة للقيام بمهام حماية القوات والنقل والصيانة وغيرها.
وأضاف أن العدد قد تأرجح على مدار السنوات الماضية وزاد "بمرور الوقت".
قبل وصول ترامب
يعتقد دبلوماسي عراقي سابق، أن بغداد قد تتراجع عن طلب سحب القوات الأمريكية وسط الأحداث المتسارعة في المنطقة، على الرغم من الضغوط التي تمارسها الفصائل المسلحة.
وصرّح غازي فيصل، الدبلوماسي السابق، لـ(المدى) بأن بقاء القوات الأمريكية قد يكون ناتجاً عن "التطورات في سوريا، وتأثيراتها على حزب الله، والتغيرات السياسية في لبنان، بالإضافة إلى هزيمة حماس في غزة".
وأضاف فيصل، الذي يدير المركز العراقي للدراسات الستراتيجية، أن التغيرات الجذرية في سوريا، بما في ذلك هروب بشار الأسد وتفكك منظومة الحكم، قد تدفع العراق إلى التراجع عن تنفيذ اتفاقية انسحاب التحالف الدولي.
وأوضح فيصل أن هذا التحليل يتطابق مع تقارير تشير إلى أن الموقف الأمريكي الستراتيجي قد يتغير مع عودة ترامب إلى السلطة، بجانب التحولات العميقة في الشرق الأوسط، واحتمال اندلاع مواجهة كبرى بين الولايات المتحدة وإيران بسبب البرنامج النووي، بالإضافة إلى تصاعد التوتر بين "البنتاغون" والفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري.
وأشار، إلى أننا أمام "موجة من التغيرات الجذرية في المنطقة لبناء شرق أوسط مختلف تماماً".
مخاوف عراقية
منذ التغيرات الأخيرة في سوريا، تخشى الحكومة العراقية من انتقال تداعيات الأحداث إلى الداخل، مع تصاعد نشاط "داعش" أو جماعات متشددة أخرى.
وتحدثت فصائل وأحزاب شيعية مؤخراً عن "مؤامرات" تستهدف زعزعة الاستقرار في العراق، مستغلة الأوضاع في سوريا.
كما ترى تلك الفصائل أن الدعوات لحل الحشد الشعبي تأتي ضمن مساعي لإضعاف السلطة العراقية.
في المقابل، تنفي الحكومة العراقية أي تواصل مع السلطات الجديدة في سوريا، رغم إعلان استئناف عمل السفارة في دمشق.
ووصف مسؤولون حكوميون في بغداد السلطات الجديدة في سوريا بأنها "جماعات إرهابية".
وكانت فصائل المعارضة قد سيطرت على دمشق في 8 كانون الاول، بعد هروب بشار الأسد إلى روسيا، وأعلنت تشكيل حكومة انتقالية من المتوقع أن تنتهي ولايتها في آذار المقبل.
أسباب متوقعة لتأجيل الانسحاب
في تحليل لمركز التفكير السياسي خاص لـ(المدى)، أوضح أن العراق هو الطرف الوحيد الذي تحدث عن انسحاب القوات الأمريكية، في حين أن الولايات المتحدة تتحدث عن "اتفاق ثنائي لبقاء مستدام".
يشير التحليل إلى أن الولايات المتحدة، منذ البداية، أكدت عدم وجود نية للانسحاب، وأبلغت بذلك حكومة السوداني، التي تراجعت بدورها وبدأت تتحدث عن "علاقة ثنائية".
وحتى الآن، لم تُوقع الاتفاقية الثنائية بين البلدين التي يُفترض أن تنظم عملية الانسحاب، وما زالت في إطار المفاوضات، وفق ما أفاد به المركز.
يقدم المركز، الذي يديره الباحث والأكاديمي إحسان الشمري، عدة أسباب متوقعة لتأجيل سحب القوات الأمريكية من العراق:
1 - عدم الوصول إلى توقيع الاتفاقية بين العراق والولايات المتحدة أدى إلى نقل ملف الانسحاب إلى إدارة ترامب القادمة، التي تمتلك رؤية مختلفة وجذرية عن التفاهمات السابقة بين حكومة السوداني وإدارة بايدن حول وجود القوات الأمريكية. لذلك، لم يعد هناك حديث جاد عن الانسحاب.
2 - بسبب تداعيات الأوضاع في سوريا، واقتناع السوداني بالدور الأمريكي في تأجيل الضربة الإسرائيلية ضد الفصائل المسلحة، أصبحت الحكومة العراقية مقتنعة تماماً بضرورة استمرار العلاقة مع واشنطن. ويرى السوداني أن وجود القوات الأمريكية يحمي العراق من تداعيات أمنية محتملة.
3 - أصبح الإطار التنسيقي يدرك أن الولايات المتحدة هي الضامن الأساسي للنظام السياسي الحالي. لذلك، تراجع الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية، حيث بات هذا الشعار بلا قيمة لدى الإطار. الأهم الآن بالنسبة لهم هو الحفاظ على السلطة بدلاً من تنفيذ شعاراتهم السابقة.
4 - الخشية من حصول احتكاك بين الجماعات المسلحة السورية والعراق تلعب دوراً في تأجيل الانسحاب. ينظر الإطار التنسيقي إلى الوضع في سوريا على أنه يضم جماعات إرهابية، بينما يصف مستشارو حكومة السوداني "أبو محمد الجولاني" بأنه إرهابي. هذا الاحتكاك المحتمل قد يؤدي إلى اضطرابات أمنية، مما يبرز أهمية استمرار دور القوات الأمريكية في العراق.
5 - بقاء القوات الأمريكية يمكن اعتباره "عربون صداقة" تقدمه حكومة السوداني والإطار التنسيقي للرئيس الأمريكي الجديد. يُعد ذلك رسالة تؤكد نوايا طيبة تجاه ترامب، رغم أن الإطار والسوداني وصفا ترامب سابقاً بالمجرم وأداناه في عدة مناسبات.
فضلا عن ذلك يرى المركز أن ترامب لن يترك مجالاً للمناورة أمام قوى الإطار التنسيقي بشأن قضية الانسحاب. وأضاف التحليل أن الرئيس الأمريكي القادم لن يقبل بمنطقة رمادية، وسيطالب إما ببقاء كامل للقوات الأمريكية أو انسحاب كامل.
وفي حالة الانسحاب، يتعين على العراق أن يتحمل التبعات، مثل الانضمام للمحور الإيراني، وربما دفع تكاليف بقاء القوات الأمريكية التي كانت تقدم خدماتها مجاناً طوال السنوات الماضية، إضافة إلى تكاليف الحرب على داعش. هذه المعطيات تضع الإطار التنسيقي في موقف حرج قد يدفعهم إلى تقديم "عربون الصداقة" للرئيس الأمريكي القادم، على حد وصف المركز.