TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما هو دور المسيحيين في الشرق الأوسط في مواجهة التحديات المعاصرة؟

ما هو دور المسيحيين في الشرق الأوسط في مواجهة التحديات المعاصرة؟

نشر في: 29 ديسمبر, 2024: 12:02 ص

لويس دي بامبيلون

ترجمة: عدوية الهلالي

تتقاسم المجتمعات المسيحية في سوريا والعراق ولبنان تراثًا عمره آلاف السنين وثروة ثقافية تتجاوز الحدود. وينعكس تنوعهم في فسيفساء الكنائس – المارونية والسريانية والكلدانية والآشورية – التي شكلت بعمق التاريخ الديني والتعليمي والاجتماعي للمنطقة. ومع ذلك، فإن هذا التراث المشترك يتعرض الآن للتهديد بسبب التحديات النظامية الكبرى.
فقد أدت الصراعات الإقليمية، والهجرات القسرية، والأزمات الاقتصادية إلى نزوح جماعي للمسيحيين، مما أدى إلى تقليص وجودهم الديموغرافي وتقويض دورهم التاريخي. وعلى الرغم من هذه التحديات، يظل صمودها ملحوظًا: ففي سوريا، تساهم الكنائس بنشاط في إعادة البناء المادي والاجتماعي؛ وفي العراق، بدأت الجهود الرامية إلى إحياء القرى المسيحية في سهل نينوى؛ وفي لبنان، تواصل المؤسسات التعليمية والخيرية دعم الفئات السكانية الضعيفة بشكل متزايد. ومع ذلك، فإن هذه المبادرات تكافح من أجل مواكبة الاضطرابات السياسية وانفصال الأجيال الشابة. ويثير هذا الوضع سؤالاً رئيسياً: كيف يمكن لهذه المجتمعات الحفاظ على تراثها والحفاظ على دورها في شرق أوسط متغير، مع معالجة ضغوط الهجرة، والتشرذم الاجتماعي، وتحديات الهوية المتطورة؟
ويمثل مسيحيو الشرق الأوسط تراثًا استثنائيًا وثروة روحية في المنطقة. وهم أيضًا مساهمون رئيسيون في مجالات مثل التضامن والرعاية الصحية والتعليم. وعلى الرغم من أنهم يواجهون تحديات نظامية كبيرة، إلا أنهم يتحملون التأثير المشترك للصراعات الإقليمية، والهجرة القسرية، والاضطرابات السياسية. ومع ذلك، فإن قدرتهم على الصمود لا تزال تلهم الأمل، سواء لمجتمعاتهم أو لمستقبل التعددية في الشرق الأوسط إذ تعد المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط من أقدم المجتمعات في العالم فقد تواجد المسيحيون منذ فجر المسيحية، وقد لعبوا دورًا محوريًا في تشكيل التطور الثقافي واللغوي والديني في المنطقة. وفي سوريا والعراق ولبنان، ينعكس تنوعهم في فسيفساء الكنائس، بما في ذلك الكنائس المارونية والملكية والسريانية والكلدانية والآشورية، حيث تتبنى كل منها تقاليد غنية ومتميزة.
وإلى جانب بعدها الروحي، كان لهذه الكنائس تأثير عميق على المشهد الثقافي والسياسي في الشرق الأوسط. ففي سوريا، خدم المسيحيون لفترة طويلة كوسطاء بين المجتمعات المختلفة، وجسدوا التعايش الذي، على الرغم من هشاشته، كان جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي. وفي العراق، حافظت الكنائس الكلدانية والآشورية والسريانية على تراث لغوي وديني فريد، لا سيما من خلال الحفاظ على اللغة الآرامية. وفي لبنان، ساهم المسيحيون الموارنة بشكل كبير في تأسيس الدولة الحديثة، ولعبوا دوراً مركزياً في إنشاء لبنان الكبير في عام 1920.
لكن هذا التراث مهدد الآن. وكثيراً ما تجد الأجيال الشابة، التي تواجه التحديات الاقتصادية والهجرة، صعوبة في الحفاظ على روابط قوية بهوياتها الدينية والثقافية. وقد تأثرت المؤسسات التعليمية والثقافية، التي تعتبر ضرورية للحفاظ على هذا التراث، بشدة بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية. ففي لبنان، على سبيل المثال، اضطرت العديد من المدارس المسيحية إلى إغلاق أبوابها. إن قيم هذه المؤسسات معترف بها على نطاق واسع خارج بلاد الشام. والدليل على ذلك هو "صندوق مدارس الشرق" في عام 2020، كمبادرة رئاسية فرنسية لتقديم الدعم المالي للمدارس المسيحية والفرنكوفونية في ستة بلدان في الشرق الأوسط.
لقد أثرت الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار السياسي بشكل عميق على المجتمعات المسيحية في سوريا والعراق ولبنان.وعلى مدى العقود الماضية، أدت الحرب الأهلية السورية، وصعود تنظيم داعش في العراق، والأزمات الاقتصادية والمؤسسية في لبنان، إلى نزوح جماعي للسكان المسيحيين وفي سوريا، أدى اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011 إلى تفتيت البلاد، مما أدى إلى نزوح الملايين. كما ان المسيحيين، وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحفاظ على الحياد والوساطة في الصراع، غالباً ما يتم استهدافهم بسبب ضعفهم وفي بعض الأحيان يتم استغلالهم سياسياً كمؤيدين أو معارضين. فقد دمرت قرى مسيحية بأكملها، مثل تلك الموجودة في منطقة معلولا، وأدت الهجرة الجماعية إلى أوروبا وغيرها من البلدان العربية إلى إضعاف وجودها الديموغرافي بشدة.
وفي العراق، كان احتلال داعش لسهل نينوى في عام 2014 بمثابة نقطة تحول مأساوية إذ تعرض المسيحيون العراقيون لاضطهاد منهجي: فقد تم تدمير الكنائس، ومصادرة الممتلكات، والعنف. وأجبرت هذه المحنة آلاف العائلات على الفرار بحثاً عن ملجأ في كردستان العراق أو في الخارج. وعلى الرغم من جهود إعادة الإعمار التي تبذلها المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، إلا أن عودة النازحين لا تزال محدودة، مع وجود مخاوف من تجدد عدم الاستقرار الذي يعيق إعادة التوطين المستدام. وفي الموصل، وبينما يتم ترميم الكنائس من خلال دعم المنظمات الدولية، لا يزال عدد السكان المسيحيين صغيرًا جدًا، حيث لا يتجاوز مائة اعتبارًا من عام 2024.
وفي لبنان، يبدو ان الوضع مختلف ولكنه مثير للقلق بنفس القدرخاصة بعد الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة، التي تفاقمت بسبب انفجار مرفأ بيروت عام 2020،وسط بيئة جيوسياسية متدهورة. وبعد هجمات 7 تشرين الاول 2023، وهجمات حماس والصراع المفتوح بين إسرائيل وحزب الله، هاجر العديد من المسيحيين اللبنانيين، وخاصة الخريجين الشباب. وهجرة الأدمغة هذه تقوّض أيضاً قدرتهم على الحفاظ على دورهم التاريخي في التوازن الطائفي في البلاد.
وعلى الرغم من هذه التجارب، تواصل المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط إظهار مرونة ملحوظة. وتعتمد قدرتهم على التغلب على الأزمات على آليات داخلية ومبادرات جماعية تهدف إلى الحفاظ على تراثهم الثقافي والروحي مع التكيف مع الظروف المتغيرة.وفي سوريا، تلعب الكنائس المحلية دوراً حيوياً في إعادة البناء – ليس فقط البنية التحتية ولكن أيضاً التماسك الاجتماعي. ومن خلال برامج المساعدات الإنسانية ومشاريع إعادة تأهيل المدارس والدعم النفسي، تسعى جاهدة لإعادة الأمل للعائلات التي بقيت. ويرمز ترميم الكنائس التاريخية، مثل تلك الموجودة في معلولا، إلى تصميمهم على إعادة التواصل مع تراث عمره آلاف السنين.
وفي العراق، توفر الجهود المبذولة لإعادة إحياء القرى المسيحية في سهل نينوى بصيصاً من الأمل. وبدعم من المنظمات الدولية وتبرعات المغتربين، تهدف المبادرات المحلية إلى إعادة بناء البنية التحتية، وإحياء الزراعة، وترميم أماكن العبادة. ومع ذلك، تظل هذه الجهود هشة في مواجهة حالة عدم اليقين السياسي والأمني المستمرة. وفي لبنان، تتجلى القدرة على الصمود في تعبئة المؤسسات المسيحية لمعالجة الأزمة الاقتصادية. وتوفر المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، التي تديرها الكنائس في كثير من الأحيان، الخدمات الأساسية للسكان المعرضين للخطر بشكل متزايد. وعلى الرغم من محدودية الموارد، تظل هذه المؤسسات حجر الزاوية في التماسك الاجتماعي.
ويعاني المسيحيون في سوريا والعراق ولبنان من فترة غير مسبوقة من الاضطرابات التي شكلتها التحديات الديموغرافية والاقتصادية والأمنية. ومع ذلك، فإن مرونتها وقدرتها على التكيف تعكس حيوية تتجاوز مجرد الإحصائيات، فهذه المجتمعات ليست مراقبًا سلبيًا للتاريخ؛ إنهم مشاركين نشطين في الحفاظ على هويتهم وإعادة تشكيلها. وبالنسبة للباحثين، يقدم هذا الوضع رؤى رائعة حول كيفية تكيف الأقليات مع البيئات المعادية مع المساهمة في تعددية مجتمعاتهم. والسؤال الرئيسي هو كيف يمكن لهذه المجتمعات الاستمرار في لعب دور مهم في الشرق الأوسط سريع التطور في حين تواجه ضغوط الهجرة وإعادة تعريف هوياتها.
وعلى الرغم من الشكوك، فإن خطاب المسيحيين في الشرق الأوسط هو خطاب أمل، حيث يتلاقى التراث والابتكار لمواجهة التحديات المعاصرة. وتبين رحلتهم أنه، بعيداً عن المعاناة، هناك دائماً مجال للتجديد وإعادة الابتكار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram