TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: محافظٌ يخافُ شجرة الميلاد

قناديل: محافظٌ يخافُ شجرة الميلاد

مع احتفالات اعياد الميلاد ورأس السنة 2025

نشر في: 29 ديسمبر, 2024: 12:05 ص

 لطفية الدليمي

احتفالاتُ أعياد الميلاد ورأس السنة في بغداد كان لها طعمٌ لا يُنسى في خمسينيات وستينات وسبعينيات القرن الماضي. كانت احتفالياتٍ جمعيةً مميزة تملأ قلوب البغداديين والعراقيين بفرح وصخب وبهجة ورغبة في عيش حياة جميلة وتوقّع كلّ ما يُفْرِحُ قلب المرء. الجميع كان مدعواً لهذه الإحتفاليات من غير استثناءات إلّا من شاء أن يحجب الفرح عن قلبه. كانت تلك الأيّامُ (عندما كنّا بشراً) كما عبّر منشور فيسبوكي لبغدادي حقيقي رأى الكثير من مباهج العالم؛ لكنّ قلبه ما زال يختزنُ حنيناً لتلك الأيام الجميلة.
عشتُ مع عائلتي لعقود عديدة جانباً من تلك المباهج التي تكادُ تُحيي الموتى من فرط فعلها في قلوبنا وأرواحنا، وهي ما صارت بتلك الشدّة والعظمة إلّا لأنّها كانت حقيقية نابعة من القلب من غير استعراضات فلكلورية نردّدُ فيها كثيراً أنّ المسيحيين مكوّنٌ أساسي وأصيلٌ في المجتمع العراقي. هل اكتشف السياسيون أو اللاعبون بالسياسة هذه الحقيقة اليوم؟ ما قصّة المكوّنات التي يريدون لنا تصديقها؟ منذ أن دخلت مفردة (المكوّنات) في الدستور العراقي والسياسة العراقية والعراق ليس بخير. في العقود الجميلة التي سبقت كانت الأفعال هي التي تحكي بعيداً عن الخطب والكلمات المنمّقة. حتى برامج التلفاز ذي القناة الواحدة كانت تُخصّصُ لأعياد الميلاد. اليوم ليس بيننا من يشعر بتلك النشوة الرائعة. يبدو الأمر وكأنّه إسقاطُ فرضٍ لبضع ساعات أو أيّام.
نعرفُ أنّ الحكومة، أيّة حكومة، في كلّ شكل سياسي سواء كان برلمانياً أو رئاسياً يجب أن تعمل بتناغم وتوافق بين واجهاتها التنفيذية حتى يكون لسياساتها المعلنة مصداقية حقيقية. هل أنّ المحافظين مع مجالس محافظاتهم يعملون من غير تنسيق مع الحكومة الاتحادية؟ ما معنى أن يذهب رئيس الحكومة الاتحادية ليحضر قدّاساً في كنيسةٍ عشية عيد الميلاد، ثمّ ينتشر في الوقت ذاته فيديو يظهر فيه محافظ كربلاء وهو يتوعّدُ من ينصبُ شجرة الميلاد؟ يذكر العراقيون ما فعله المحافظ ذاته السنة السابقة عندما أطاح بشجرة ميلاد كبيرة في فعل لا ينمُّ عن سلوك حضاري فضلاً عن تناقضه مع وعود المسؤولين الحكوميين ابتداء من رئيس الوزراء. هل الكلام هو محضُ هواء يتبدّدُ في فراغ من غير سياسات حقيقية؟ ظهر المحافظ وهو يملي توجيهاته لثلّة من الشباب بضرورة قمع أية مظاهر احتفالية لأعياد الميلاد ورأس السنة. بعد إكماله إملاء توجيهاته الصارمة راح يقبّلهم واحداً بعد الآخر وكأنّهم ماضون لخوض موقعة حربية فاصلة. أطاح المحافظ بكلّ ما قاله رئيس الوزراء من كلام جميل في كنيسة مار يوسف.
نعرف حُجّة المحافظ: الحفاظ على قدسية المدينة وخصوصيتها الدينية. ألم يسأله أحدٌ مستفهماً: وهل تتقاطع احتفاليات ميلاد المسيح مع قدسية كربلاء؟ كيف يفهم محافظ المدينة هذا التقاطع المفترض؟ يقول المحافظ في مقطع من الفيديو التسجيلي له (لا نريد أن نكون ملكيين أكثر من الملك). مَنْ هم الملكيون الذين قصدهم؟ سنسمعُ قصائد طويلة وعريضة عن الاختراق الثقافي من بوّابة الإحتفاليات والرموز المستخدمة فيها؛ لكنّ الحقيقة أنّ المحافظ وكلّ العراقيين معه مخترقون ثقافياً وتقنياً وعلمياً واقتصادياً. هذا واقع حال لا يمكن نكرانه. يترك المحافظ كلّ هذه الاختراقات ويذهب لفعالية بريئة فيستخدم صلاحياته لقمعها. أهكذا تكون المروءة؟
لا أظنّ المسيحيين في حاجة لبضع أشجار ميلاد سيطيحُ بها محافظ آخر؛ لكنّ خوفنا أن يفهم المسيحيون العراقيون فعل المحافظ وكأنّه رسالة كراهية مختزنة في النفوس والقلوب تنتظر من ينكأ غلافها لتندلق على الملأ.
الكلمات الطيبة مطلوبة؛ لكنّها لن تكون أكثر من فلكلور ساذج تكذّبهُ الأفعال على الأرض متى ما تناقضت الأفعال مع الكلمات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Emmanuel Kado

    منذ 11 شهور

    مناسب لهذه الذكره الدينيه و شكرا جزيلا الكربلاء الدينيه

يحدث الآن

ثلاثة منتخبات تحجز مقاعدها مبكراً في ربع نهائي كأس العرب 2025

القضاء يحسم 853 طعناً على نتائج الانتخابات

الداخلية: العراق بنى منظومة متطورة لمكافحة المخدرات

التخطيط تتجه لتوسيع الرقابة النوعية لتشمل الصادرات والواردات عالية المخاطر

قبول 1832 طالباً في المنح المجانية لكليات المجموعة الطبية

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram