TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > النَّزاريَّة.. تجربتها أمام "تحرير الشَّام"

النَّزاريَّة.. تجربتها أمام "تحرير الشَّام"

نشر في: 2 يناير, 2025: 12:02 ص

رشيد الخيون

ربَّما تكون تجربة «النَّزاريَّة، أو ما أصطلح عليها بالحشاشين، مِن بين تجارب الفرق الدينية النَّادرة في تحولها، مِن العنف إلى المدنية والفنون والثَّقافة، تمثلها اليوم «اللأغاخانيَّة»، صاحبة مراكز البحوث، والمكتبات، والاهتمام بالعِمارة، التي أفردت جائزة عالميَّة لها. بالمقابل ما يُعرف عن«جبهة النّصرة»، أو«هيئة تحرير الشَّام»، كانت مؤطرة في «القاعدة»، تُعد مِن «السلفيات الجهاديَّة»، ومارست ذلك في الميادين الملتهبة كافة، إلا أنَّ ظهورها وهي تستلم السلطة بسوريا (يوم 8 ديسمبر2024)، كان مفاجأة، ومفاجأة أيضاً ما سمعناه مِن زعيمها، المتخلي عن لقبه الجهادي «الجولانيّ»، بأنَّ العلاقة مع «القاعدة» أصبحت ماضياً، والأخذ بالمدنيّة.
أقول: إذا اختبر ذلك وتحقق فيُعد تغييراً جذرياً، لنا اقترانه بما حصل للنزاريَّة، عندما كفت عن العنف ضد العباسيين والفاطميين، حتى طال عنفها ملوك وأمراء أوروبا. راجعت النّزاريَّة نفسها وتراجعت، بعد أكثر مِن مئة عام: في هذه السَّنة (608 هجرية) أظهر الإسماعيليَّة، ومقدمهم الجلال الصبّاح، الانتقال عن فعل المحرمات واستحلالها، وأَمر بإقامة الصَّلوات، وشرائع الإسلام ببلادهم مِن خُراسان والشَّام، وأرسل مقدمهم رُسلاً إلى الخليفة (العباسي)، وغيره مِن ملوك الإسلام، تخبرهم بذلك، وأَرسل والدته إلى الحجِّ، فأُكرمت ببغداد إكراماً عظيماً، وكذلك بطريق مكة» (ابن الأثير، الكامل في التاريخ)، وهم الآن جماعة الأغاخان، يساهمون بدعم الثقافة والفنون عالمياً.
كنا أخذنا برأي المؤرخ حسن الأمين (ت: 2002)، عن تسمية الحشاشين نسبة إلى الحشائش الطبيّة (الأمين، الإسماعيليون والمغول)، تبرئة لهم مِن استعمال المخدر، لكنَّ بعد الاطلاع على مصادر مهمة، نجد رأي الأمين غير دقيقٍ، فهناك جماعة عُرفت بـ «الحشيشيَّة»، أيّ كانوا يأخذون الحشيش المخدر، «وهم قومٌ في تلك الدِّيار، يرمون نفوسهم على الملوك، فيقتلونهم ويُقتلون، ويرون ذلك دينيّاً» (ابن دَعثم، السّيرة الشَّريفة المنصوريَّة).
قصد ابن دعثم الصَّنعانيّ (ت: 615هج) - شيعيّ زيديّ المذهب - القبض على أربعة أسرى مِن الحشيشيَّة النَّزاريّين. فليس الرَّحالة الإيطاليّ ماركو بولو(ت: 1324م) مَن أطلق تسمية «الحشاشين»، إنما كانت أقدم منه بكثير. بدأ تنظيم النّزارية، بعد الانشقاق عن الإسماعيليَّة الفاطميَّة بمصر، القرن الخامس الهجريّ، لسبب سياسي، وهو اختيار المستعلي بن المستنصر الفاطمي بدلاً عن أخيه نزار بن المستنصر، المستحق لولاية العهد، الذي اعتقل فخرج مؤيدوه بقيادة حسن الصَّباح (ت: 518هج)، وكان أسلوبهم الاغتيال، فمِن أبرز المقتولين بخناجرهم الوزير السلجوقي نظام الملك (485 هج)، والخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله (524 هج)، ومحاولة اغتيال السُّلطان صلاح الدين الأيوبي (569 هج) بحلب.
مثلما كان النّزاريَّة يمارسون العنف تحت تأثير المخدر، كذلك نُقل عن الجماعات الإرهابية الانتحاريين اليوم تعاطي المخدر في عملياتها، فالإقدام على قتل النفس والغير، مِن أجل دخول الجنة، يتطلب تغييب العقل. كانت تجربة «النّزاريّة» مريرة، للذين قتلوا بخناجرهم، وللمقتولين منهم، ففي وقائع كثيرة قدموا أنفسهم كانتحاريين، فكانوا يعرضون أنفسهم للقتل عند تنفيذ الاغتيال، «يرمون نفوسهم على الملوك، فيقتلونهم ويُقتلون، ويرون ذلك دينياً ».
صحيح، أنَّ المغول قدموا إلى العالم الإسلامي، حتى اجتاحوا بغداد(656 هج)، بسبب قلاع الحشاشين، وأبرزها«قعلة ألموت» بقزوين، لكن قبل هذا بثلاثة عقود، مالوا بالعراق إلى نبذ العنف مثلما تقدم. إنَّ الأسباب الموجبة لمراجعة النَّزاريَّة لأنفسهم أنَّهم طوال مئة عام ظل ملكهم محصوراً في القلاع، ولم يتمكنوا الانتصار على أحدٍ، وتأسيس دولة، ناهيك عن أنَّ الخلافة الفاطميَّة الإسماعيلية بمصر قد سقطت(566 هج) .
أمَّا عن النّصرة أو«هيئة تحرير الشَّام»، فإنّها تسلمت الأمر بسوريا، بمفاجأة لم تحسب حسابها، وهي على فكرها وأسلوبها السابق لم تتمكن مِن الاستمرار، عليها التمييز بين السلطة والبناء، والمعارضة والهدم، وهجر الماضي تماماً، فسوريا ليست أفغانستان، كي يؤخذ بنموذج «طالبان»، وإذا أرادت العمران، وتسجيل بادرة مختلفة عن تاريخها، تأخذ بنموذج النّزاريَّة، عندما تحولت إلى الثقافة والعمران.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. كريمة الرئيس

    منذ 2 أيام

    موضوع رائع للتعريف على تاريخنا

يحدث الآن

بطولات وتحوّلات.. ملاحم ومحطات الجيش العراقي في الذكرى 104 من تأسيسه

اثيل النجيفي: التغيير السياسي في العراق قادم

الإعمار تحدد موعد التقديم الإلكتروني لقروض صندوق الإسكان

وزير الدفاع يعلن انجاز معاملات حقوق عوائل شهداء الجيش

التجارة تطلق حصة جديدة من السلة الغذائية إعتبارا من الغد

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

قراءة في تطورات التعليم العالي عام 2024 وتطلعات المستقبل

العمود الثامن: ماذا حدث للمستشار؟

العمود الثامن: من يغني للمسؤول العراقي؟

ماذا يقول السيستاني؟

النَّزاريَّة.. تجربتها أمام "تحرير الشَّام"

العمود الثامن: طاعون الفشل

 علي حسين ظل المثقفون العرب حائرين بين جان بول سارتر وغريمه ألبير كامو، وأمضى الراحل عبد الرحمن بدوي نصف عمره يحل ألغاز كتاب سارتر الشهير "الوجود والعدم" من أجل أن يقدمه للقارئ العربي...
علي حسين

قناديل: كفكف دموعك واتبع سيدوري

 لطفية الدليمي لم ألعب في حياتي سوى القليل من مباريات الشطرنج، وكلّ ما عرفته عن هذه اللعبة أنّها (لعبة الملوك) لأنّ كلّ نقلة فيها تنطوي على كثرة من الخيارات، وكلّ خيار يؤدّي إلى...

قناطر: أنت ذاهب الى الشرق وأنا عائد منه

طالب عبد العزيز لا أريدُ أنْ أغنّيَ أغنيةً لا تعني أحداً، ولا أظنّه مناسباً وقوفك على أسباب تراجع الضوء في الأباجورة عند الباب، وقد يجدي نفعاً أنْ تهمل شَعْري ببياضه، هكذا: لكنْ تعالَ، خذه...
طالب عبد العزيز

نظرة مستقبلية بعيدا عن الآيديولوجيا الشعبوية

عصام الياسري أدخلت الأحداث الأخيرة سيما بعد سقوط نظام الأسد وإعادة الدول العظمى برمجة استراتيجية توازن القوى في المنطقة العديد من الأنظمة العربية في حالة من الارتباك وإعادة النظر في اصطفافاتها السياسية الداخلية والخارجية...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram