عصام الياسري
من مظاهر الازمة السياسية في العراق من بعد احتلاله تدخل الدول الخارجية في شؤونه الداخلية وتصفية الحسابات السياسية عسكريا على ارضه، امريكا وايران من جهة وتركيا وحزب العمال الكردستاني من جهة أخرى. على هذا النحو قس، كم هو حجم المعاناة التي يواجهها المجتمع العراقي بسبب الأزمات والصراعات التي سببها طبقة سياسية لا تفهم في علم السياسة ما يعرف "قداسة الوطن"، الذي يقتضي تحقيق ركيزتين أساسيتين: "حماية أمن الدولة"، حدودها الجيوديمغرافية وثرواتها الوطنية. والثاني "رفاهية المواطنين" وصيانة ارواحهم ومستقبلهم وتوفير كل احتياجاتهم اليومية بما فيه السلم الاهلي. بيد أن هاتين الركيزتين اللتين مع وفرة وتنوع الموارد الطبيعية التي يمتلكها العراق في عصر التطور العلمي والتقني، لم تقم الطبقة السياسة بتحقيقها واكتفت في تأمين مصالحها على حساب بناء الدولة والمجتمع.
عقدين من الزمن مضى والازمات والمخاطر لم تتوقف، فيما المسببين لها من المتسلطين على مؤسسات الدولة لم يتعرضوا الى الى أي مساءلة قانونية. في الدول المدنية يعتبر ذلك امرا خطيرا يعرض البلاد الى تفاقم الازمات والانزلاق في اتون المجهول والفوضى السياسية والاقتصادية والمجتمعية.
ان انحياز مؤسسات الدولة باتجاه توزيع الموارد والاستثمارات نحو المشاريع التي تخدم مصالح الأحزاب المتسلطة بدلا عن تلبية احتياجات المجتمع وعملية الاعمار والبناء حيث يتم تفضيل المشاريع التي تعود بالفائدة للقادة السياسيين على حساب الاستثمار في البنية التحتية الأساسية. وادى التعيين في المؤسسات الحكومية ودوائر الدولة على اساس الولاء السياسي وليس على الكفاءة والنزاهة إلى انتشار الفساد وتدهور الخدمات وعدم تحقيق ادنى استفادة من موارد الدولة. وبالتالي، إلى تدمير ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وتشويه الامتثال للقوانين واللوائح. فالقادة السياسيين يمارسون الفساد ويفلتون من العقاب عن جرائمهم. فيما يتردد المواطنون في التعاون مع السلطات والإبلاغ عن مواقع الفساد خوفا على حياتهم. الى ذلك، فان تفاقم التفاوت الاجتماعي على المستوى الاقتصادي والجيوبيئي جعل الأغنياء يعيشون في "محميات" تحظى بخدمات من الترف بينما يعاني الفقراء في المناطق النائية من نقص في الخدمات ومياه الشرب والكهرباء والحصول على فرص العمل بشكل عادل. بيد أن الاحزاب المتسلطة تستغل تمدد منتسبيها في البيئة السياسية للدولة للاستفادة من تحقيق مكاسب شخصية وتمادي الفساد دون عقاب قانوني او مساءلة قضائية…
إن عدم وضع حد لهذه الظواهر وانعدام الرقابة والمساءلة القانونية في دوائر الدولة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية حال إلى دون اهتمام من شأنه تشجيع المشاركة المدنية والإعلام المستقل للكشف عن مظاهر الفساد والأخطاء السياسية المتراكمة أو تحقيق العدالة وجعل النظم القانونية صارمة التطبيق على الجميع دون تمييز بما في ذلك المسؤولين وقادة الأحزاب.
إذن، ما العمل لمواجهة هذه التحديات على المستوى المجتمعي والسياسي؟
على المستوى المجتمعي: يجب تشجيع المجتمع بكثافة على فهم آثار الفساد ونقص الخدمات الأساسية وكيفية التصدي لهما. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات التوعية وإعداد البرامج التثقيفية من قبل منظمات المجتمع المدني والأحزاب التي لا تنسجم أهدافها مع ممارسات أحزاب السلطة وأدائها. تعزيز دور المجتمع المدني في مراقبة السلطات وأساليب استخدام الموارد العامة. إذ للمنظمات غير الحكومية والجمعيات المدنية أثرا في أن تلعب دورا مهما في رصد الأخطاء السياسية والضغط من أجل المساءلة والمقدرة لأن يكون للمجتمع من خلال الاحتجاجات والحملات العامة "صوت"، يمكن أن يضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات متميزة في القضايا الوطنية والمجتمعية ومعالجة الفساد ونقص الخدمات.
على المستوى السياسي: يجب ممارسة الضغط بأشكال مختلفة المعايير لفرض إتاحة الوصول للمعلومات بشكل عام وسهل لمراقبة أعمال الحكومة والمؤسسات العامة. ممارسة آليات فاعلة مثل (المساءلة القانونية) لمحاسبة المسؤولين، بحيث يتعين على قادة الأحزاب والمسؤولين السياسيين أن يدركوا جيدا بأنهم سيواجهون عواقب قانونية إذا ما تورطوا في عمليات تتعلق بأمن الدولة أو إساءة استخدام السلطة تحت مظلة المحسوبية والانتماء الحزبي. والأهم أن يكون الساعون لتحقيق هذه الأهداف من القادة السياسيين الذين لهم باعا في إدارة العمل بين الأوساط المجتمعية ويتمتعون بالنزاهة والمهنية السياسية. ذلك سيلهم المزيد من المسؤولية لتحقيق التغيير في منظومة الحكم. ذلك يتطلب بالتأكيد وقتا وجهدا كبيرين، لكن ممكن أن يحدث ديناميكية لفعل يجعل الدولة تلتزم بمسؤوليتها تجاه المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية بشكل عادل بالضد من احتكار السلطة والدولة معا.
بشكل عام: العمل على خلق قيادات مجتمعية ملهمة قادرة على تمثيل الشعب والدفاع عن قضاياه، يتطلب، أن يكون المجتمع موحدا، منظما، واعيا وحريصا على الدفاع عن حقوقه، لأن قوة المجتمع تكمن في وحدته وتماسكه وقدرته على تحويل مطالبه إلى قوة لا يمكن تجاهلها من قبل أي سلطة. كذلك السعي لإقامة منصات للحوار بين مختلف فئات المجتمع لتوحيد المطالب وصياغتها بشكل جماعي خاصة فيما يتعلق تشجيع المشاركة العامة في الانتخابات والدعوة لاختيار ممثلين يعبرون بصدق عن تطلعات المجتمع. والأهم تسليط الضوء عبر الإعلام على التحديات التي يواجهها المواطنون وفضح الممارسات التي تتعارض مع تحقيق مطالب المجتمع المدنية والسياسية والوطنية…