علي حسين
عندما سُئلت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن اهدافها من الترشيح لمنصب المستشار ، قالت جملة واحدة : "يمكنكم أن تثقوا بي" كان ذلك عام 2004، وكان عمرها آنذاك 48 عاماً، لتُنتخب عام 2005 مستشارة لألمانيا، في ذلك الوقت كانت ألمانيا تعاني من أزمة اقتصادية وصل فيها العجز المالي إلى مئة مليار دولار وملايين العاطلين، وقفت وسط الجموع لتطلق عبارتها الأخرى "نعم نستطيع".
أعرف جيداً أن الكثيرين من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف لا يهم المواطن البسيط المبتلى بأنباء الاصلاح والبحث عن الدولة التي اضاعها " جهابذة " السياسة ، ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن المستشارة الألمانية ميركل التي اصدرت قبل اشهر قليلة مذكراتها وقد وضعت لها عنوان " الحرية " وفيها نتعرف على السيدة التي ولدت في المانيا الشرقية وقضت 16 عاماً تجلس على كرسي الحكم ، واستطاعت ان تحتل المرتبة الأولى في الأداء السياسي والوطني.
16 عاماً كانت فيها تتسوق بمفردها من دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج، ومعها صورة لعشرات السيارات الحديثة ومعها كبار ضباط الجيش جميعهم يرافقون موكب السيد محمد الحلبوس وهو لا يملك منصبا في الدولة ، واغنيات كتبت ولحنت خصيصا للوزيرة عديلة حمود التي حولت وزارة الصحة الى شركة مساهمة لافراد عائلتها ، في الوقت الذي لا يزال فيه السيد نوري المالكي وهو خارج السلطة يتحكم في معظم مؤسسات الدولة.
في مذكراتها تكتب :" إن الحرية، التى يبدأ عندها عدم تقبل الحدود المفروضة علينا كأشخاص، تبدو أقرب إلى رحلة منها إلى حالة، حيث التحسن المستمر وعدم التوقف أبدًا عن التعلم، وألا نقف مكتوفي الأيدى أمام الصعوبات، والإصرار على الاستمرار فى المضي قدمًا في الحياة حتى بعد ترك خشبة مسرح السياسة" . ماذا تذكركم هذه العبارة؟ بالتأكيد بعبارة ابراهيم الجعفري الشهيرة عن المارد الذي خرج من القمقم.
ستقول مثلي ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي على ان لايخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها الناس له .
أرجو أن لا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين بلاد ميركل وبلاد أصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إنه لا شيء يحمي الشعوب من آفة الخراب سوى مسؤولين ومعهم رجال دين يعرفون معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل لا يحق له حتى الاحتجاج، ولهذا من حق المواطن ان لا يثق بجهابذة الساسة في بلاد الرافدين .